الصفحة الرئيسية
طاعة أولي الأمر في الإسلام 19
- 16 كانون2/يناير 2014
- الزيارات: 2335
ولا شكّ أنّ مفهوم الدولة قد تطوّر عبر العصور كما تطوّرت سائر أنواع العلوم والمعارف، والدولة بشكلها الحديث وصياغتها المعاصرة من حيث تنوُّع المؤسسات بين التشريعية والتنفيذية والقضائية، والأجهزة الأمنية والعسكرية وما إلى ذلك من تفصيلات تتبع هذه المؤسسات والأجهزة.
وهذا التطوّر لا نراه مخالفاً للصيغة الإسلامية للحكم طالما أنّ كلّ تلك المؤسسات تعمل انطلاقاً من رقابة وإشراف الولي الفقيه عليها، ومنه تستمد شرعية أحكامها ولزوم طاعة قراراتها وتوجّهاتها وإرشاداتها في الأمور كافة، بحيث أنّ مخالفتها هي مخالفة لحكمه.
وممّا لا ريب فيه أنّ التنظيم العام لهيكلية الدولة بأيّ صيغة كانت هو من الأمور والقضايا التدبيرية التي تتبع الظروف والتطوّرات ويمكن أن يطرأ عليها التغيير والتبديل لكن ضمن إطار الضوابط والقواعد الكلية، إلا أنّه مع ذلك يجب احترامها وتجب طاعة قراراتها، لأنّ هذا الأمر التدبيري المنوط به إدارة قضايا الناس وشؤونهم قد اكتسب شرعيته ولزوم مراعاة أحكامه من سلطة الولي الفقيه الذي يضفي الشرعية على مجمل الإدارات والمؤسسات التي ترعى قضايا الناس ومصالحهم.
ولا شكّ أنّ صيغة الدولة الإسلامية لا بدّ أن تكون منضبطة بعددٍ من القوانين والمقرّرات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وهذا يعني أنّ كلّ الأنظمة التفصيلية التي تعمل بها الدول التي لا تنطلق من التشريع الإسلامي يمكن أن يُضْفَى عليها الطابع الإسلامي من خلال إلغاء أو تعديل المواد الواردة فيها والتي تكون مخالفة لأحكام الإسلام في مجالها مثل قوانين العمل والإجارة وقوانين الزواج والطلاق والأحوال الشخصية والمواريث، بل وحتى في مجال العلاقات بين الدول حيث يمكن للدولة الإسلامية أن تصيغ تشريعاتها الخاصة في هذا المجال فيما لو كانت الأعراف الدبلوماسية مخالفة لما هو المقرّر شرعاً، وكذلك في المجالات القضائية بل وحتى القوانين المتعلّقة بعمل الأجهزة العسكرية والأمنية وما يدور في فلكها.
ومن هذا البيان نفهم الخطأ الوارد عند البعض من المفكّرين وأدعياء الثقافة الإسلامية الذين يحاولون إضفاء صفة الديموقراطية تارة أو الليبرالية أخرى على صيغة الإسلام للحكم، إذ أنّ مجرّد التشابه قليلاً أو كثيراً في بعض مفردات القوانين لا يجعل من الصيغة هذه تابعة لغيرها أو ملحقة بها أو ناتجة عنها، مُضافاً إلى أنّ إطلاق هذه التسميات هو انهزام وتقهقر أمام الآخرين الذين يريدون إبراز أنّ صيغتهم هي الأفضل والأحسن، خاصة عندما يلفّقون التّهم ويروّجون الأكاذيب عن أنّ الإسلام دينٌ رجعي ومتخلِّف وهو السبب في تأخّر الأمة الإسلامية وتراجع موقعها القيادي في العالم.
نعم، فنحن لا ننكر أنّ الطريقة الإسلامية للحكم يمكنها أن تستفيد من كلّ التطوّر والتقدّم العلمي والمنهجي في هذا المجال، ويمكنها أن تأخذ منه ما ينسجم مع أطروحتها للحكم والإدارة في كلّ المجالات، وهذا أمرٌ طبيعي في ظلّ التبادل والتفاعل الحضاري والإنساني مع المحافظة على الذات والهوية والأصالة.
وأين العيب أو النقص في أن تستفيد الدولة الإسلامية من تطوّر العلوم الحديثة وتقنيات العصر في تسريع خطى الدولة نحو إرساء دعائمها وتقوية بنيانها الإداري والتنظيمي، فهذا لا يختلف بشيء عن الأخذ بتقدّم العلم وتطوّره ونتاجه من الغرب بما يتوافق مع حاجات الأمة الإسلامية وشعوبها ومن موقع الإستقلالية وعدم التبعية والسقوط أمام جبروت الغرب وقوّته المادية؟
النقطة الأهم في هذا الموضوع أن يكون المأخوذ قابلاً لإضفاء الصفة الشرعية الإسلامية عليه لا أكثر ولا أقل.
من هنا نقول بأنّه من حقّ الدولة الإسلامية أن تستفيد من كلّ التجارب الإنسانية في هذا المجال لتطوّر نفسها وإدارتها وأجهزتها لتكون على مستوى العصر الذي توجد فيه، ولتكون قادرة على مواجهة التحديات وعلى التقدّم والإرتقاء.
لهذا كلّه نعتبر أنّ الصيغة الحديثة للدولة الإسلامية هي صيغة تدلّ على مقدار المرونة والقدرة في تشريعنا الإسلامي على استيعاب كلّ التطوّرات المعاصرة في صيغة الدولة من دون الإنحراف أو التجاوز عن الضوابط الشرعية المقرّرة، وهذه الصيغة بكلّ ما فيها من قوانين وأنظمة هي واجبة الإتّباع طالما أنّ الولي الفقيه الذي هو العين الساهرة على الأمة قد أعلن مطابقتها وعدم مخالفتها لآراء الإسلام وقوانينه.
والحمد لله ربّ العالمين .