الصفحة الرئيسية
شرائط وجوب الصوم وثبوت الهلال
- 16 كانون2/يناير 2014
- الزيارات: 2057
أولاً: شرائط وجوب الصوم: من الواضح أن كل تكليف في الإسلام له نوعان من الشروط لا بد من تحققهما بالكامل حتى يصبح التكليف منجزاً وواجباً على المكلَّف، أما النوع الأول من الشروط فهو:
الشروط العامة:
1 – البلوغ -: ويراد به أن الإسلام لا يعتبر الإنسان مكلَّفاً إلا إذا وصل إلى سن معين هو الحد الفاصل بين التكليف وعدمه، وهذا السن هو وفق الحساب القمري الهجري وليس وفق النظام الشمسي وهذا يعني أن سن التكليف العام عند الذكر هو "خمسة عشر عاماً هجرياً" تعادل أربع عشرة سنة ميلادية وسبعة أشهر، وعند الأنثى هو "تسع سنوات هجرية" تعادل ثمان سنوات وتسعة أشهر"، وهذا يعني أن كُلاً من الذكر والأنثى إذا لم يبلغا تلك السن لا يكونان مكلَّفين، والدليل هو الحديث القائل (أما علمت أن القلم "التكليف" يُرفَع عن ثلاثة – عن الصبي حتى يحتلم – و-عن المجنون حتى يفيق – و-عن النائم حتى يستيقظ-). وهو مروي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
2 – العقل -: وهو من أفضل المخلوقات عند الله عز وجل، وبه تميّز الإنسان عن باقي المخلوقات، وبسببه أعطاه الله شرف التكليف، فالعقل هو الذي يعطي الإنسان القدرة على الإدراك والتعلم واستيعاب الأشياء واستخراج الكليات واكتشاف القروانين والنواميس الطبيعية، وقبل كل هذا ومعه وبعده هو الموصل للإنسان إلى الله والباعث على عبادته والارتباط به ولذا ورد في الحديث الشريف عن العقل (لما خلق الله العقل، قال له: أَقبِلْ فأقبل، ثم قال له: أَدبِر فأدبرَ، فقال: وعزتي ما خلقت خلقاً أحسن منك، إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أثيب، وإياك أعاقب) وهو مروي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، ورُوِيَ مثله عن غير الباقر من الأئمة (عليهم السلام).
3 – الإسلام -: وهو عبارة عن الإيمان بالله عز وجل ونبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وسائر ما يجب على المسلم أن يعتنقه من الإيمان بالأنبياء والكتب السماوية وأن لا ينكر ما كان من بديهيات الإسلام، ولذا لا يصح الصوم من الكافر لعدم تحقق نية القربة إلى الله بهذا الفعل بسبب إلحاده بالله أصلاً وإنكار وجوده، أو بسب إشراك شيء مع الله عز وجل.
الشروط الخاصة:
1 – المرض: وهو من الأعذار المانعة شرعاً من الصوم وتبيح للمسلم أن يفطر، وشرط المرض أن يكون هناك ضرر لاحق من جراء الصوم أو أن يكون مؤدياً إلى إطالة فترة المرض أو إذا كان الصوم مسبباً لمرضٍ ما يمكن أن تنتج عنه مضاعفات صحية، وأما مجرد أن يكون الإنسان ضعيف البنية الجسدية فهذا لا يجيز الإفطار بذاته إلا إذا انضمت إلى الضعف أسباب أخرى كعدم القدرة على احتمال الصوم فحينها يجوز الإفطار لمثل هؤلاء، وإذا اعتقد المسلم بأنه بسبب المرض إذا صام فقد يحصل لديه الضرر فإن صومه محل إشكال شرعاً إذا لم نقل بأنه يكون باطلاً أيضاً.
2 – السفر: وهو من الأعذار المبيحة للإفطار شرعاً بنص الآية القرآنية كالمرض تماماً، وهنا في هذا المجال توجد تفاصيل كثيرة نتعرض لبعض الأهم منها:
- أن السفر المبيح للإفطار هو البالغ خمسة وأربعون كيلومتراً بشكل امتدادي أو اثنان وعشرون كيلو متراً ونصف ذهاباً ومثلها إياباً، أما إذا كانت المسافة أقل من ذلك فلا يفطر المسلم.
- من اتخذ السفر عملاً له كالسائق والباعة المتجولين ويقطعون المسافة الشرعية فهؤلاء يصومون بشكل عادي ولا يجوز لهم الإفطار.
- من يسافر لأجل أن يعمل كالعمال والموظفين إذا كانوا يسافرون بشكل يومي أو بشكل دوري بحيث لا يبقون عشرة أيام متواصلة من دون الذهاب للعمل، وكانوا يقطعون المسافة الشرعية فإنهم يصومون بشكل عادي أيضاً.
