الصفحة الرئيسية
طاعة أولي الأمر في الإسلام 17
- 16 كانون2/يناير 2014
- الزيارات: 1817
إلا أنّ الظروف والأوضاع التي اضطرّت الإمام الثاني عشر للغياب عن الأنظار تركت الساحة خالية من الولاية بشكلٍ مباشر وفعلي، وناب عن الإمام في تلك الفترة نوابه الخاصون الذين كانوا صلة الوصل بينه وبين الأمة، وبموت رابعهم وعدم تعيين آخر بدأ عصر الغيبة الكبرى المستمر حتى الآن إلى اليوم المعلوم عند الله والمجهول عندنا.
ومن جهةٍ أخرى فإنّ الأنظمة التي كانت تحكم المسلمين بادّعاء خلافتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن مورد الرضا والقبول من الأئمة (عليهم السلام) وبالتالي من أتباعهم، فهذا ما جعل عند أتباع الأئمة (عليهم السلام) نقطة فراغ في حلّ منازعاتهم ومشاكلهم في شتّى الأمور المالية والحقوقية وما شاكل ذلك، لأنّ الرجوع إلى التحاكم عند السلطات آنذاك هو نوعٌ من الإحتكام إلى الحاكم الظالم وإلى الطاغوت كما تعبّر الرواية المقبولة عن عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق (عليه السلام)، والمأخوذ بحكمهم باطل ولو كان حقاً صريحاً، ولذا أعطى الأئمة (عليهم السلام) نوعاً من الولاية للفقهاء في فضّ الخلافات والنزاعات بين أتباعهم كما ورد في المقبولة نفسها: (... فإنّي جعلته حاكماً عليكم) ليعطي حكم الفقيه في القضاء صفة الإلزام وصفة القانون الذي يجب على الأتباع المؤمنين بخط الأئمة (عليهم السلام) أن يلتزموه في حياتهم.
وهذه الولاية في مجال القضاء للفقيه كانت موجودة حتى في زمن الأئمة (عليهم السلام) لأنّ النص صادرٌ عن الإمام الصادق (عليه السلام) وهو السادس في سلسلة المعصومين عليهم السلام، وهذا ما يؤكّد أنّ إعمال الإمام (عليه السلام) لولايته التشريعية لا يتوقّف على وجود الدولة التي يحكم ويدير، لأنّ الولاية لازمة لمقام عصمته ومقام إمامته ذاتاً.
فإذن يمكننا القول إنّ الفقيه إلى حين حصول بداية زمن الغيبة الكبرى كان له وظيفتان أساسيتان هما:
الأولى: (الإفتاء) وهو ليس بمنصبٍ جعلي ولا يعطي المفتي "الفقيه" بحدّ ذاته الولاية.
الثانية: (القضاء) وهذا ما ثبت للفقهاء بالجعل الشرعي من صاحب الولاية الأصلي وهو الإمام المعصوم (عليه السلام) لإصدار الأحكام الملزمة بين الأتباع دون اللجوء إلى الحكام الظالمين، ومن شروط القاضي "الإجتهاد" كما تصرّح المقبولة بذلك: (... نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا).
ثمّ إنّ هناك أمراً مهماً وهو أنّ الإمام المعصوم عليه السلام في زمن وجوده كان يتلقّى الأموال التي تُجْبَى إليه من شيعته وأتباعه ويقوم بصرفها في حوائج المحتاج والفقير والمسكين وتقوية العقيدة الإسلامية الأصيلة في النفوس، وفي زمن الغيبة الصغرى كان النائب الخاص يقوم بأداء هذه المهمة نيابة عن الإمام الغائب (عليه السلام).
لكن بعد بداية عصر الغيبة الكبرى حصل نوعٌ من الإرباك عند الفقهاء في كيفية التصرّف في تلك الأموال المجباة وغيرها من المسائل كالولاية على الأوقاف وعلى القاصرين وغير ذلك من الموارد الإجتماعية المحتاجة إلى الرعاية باعتبار أنّ الإمام الأصل قد غاب ولم يعيِّن أحداً، ولم تكن نظرية الولاية للفقيه حتى تبلورت في ذلك الزمن، ولذا نجد في بعض الفتاوى أنّ الفقيه كان يوصي لمن بعده بحفظ الأموال الشرعية أو بدفنها في الأرض انتظاراً لظهور الإمام "عج" ليتصرّف فيها.
وهذه الفتاوى إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على أنّ الولاية للفقيه لم تكن من المسائل التي تمّ بحثها والوصول فيها إلى نتيجة، واحتاج الأمر إلى وقتٍ طويلٍ حتى ظهر عنوان (الأمور الحسبية) التي تعني ثبوت الولاية للفقيه على الأمور التي ذكرناها مثل الأموال والأوقاف والقاصرين وغير ذلك باعتبار أنّ المالك الحقيقي وهو الله عزّ وجلّ لا يرضى بتركها وإهمالها، ولا يرضى بتسلّط الحكّام الظالمين عليها لأنّهم لن يتصرّفوا فيها نحو الوجهة الصحيحة والمطلوبة.
وبما أنّ الفقهاء هم عالمون بالشريعة ومؤتمنون عليها فهم الأقدر من غيرهم والأولى بأن يتولّوا إدارة هذه الأمور طالما أنّ منصب الولاية شاغر نتيجة عدم وجود الدولة التي تطبّق الإسلام بالشكل الصحيح الموافق لقواعد القرآن والسُّنة.
والذي نريد الوصول إليه أنّ الولاية تثبت للفقيه في زمن الغيبة بناءً على عدم وجود الدولة الإسلامية التي يتولّاها الفقيه.
أمّا في حال وجود الدولة التي يديرها الفقيه الولي، فهنا تتوقف الولاية للفقهاء لأنّ إعمال ولايتهم في عرض ولايته حتّى في الأمور الحسبية يترتّب عليها الكثير من الإرباك في حركة الدولة الإسلامية.
فالقاسم المشترك إذن بين الفقهاء والولي الفعلي هو الفقاهة التي هي شرط في الجميع، إلا أنّ المميّز بين الإثنين هو أنّ الفقيه الحاكم للدولة الإسلامية، فعلاً هو الذي له الولاية دون سائر الفقهاء الآخرين، بمعنى أنّه مع وجود الفقيه الولي وحاكميته الفعلية تتوقف ولاية الفقهاء الآخرين ولا تعود نافذة ومنجزة على الناس.
وكلمة أخيرة في هذا الجانب هي أنّ هذا الموضوع ما زال محتاجاً إلى جملةٍ من الأبحاث، لكن ما ذكرناه هو مجرّد مختصر نسأل الله أن يوفّقنا جميعاً لبلورته وصياغته بالطريقة العلمية الدقيقة التي تزيل عنه الإلتباس.
والحمد لله ربّ العالمين .