الصفحة الرئيسية
البحث في عدّة الطلاق وغيره
- 16 كانون2/يناير 2014
- الزيارات: 6109
بعد اكتمال الحديث عن شروط الطلاق وأنواعه يصل بنا الكلام إلى "العدّة"، وهي عبارةٌ عن فترةٍ زمنيةٍ معينةٍ يجب على المرأة الإعتداد بها كحكمٍ شرعيٍّ لا بدّ من الإلتزام به، وبعد ابتداء تلك الفترة تصبح المرأة المُعتدّة حرّةً بنفسها، وهي وليّة نفسها فيحقّ لها الإرتباط بعد ذلك بمن تشاء. والموجب للعدّة أحد أمورٍ ثلاثةٍ في العقد الدائم وهي "الطلاق" أو "الفسخ" أو "الإنفساخ" ، وفي العقد المنقطع ما يوجب العدّة هو انقضاء مدة العقد وانتهاؤها أو أن يهب المُتمتِع الزوجة المُتمتَع بها باقي المدّة، وما يوجب العدّة أيضاً هو "موت الزوج"، ويوجبها أيضاً "وطء الشّبهة" وهو عبارةٌ عن من يمارس فعل النّكاح مع امرأةٍ يتصوّر أنّها حليلته ثم يتبيّن له أنّها محرّمة عليه، فهذه المرأة يجب الإعتداد عليها إذا حصل نكاحها شبهةً. ولا بدّ من التنبيه قبل الحديث عن "العدّة" أنّ هناك نساءً لا يجب عليهنّ الإعتداد في حالة الطّلاق الواقع عليهنّ من أزواجهنّ، وهذه النساء هنَّ التاليات: أولاً: الزوجة غير المدخول بها، بمعنى أنّ شخصاً ما لو عقد قرانه على فتاةٍ ما سواءً أكانت بكراً أم ثيّباً ولم يدخل بها، ثمّ بدا له أن يطلّقها لسببٍ أو لآخر، فهذه المطلَّقة بما أنّه لم يحصل دخولٌ من الزوج بها فلا تجب عليها عدّة الطلاق، وبمجرد أن يقول صيغة "زوجتي طالق" تصبح محرّمةٌ عليه مباشرةً إلاّ بعقدٍ جديد. ثانياً: المرأة اليائسة، والمراد بها المرأة التي بلغت سنّ الخمسين سنة هجرية إذا كانت غير هاشميّة، أو بلغت سنّ الستين إذا كانت هاشميّة، فهذه المرأة التي تسقط عنها
أحكام الحيض بعد بلوغها هذه السّن تسقط عنها العدّة فيما لو طلّقها زوجها، وتصبح محرّمة عليه مباشرةً. ثالثاً: الزوجة غير البالغة سنّ التّكليف، وهذا المثال صار نادراً في أيّامنا وهو ما لو فرضنا أنّ والداً ما قبل بعقد قران إبنته غير البالغة شرعاً ،أيّ لم يصبح سنّها "تسع سنواتٍ هجرية"، على شخص ما، ثمّ بدا للزوج أن يطلّقها، فمثل هذه الزوجة المطلقة بما أنّ سنّها أصغر من السنوات التسع الهجرية لا يجب عليها الإعتداد، وتصبح محرّمة على الزوج المطلِّق بمجرد حصول صيغة الطلاق. وأمّا غير المذكورات من الزوجات فتجب عليهنّ العدّة لو طلّقهنّ أزواجهن، واصناف النّساء الواجب عليهنّ الإعتداد هنا: أولاً: الزوجة الحامل، فالزوجة إذا طلّقها زوجها وكانت حاملاً، فإنّ عدّتها الشرعية تبقى مستمرّة حتى تضع حملها بمعنى أن تلد الولد الحامل به، سواء ولدته في أوانه أو في غير أوانه كما لو أجهضته قبل وقت ولادته الطبيعيّة، وبمجرّد أن تلد طفلها أو يحصل الإجهاض تنتهي عدّتها وتصبح أجنبيّةً عن الزوج بمعنى أنّها تصبح محرّمةً عليه، ولو فرضنا أنّها كانت حاملاً بولدين فعدّتها تنتهي بعد أن تلد الطّفل الثاني. ثانياً: الزوجة غير الحامل ذات العادة، بمعنى أنّ الزوجة المطلَّقة إذا لم تكن حاملاً وكانت لها عادةً منتظمةً سواء أكانت وقتيةً وعدديةً أو وقتيةً فقط أو عدديةً فقط، فإنّ عدّتها بعد الطلاق هي أن تأتيها "العادة الشهرية" ثلاث مرات، حتى تصبح محرّمةً على زوجها المطلِّق، ولو فرضنا أنّ بعض النساء تتأخّر عادتهنّ بأن تأتيها "العادة الشهرية" مرّة كلّ شهرين، فمثل