الصفحة الرئيسية
الوكالة في الإسلام
- 16 كانون2/يناير 2014
- الزيارات: 4995
كثيراً ما تتراكم الأعمال على إنسان ما بحيث لا يستطيع أن يقوم بها جميعاً فيحتاج إلى من يساعده في إنجازها، أو قد يحصل أحياناً أن الإنسان لا يريد أن يباشر عملاً بنفسه فينتدب غيره ليقوم بذاك العمل، وهذا أمر متعارف بين الناس جميعاً على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الدول، والمصطلح العام لهذا الإنتداب هو ما نسميه بـ ( التوكيل ) أو ( الوكالة ). والوكالة في الإسلام من نوع العقود القائمة بين طرفين، إلا أنها من العقود الجائزة التي يمكن لكل من طرفيها بفسخها في أي وقت، ويمكن أن يتحقق عقد الوكالة باللفظ، كما لو قال شخص لآخر (أنت وكيل عني في بيع داري)، ويمكن أن يتحقق بالفعل كما لو سلّم شخص لآخر ما يريد أن يجعله وكيلاً عنه في بيعه وفهم منه ذلك. وتحقيق عقد الوكالة صحيحاً يتوقف على توافر الأركان الأساسية وهي التالية: 1. الموكل: وهو الشخص الذي يريد جعل شخص آخر وكيلاً عنه، ويشترط فيه البلوغ والعقل وقصد التوكيل وأن يكون ذلك بالاختيار لا بالإكراه والإجبار، ويشترط في الموكل أن يكون مالكاً لما يريد التوكيل فيه، أو أن يكون قادراً على التصرف إذا لم يكن
مالكاً كما لو كان ولياً على القاصرين وما شابه ذلك كالمجنون والسفيه، أما اذا كان الموكل ممنوعاً من التصرف فيما تحت يده فلا يحق له التوكيل كما لو كان هناك حكم بإفلاسه مثلاً. 2. الوكيل: وهو الشخص الذي يراد جعله وكيلاً في التصرف، ويشترط فيه أيضاً البلوغ والعقل وقصد أن يكون وكيلاً وأن يكون ذلك باختياره أيضاً، ومن شروط الوكيل أن لا يكون سفيهاً إذا كان التوكيل في خصوص القضايا المالية، وأن يكون الوكيل قادراً على القيام بمهام الوكالة شرعاً أو عقلاً، ويصح أن يكون غير المسلم وكيلاً عن المسلم بشكل عام إلا في حالات محددة يمكن أن لا تصح فيها الوكالة، كما لو وكّل المسلم غير المسلم في أخذ حق له من مسلم آخر. 3. الموكّل فيه: وهو ما نريد أن نجعل للوكيل قدرة على التصرف فيه لمصلحة الموكل، وشرط ( الموكل فيه ) أن يكون مباحاً في الإسلام وحلالاً وجائزاً، فلا يصح التوكيل في الأمور المحرمة شرعاً، كما في التوكيل ببيع الخمر أو الخنزير، أو التوكيل في قبض الأموال المحرمة، أو التوكيل للدفاع عن أمر باطل وما شابه ذلك من هذه الامثلة، والوكالة في كل ما كان من هذا القبيل باطلة شرعاً ولايترتب عليها أي أثر إطلاقاً. نعم لو كان التوكيل لاسترداد الحق من غاصب أو سارق أو ممتنع عن إرجاع الحق لصاحبه، فالوكالة هنا لا بأس منها ولا مانع عنها، ومن شروط الموكل فيه أن يكون قابلاً للتوكيل ولهذا لا يصح لإنسان أن يجعل وكيلاً عنه لإبراء ذمته من شيء هو واجب عليه شرعاً وكان من العبادات كالصلاة والصوم وما شابه، نعم هنا يصح جعل شخص وكيلاً عن الآخر في إيصال الحقوق الشرعية إلى الحاكم الشرعي أو إلى المستحق شرعاً وهذا في مثل الخمس والزكاة والكفارات والصدقات وما شابه ذلك. وليس للوكالة ضمن دائرة الحلال مورد محدد بل تصح في كل العقود اللازمة أو غير