- الطلاب والمسافرون للنزهة أو لغير العمل فهؤلاء لا يصح منهم الصوم إذا كانوا يقطعون المسافة الشرعية كمن كان بيته في الجنوب أو البقاع مثلاً ويأتي أسبوعياً إلى بيروت للدراسة، نعم إذا نوى هؤلاء الإقامة عشرة أيام يصح منهم الصوم بشرط أن يبقوا العشرة أيام التي نووها.
3 – الأعذار الأخرى: وهي أسباب تبيح للمسلم الإفطار في شهر رمضان وهي "الحيض والنفاس عند النساء"، وهذان العذران مبطلان للصوم عند المرأة في أي وقت حصلا ولو كان حصولهما قبل انتهاء يوم الصوم بقليل. ومن الأعذار أيضاً "كبر السنة" المانع من إمكانية الصوم بسبب العجز والضعف، وكذلك من كان عنده "مرض العطش" بحيث أنه بحاجة إلى شرب السوائل دائماً ولا يستطيع أن يستغني عنها لفترة النهار بالكامل، وكذلك الحامل القريبة من الولادة إذا كان الصوم ضرراً عليها أو على جنينها، وكذلك المرضعة القليلة اللبن إذا كان الصوم مضراً بها أو بولدها.
ثانياً: كيفية ثبوت الهلال: وهنا كما يعلم الجميع أن القمر له أطوار وحالات يمر بها خلال كل شهر قمري، فعندما يغيب كلياً ويختفي يكون في مرحلة "المحاق" ثم يتولد وبعد الولادة نتمكن من رؤيته عندما يمر عليه الوقت الذي يجعلنا قادرين على رؤيته، وفي هذه الحالة نسميه "الهلال" ثم يكبر يوماً بعد يوم إلى حين انتصاف الشهر القمري فيكون القمر حينها هو الذي نسميه "البدر" ثم يصغر ليلة بعد ليلة حتى يختفي تماماً من جديد وهكذا دواليك.
ووجوب الصوم يتحقق عندما نرى القمر في مرحلة "الهلال" لأن رؤيته دليل على دخول شهر رمضان، أما إذا لم نتمكن من رؤيته، فهناك طرق أخرى لإثبات دخول شهر رمضان ومن أهمها المعتبرة شرعاً هي:
- مضي ثلاثين يوماً من شهر شعبان لأن الشهر الهجري لا يتجاوز عدده الثلاثين يوماً.
- البينة الشرعية: وهي الشاهدان العادلان اللذان يفعلان الواجبات ويمتنعان عن المحرمات فإذا شهدا وكانت شهادتهما متطابقة يجب شرعاً الصوم بناء لقولهما.
- حكم الحاكم الشرعي إذا أصدر حكمه بوجوب الصوم لثبوت أول الشهر عنده.
- إذا ثبتت رؤية الهلال في البلاد الشرقية فإنه حجة على من هم في البلاد الغربية دون العكس، وذلك لأن الشمس تشرق من الشرق وتغرب من الجهة الغربية، فإذا رأى أهل الشرق الهلال مع أن الشمس تغرب عندهم قبلا ً، فهذا دليل على أن أهل الغرب سيرونه بصورة أوضح بسبب زيادة فترة الشمس التي مرت على الهلال فتزيد كمية النور الواصلة إليه وتجعل رؤيته أوضح.
- التواتر والشياع المفيدان للعلم والمراد من هذين التعبيرين أن كل الناس تقول بأنها قد رأت الهلال أو دخل شهر رمضان، فهذا يكون حجة على من يرى الهلال أو لم يعلم بدخول شهر رمضان ويجب عليه ساعتئذ الصوم ولو لم يثبت عنده شخصياً.
وسوف نأخذ مثلاً تطبيقياً حتى نرى كيفية ثبوت هلال شهر رمضان لهذه السنة (1419هـ). يتولد هلال شهر رمضان المبارك الساعة الواحدة تقريباً من "ليلة الجمعة – السبت" أي بعد منتصف الليل بحوالي الساعة، مما يعني أنه سوف يمر عليه ما يقرب من خمس عشرة ساعة ونصف حتى غروب يوم السبت التالي، وبما أن كل ساعة تمر بعد ولادة الهلال تُكسبُه ما يقرب من ثلاث دقائق إلا قليلاً من الضوء، فهذا يعني أن الهلال سوف يبقى لمدة "41" دقيقة تقريباً بعد غياب قرص الشمس من يوم السبت، وهذه المدة عادة تُشكِّل فترة كافية باعتبار أن الحد الأدنى لرؤية الهلال بعد تولده هي "اثنا عشرة ساعة" وفق الفترة الوسطية، مما يسمح بالتالي القول نظراً لهذه الحسابات أن إمكانية أن يكون أول شهر رمضان يوم الأحد الذي يلي السبت إمكانية كبيرة ومعقولة جداً، ولكن كل شيء يبقى مشروطاً بالرؤية الفعلية الواقعية، وأما المسألة الحسابية المحضرة كالتي أوضحناها لا تكفي وحدها لإثبات هلال شهر رمضان إذا لم يدَّعِ أحد رؤيته بالنحو المقبول شرعاً.
"للبحث صلة"