هذه الزوجة تعتدّ بـ"العادة الشهرية"، وكذلك لو فرضنا أنّ بعض النّساء تأتيهنّ العادة كلّ خمسة عشر يوماً، فمثل هذه المرأة تعتدّ بـ"العادة الشهريّة" أيضاً. وبالجملة فكلّ امرأةٍ تأتيها العادة الشهريّة بانتظام، أو تأتيها مرّتين في الشّهر أو مرّة كلّ أقلّ من ثلاثة أشهر يجب عليها الإعتداد بـ"الأقراء" كما هو التعبير الفقهي، والمراد بـ"الأقراء" – الأطهار الواقعة بين الحيضات الثلاث- فمثلاً طلَّق رجل زوجته، وقلنا سابقاً أنّ من شروط الطلاق أن يكون في "طهر" لم يواقع الزوج زوجته فيه، فهذا الطهر هو الأول، ثمّ تأتيها العادة الشهرية، ثمّ يأتيها "الطهر الثاني" ثمّ تأتيها العادة مرّة أخرى، ثمّ يأتيها "الطهر الثالث"، ثمّ تأتيها العادة مرّة ثالثة، وبمجرّد رؤية الدم في هذه العادة لا يجوز لزوجها إرجاعها بمعنى أنّ إرجاعه لها لا معنى له بعد رؤيتها دم العادة الثالثة، لكنّ هذا يعني أنّه يجوز للمرأة أن تتزوج بآخر أثناء هذه العادة، وليس عليها أن تنتظر حتى تطهر وعندئذ يصحّ الزواج من رجلٍ آخرٍ لأنّها بعد انتهاء العادة الثالثة ينقطع آخر رباط مع الزوج. ثالثاً: الزوجة غير الحامل والتي لا عادة لها، وهذه الزوجة هي عبارة عن المرأة التي هي بين سن "التسع سنوات هجرية "وسن" الخمسين إذا كانت غير هاشميّة، أو الستين إذا كانت هاشميّة، لكن لا تأتيها العادة الشهريّة إمّا لأنّها من حين الولادة لا تأتيها العادة أو لسببٍ طارىءٍ في حياتها، فمثل هذه الزوجة يجب عليها الإعتداد بثلاثة أشهر من حين الطلاق، وكذلك الزوجة التي تأتيها العادة الشهريّة مرةً كل أربعة أشهرٍ مثلاً، فمثل هذه المرأة يجب عليها الإعتداد بثلاثة أشهر فقط، وبانتهاء الأشهر الثلاثة من حين الطلاق تصبح محرّمةً على الزوج المطلِّق. وأمّا العدّة الشرعيّة في حالة المرأة المتمتّع بها فهي على النّحو التالي: أولاً: إذا كانت المتمتّع بها حاملاً فتنتهي عدّتها بوضع الحمل أو بالإسقاط إذا لم يصل الحمل إلى حالة الوضع الطبيعي. ثانياً: إذا كانت المتمتّع بها غير حاملٍ، فإذا كانت ممّن تأتيها العادة الشهريّة فإنّها تعتدّ بحيضتين بمعنى أنّها بعد إنتهاء مدّة عقد المتعة أو هبة المدّة لها من طرف المتمتّع بها يجب أن تمرّ عليها حيضةً أولى "عادة شهرية" ثمّ تطهر وتنتظر حتى تأتيها "العادة الشهرية" مرّة ثانية، وبعد أن تطهر تصبح أجنبيّةً عنه ومحرمّةً عليه، ولا بدّ من لفت النّظر هنا إلى أنّ هذه المتمتَّع بها يمكن للمتمتِّع بها أن يعقد عليها عقداً جديداً سواءً أكان دواماً أو إنقطاعاً في فترة العدّة، أمّا غيره فلا يجوز له ولا يصح العقد إلاّ بعد إنتهاء العدّة. ثالثاً: إذا كانت المرأة المتمتَّع بها فوق سنّ الخمسين هجريّة إذا كانت غير هاشميةٍ، أو فوق الستين سنة هجرية إن كانت هاشميةً فهذه بمجرد أن تنتهي مدّة العقد المنقطع أو يهبها الزوج المدّة تصبح أجنبيةً عنه ولا عدّة عليها لا بالحيضتين ولا بغيرها كالعدد بالأيام لأنّ أحكام الحيض ساقطةٌ عنها. رابعاً: إذا كانت المتمتّع بها ما بين سن "تسع سنواتٍ هجرية" و"الخمسين أو الستين" إذا كانت غير قرشيّة أو قرشيّة، ولا تأتيها "العادة الشهريّة" إمّا بأصل الخلقة أو لسببٍ طارىءٍ فعدّتها تكون بالأيام ومقدارها شرعاً "خمسةً وأربعون يوماً" كاملةً. ولا بدّ من الإنتباه إلى