اللازمة، فكما تصح الوكالة في البيع تصح في الإجارة والمضاربة والرهن والقرض والشراكة والضمان والزواج والطلاق، وكذلك تصح في مثل الهبة والإبراء واستعمال حق الخيارات في البيع وغيره من العقود، كما لو اشتريت شيئاً فتبين أن فيه عيباً وأريد أن أرده فهنا يحق لي توكيل شخص آخر في رد ما اشتريت إلى البائع، ومن هنا يصح أن يجعل الزوج زوجته وكيلاً عنه في طلاق نفسها منه عند حدوث المبررات الشرعية أو عند مخالفة الشروط التي اشترطتها عليه في عقد الزواج مثلاً ولا مانع من ذلك. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هناك بعض الأمور التي لو حدثت لأحدهما ـ الوكيل أو الموكل ـ بطلب الوكالة، وهذا ما يتحقق في حالات الجنون أو الإغماء أو لو فرضنا أن ما كان الوكيل موكلاً فيه قد تلف ولم يعد موجوداً كما لو أوكلت بيع سيارة لشخص ثم تلفت السيارة لسبب ما ففي هذه الحالة تبطل الوكالة شرعاً. وكذلك لا مانع من توكيل شخص لشخص آخر في رفع الدعاوى على من له حقوق عليهم أو رفع الدعاوى لرد شكاوى الآخرين عنه، لكن كل ذلك ينبغي أن يكون ضمن دائرة الصدق والحق وعدم استتباع ذلك للكذب أو تبيان خلاف الحقيقة والواقع، أما لو استلزم التوكيل في مثل هذه المجالات كذباً أو شهادات زور أو تغييراً للحقائق فإن كل ذلك محرم شرعاً ولا يسقط الحق عمن هو عليه في هذه الحالة، كما لا يملك من ثبت له الحق بهذه الطريقة وهو ليس حقاً له، ويعتبر هذا المورد من نوع أكل المال بالباطل وهو من كبائر الذنوب عند الله عزوجل، ولهذا لا مانع من الناحية الشرعية من عمل المحاماة طالما أنه وسيلة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل والكسب طالما هو بالضوابط الشرعية حلال ومباح. وبما أن الوكالة عمل مباح ومشروع في الإسلام فلا مانع من أخذ الوكيل أجرة على قيامه بذلك العمل وفق ما يتفق عليه مع موكله ولا حدود للأجرة طالما أن الطرفين راضيان بها، ومن هنا يمكن أن يكون عمل الوكيل مجانياً إذا رغب بالعمل لدى آخر كوكيل عنه ولا يريد أخذ أجرة منه وهو في هذه الحالة متبرع بعمله للموكل. وبعد تحقق عقد الوكالة بين الطرفين يصبح ما هو ملك للموكل وتحت يد الوكيل أمانة عند الوكيل وعليه أن يتصرف وفق ما تتضمنه الوكالة من حدود في الصرف والتصرف والبيع والشراء اذا حدد له نوعاً أو أنواعاً معينة من التجارات والأعمال، ولا يحق للوكيل أن يتجاوز حدود الوكالة فلو فعل كان متعدياً وضامناً من الناحية الشرعية فيما لو ترتب على تلك المخالفة خسارة أو تلفاً أو ضياعاً لحقوق الموكل، لأن معنى أمانة الوكيل أنه نفس الموكل في التصرف في حدود وكالته، ولذا لو لم يتجاوز الوكيل حدود وكالته وتاجر بالمال واشترى وباع وحصلت الخسارة فهو ليس بضامنه شرعاً لأنه التزم بالوكالة وما كان سبب الخسارة هو أمر آخر لا ربط للوكيل به. وعند حصول خلافات بين الوكيل والموكل، فتارة يكون الخلاف حول تلف أموال أو ضياعها ويدّعي الموكل أن الوكيل قد تجاوز حدود الوكالة، فإن كان الموكل قادراً على إثبات دعواه بالبينة الشرعية والإثباتات المقبولة فيثبت له الضمان عند الوكيل، واذا