الصفحة الرئيسية
طاعة أولي الأمر في الإسلام 14
- 16 كانون2/يناير 2014
- الزيارات: 2121
الثانية: إنّ الدين الإسلامي هو دين عالمي يشمل كلّ أفراد البشر وعلى مدار العصور، وليس ديناً مختصاً بعصرٍ ما، وهذا يعني ثبات التشريعات الأساسية التي لا تتأثر بتغيّر الزمان والمكان أو بتغيّر الظروف والمستجدات الطارئة في التفاصيل والكيفيات وأنواع العادات والتقاليد التي قد تختلف من زمنٍ لآخر تبعاً للتطوّر في الفكر البشري والمسار الإنساني.
الثالثة: إنّ ولاية الأمر في الإسلام هي منصبٌ إلهي وجعلي، فهو ليس مجرّد منصب دنيوي كما قد يتخيّل البعض، وعليه فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه الأدلة الواردة في القرآن والسُّنَّة حوله للوصول إلى النتيجة الحاسمة في الموضوع.
الرابعة: إنّ الناظر إلى تشريعات الإسلام يلمس فيها التوحيد في كلّ الجوانب الفكرية ثمّ العملية، فالمسلمون جميعاً يُصَلُّون إلى ذات القبلة، ويصومون الصوم الواجب في شهرٍ واحد، ويحجّون إلى مكانٍ واحد، وهكذا في سائر الأمور، وهذه الوحدة في التشريعات لا يمكن أن تنتج في أمر الولاية نتيجة مخالفة للتوجّه التوحيدي في الصيغة الإسلامية للحكم التي هي أهم كما ورد في بعض الأحاديث من الصلاة والصوم والحج والزكاة، كما في الحديث المعروف: (بُنِي الإسلام على خمس: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، ولم يُنَادَ بشيء كما نودي بالولاية)، أو كما جاء في حديثٍ آخر: (... الولاية أفضل لأنّها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن...).
بعد التوضيح عبر النقاط المذكورة يصل بنا الكلام إلى الدليل على عدم جواز تعدّد الولي في صيغة الإسلام للحكم، والدليل هو ما يلي:
أولاً- قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} حيث تدلّ الآية بوضوح على أنّ تعدّد المدبّر هو باب للإفساد، لأنّ لكلّ مدبّر طريقته وإدارته التي تختلف عن طريقة الآخر وإدارته، وهذا يعني بالأولوية عدم جواز تعدّد الولي في زمن الغيبة، لأنّ تعدّده يضرّ بمصالح الأمة ووحدة مسارها العملي على الأقل بسبب التضارب في طرق الإدارة والتنظيم عند كلّ ولي، مع أنّ الوحدة بارزة في الإسلام فكرياً وعملياً.
ثانياً- السيرة العملية للأئمة المعصومين (عليهم السلام): وتقريب الإستدلال بها أنّّه في عصرهم عليهم السلام كان يتواجد أكثر من معصومٍ في وقتٍ واحد، وكلّ واحدٍ منهم فيه القابليات التامة لإعمال الولاية، ومع هذا فإنّ الولاية كانت تثبت لواحدٍ منهم، ولا تنتقل إلى الآخر إلا بموت الإمام السابق، وهذه السيرة العملية إن دلّت على شيء فهي تدلّ على أنّ الولاية النافذة لا بدّ أن تكون لولي واحد في الزمن الواحد ولا يمكن تعدّدها لأنّ تعدّدها يخلّ بالأغراض المقصودة شرعاً للأمة التي لا يمكن تحقيقها إلا عبر توحيد مسارها الناتج عن وحدة وليّها وقائدها.
وهنا قد يسأل البعض: (ما هو إذن دور الفقهاء الآخرين الذين ليسوا في موقع الولي وهم المتمتّعون بالقابليات التي تجعلهم في نفس الموقع مع الولي؟) والجواب عن هذا السؤال هو أنّ دور الفقهاء بالأصل هو تبليغ الإسلام للناس لكي يطبّقوه في حياتهم، والدولة الإسلامية التي يرأسها الولي تقوم بنفس هذا العمل أيضاً، وعليه فالولي هو المسؤول عن التعاون مع مجموعة الفقهاء من أجل رفع شأن الأمة الإسلامية، ومن أجل إيصال رسالة الإسلام إلى كلّ بقعةٍ من الأرض، ويمكن للدولة الإسلامية بقيادة الولي الإستعانة بخبرات الفقهاء في المجالس التشريعية وفي القضاء وفي التخطيط لسياسات الدولة والإستعانة بهم للإشراف على تنفيذ البرامج، وفي إقامة صلاة الجمعة والجماعة، ويمكن للولي الفقيه أن يعيّن العديد من الفقهاء الآخرين كنواب له في البقاع المختلفة للدولة، وغير ذلك كثير من الوظائف الكبيرة والمهمة التي يمكن من خلالها الإستفادة من خبرات الفقهاء والمجتهدين.
ويضاف إلى كلّ تلك الوظائف وظيفة أساسية وخطيرة جداً، وهي أنّ الفقهاء هم الأقدر من بين كلّ أفراد الأمة الإسلامية على انتخاب الولي الأصلح للأمة وفق نظرهم ومعرفتهم، وهذا الدور أساسي في مسيرة الأمة الإسلامية ولذا لا يمكن الإستغناء عن نظر الفقهاء وآرائهم، وقد رأينا أنّ مجلس الخبراء المكوَّن أساساً من مجموعة كبيرة من الفقهاء وأهل الفضل والعلم هم الذين انتخبوا ولي أمر المسلمين آية الله العظمى الإمام الخامنئي "دام ظله" بعد رحيل القائد المؤسّس الإمام الخميني المقدّس.
والحمد لله ربّ العالمين .