أنّ مبدأ حساب عدّة الطّلاق في العقد الدائم أو إحتساب مدّة العدّة في العقد المنقطع هو من حين حصول الطلاق أو من حين حصول إنتهاء المدّة أو هبة المدّة في العقد المنقطع، بمعنى لو فرضنا أنّ رجلاً طلَّق زوجته ولم يخبرها بذلك ولم يقرب منها حتى انتهت عدّتها الشرعية فإنّها تصبح أجنبيةً عنه لأنّ الطلاق هو بيد الرجل ولا يحتاج في صحته إلى موافقة الزوجة أو إخبارها بذلك، وكذلك في العقد المنقطع لو وهبها المدّة من دون علمها ولم يخبرها إلاّ بعد انتهاء عدّتها الشرعية ينقطع كل رباطٍ بينهما أيضاً. وأمّا عدّة وطء الشّبهة وقد أوضحنا ما معنى "وطء الشّبهة في أوّل المقالة فهي على النحو التالي: أولاً: إذا كانت الموطوءة شبهةً غير متزوجةٍ وغير مرتبطةٍ بعقدٍ شرعيّ مع أحد، فإن حملت من ذاك الوطء فعدّتها تنتهي بوضع الحمل، وإن كانت لم تحمل وكانت في سنّ من تحيض ويأتيها الحيض فعدّتها كعدّة المطلّقة، وإن كانت في سنّ من تحيض ولكنّها لا تحيض إمّا من أصل الخلقة أو لسببٍ طارىءٍ فعدّتها ثلاثة أشهرٍ من حين حصول وطء الشّبهة، ويجوز للواطىء شبهةً أن يتزوّج شرعاً من المرأة التي وطأها باعتبار أنّها غير متزوجةٍ ولا مرتبطةٍ بعقد. ثانياً: إذا كانت الموطوءة شبهةً متزوجةً فبعد الوطء شبهة لا يجوز لزوجها معاشرتها بمعنى وطئها في فترة العدّة من وطء الشبهة، لكن تجوز له سائر الإستمتاعات الأخرى دون الوطء كالمداعبة وما شابه ذلك. ثالثاً: إذا كانت الموطوءة شبهةً مطلّقةً وكانت في عدّة زوجها الذي طلّقها فهنا عليها عدّتان "عدّة للوطء شبهةً" ثمّ تعتدّ "عدّة الطّلاق" بعد ذلك، أو لو فرضنا أنّها كانت مُعتدّة من وفاة زوجها ثمّ حصل وطء الشّبهة فعليها كذلك عدّتان "عدّة الوفاة" و"عدّة وطء الشبهة" ولا تتداخل العدّتان هنا، بل تكمل العدّة التي بدأت بها، ثمّ تأتي بالعدّة الثانية. وأمّا عدّة المرأة المتوفّى عنها زوجها فعدّتها هي "أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ" كاملةً، وهنا سواءٌ أكانت الزوجة غير حاملٍ أو كانت صغيرةً دون التسع سنوات أو كبيرةً فوق الخمسين أو الستين، أو كانت مدخولاً بها أو كانت ما زالت بكراً بمعنى أنّه معقود عليها فقط، وسواءٌ أكانت تأتيها العادة الشهرية أو لا تأتيها وسواءٌ أكان العقد عليها دائماً أو منقطعاً ففي كلّ هذه الحالات يجب على الزوجة أن تعتدّ بالفترة التي ذكرناها مع الإلتزام بأحكامها من الحداد وسائر الأحكام المرتبطة بالمعتدّة من وفاة زوجها. نعم في حالة كون الزوجة التي توفي زوجها حاملاً فإنّها تعتدّ بأبعد المدّتين من وضع الحمل أو الأربعة أشهرٍ وعشرة أيام. مثال ذلك: لو توفي الزوج وكانت زوجته حاملاً في شهرها الرابع فهنا تكون عدّتها بوضع الحمل في وقته الطبيعي لأنّ الولادة في الشّهر التّاسع تعني أنّ الأربعة أشهر وعشرة أيّامٍ قد انقضت قطعاً ويقيناً، وأمّا إذا كانت حاملاً في شهرها السابع فإذا ولدت في الشّهر التّاسع فلم يمرّ إلاّ شهران، فيجب على المرأة أن تكمل عدة الوفاة حتى تنتهي فترة الأربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ من حين وفاة الزوج مباشرةً. هذه أهم التّفاصيل في أنواع العدّة التي يجب على المرأة المسلمة الإلتزام بها إذا حصل الموجب لأحد أنواعها على التفصيل الذي شرحناه. والحمد لله رب العالمين