لم يقدر على ذلك كان يمين الوكيل كافياً لإسقاط دعوى الموكل. وأما إذا ادعى الموكل أن الوكيل لم يرد إليه ماله مثلاً مع إقرار الوكيل باستلام المال قبلاً، فهنا يجب على الوكيل إقامة البينة الشرعية على تسليم المال للموكل، فإذا لم يتمكن من إثبات رد المال يكفي يمين الموكل لإثبات حقه عند الوكيل وجواز المطالبة به. ونصل أخيراً إلى نقطة مهمة في بحث الوكالة وهي مورد ومحل ابتلاء للعديد من الناس الذين يعملون وكلاء لأفراد أو شركات أو مؤسسات، وهذه المسألة هي أن العديد من التجار يحاولون أحياناً إعطاء هؤلاء الوكلاء، مغريات مالية على حساب موكليهم، فمثل هذه الأموال لا يحق للوكلاء استلامها وأخذها لأنفسهم لأنها حق للشركات أو للأفراد أو المؤسسات التي أوكلتهم بتلك المهمات، وللسيد القائد الإمام الخامنئي ( دام ظله ) استفتاءات متعددة في هذا المجال نختار منها ما يلي: إستفتاء ـ 1 ـ : الأموال التي يعطيها بعض البائعين لوكلاء الشراء من دوائر الشركات من دون إدراجها في القيمة المسجلة على الوصل ما هو حكمها بالنسبة إلى البائع؟ وما هو حكمها بالنسبة إلى الوكيل في الشراء؟ الجواب: لا يجوز للبائع دفع مثل هذا المال إلى الوكيل ولا يجوز للوكيل استلامه، وكل ما يأخذه الوكيل يجب أن يسلمه إلى الدائرة أو الشركة التي كان وكيلاً عنها في الشراء. إستفتاء ـ 2 ـ : الموظف أو العامل في شركة حكومية أو خصوصية، الذي تكون وظيفته تأمين حوائج الدائرة أو الشركة بالشراء وكالة من محلات البيع، هل يجوز له أن يشترط على من يشتري منه الحوائج بأن يكون له نسبة مئوية من الربح الحاصل بالشراء منه؟ وهل يجوز له استلام مثل هذا الربح؟ وما هو الحكم إذا أجاز له المسؤول الأعلى مثل هذا الشرط؟ الجواب: ليس له مثل هذا الإشتراط ولا يصح منه بل يكون باطلاً، فليس له استلام وأخذ ما اشترط لنفسه من الربح، وليس للمسؤول الأعلى للإذن له في مثل هذا الشرط ولا أثر لإذنه وإجازته في ذلك. نعم، في حالات معينة قد يكون مثل هذه الفائدة المالية محللة للوكيل وهي فيما لو كان منتدباً لشركة ما أو عمل ما في تأمين زبائن ومشترين لبضائع تلك الشركة أو ذلك المحل وله نسبة معينة من الثمن أو من الأرباح، ففي هذه الحالة لا مانع من أخذ ذلك المال لأنه حلال له ومباح ومشروع باعتبار أن أرباب المال هم الذين ارتضوا ذلك من أنفسهم وبعلمهم، وللسيد الخامنئي (دام ظله) استفتاءات في هذا المجال نختار منها التالي: إستفتاء: لو كان الوكيل عن الدائرة أو الشركة في تأمين وشراء حوائجها مضافاً إلى ذلك وكيلاً عن إحدى الشركات أو أحد محلات البيع في بيع منتوجاتها وسلعها، وقام بتأمين وشراء حوائج الدائرة أو الشركة من بيع منتوجات وسلع تلك الشركة أو المحل، فهل يجوز له أخذ نسبة مئوية لنفسه من الربح الحاصل من مثل هذه المعاملة؟ الجواب: لو صح عقد البيع والشراء الذي أبرمه بالوكالة بأن وقع على طبق الوكالة وعلى وفق مصلحة الموكلين، جاز له الأخذ لنفسه من الربح الحاصل من البيع ما توافق عليه مع من توكل عنه في بيع ما له بعنوان الأجرة لعمل الوكالة. والحمد لله رب العالمين