الصفحة الرئيسية
الطّلاق وأحكامه: (1) أسباب الطّلاق
- 16 كانون2/يناير 2014
- الزيارات: 3999
ثانياً: الإغترار بالمال أو المنصب أو النّسب، وهذا من الأسباب الشّائعة جداً والتي ينتج عنها الطّلاق بعد ذلك بمعنى أنّ أهل الفتاة أو نفس الفتاة قد يحصل لديها نوعٌ من الغرور إذا تقدّم إليها طالباً يدها من يملك المال الكثير الذي تطمع من خلاله بحياةٍ رغيدةٍ تحقّق فيها كلّ مطالبها ومشتهياتها الماديّة من اللباس والزينة والمسكن والمأكل والمشرب وما شابه ذلك، وتتناسى أو تتغافل عن الضّوابط الأخرى للزواج السّليم، أو قد يحصل الغرور والطّمع لدى الشاب عندما يُقدِم على الزواج من فتاةٍ يكون أهلها أثرياء ليضمن كما يتوهّم حياةً رغيدةً بشكلٍ سريعٍ ومن دون تعبٍ وعناءٍ ويهمل النظر إلى المواصفات الإسلامية في الفتاة، أو إذا كان الشاب المتقدّم للفتاة ذا منصبٍ معينٍ تتوهّم من خلاله الفتاة أنّ هذا الزواج المستقبلي سيحقّق لها السعادة المرجوّة، أو إذا كان من عائلةٍ ذات نسبٍ رفيع الشّأن فتتوهّم أنّها ستعيش سيّدة مجتمعٍ عالٍ من الرّفعة والشأن والعزّ.
إنّ كل هذه الأسباب كما نعايش نتج وينتج عنها الكثير من حالات الطّلاق بسبب فقدان المواصفات الشّرعية إمّا في الشاب أو في الفتاة، وكم نعاني حالياً – نحن العلماء وأهل العلم – من هذه الحالات التي نعمل على علاجها بما أمكن حتى لا يحصل الطّلاق ونحاول تحقيق قدرٍ من الإنسجام بين الطّرفين، ولكن غالباً ما تكون النّتائج سلبيةً لأنّ الزواج لم يقم على الأُسس الإسلاميّة الصّحيحة، بل قام على أساس المصلحة أو المنفعة الشخصيّة، ولذا عندما لا يعود للزوج مالٌ إذا كانت طامعةً في ماله، أو إذا لم يعد للزوجة مالٌ كما لو كان طامعاً في مالها تبدأ المشاكل بالظّهور من خلال كشف المستور من المواصفات من جانب الطّرف الذي بدأ يشعر بخسارة المنافع التي كان يتمتّع بها أو كان يأمل بالحصول عليها، وكذلك نرى أنّ حالات الزواج الناتجة عن هذه الأسباب لا تحقّق الإنسجام المطلوب بل يغلب عليها طابع النّفاق والنّفعية ، ويستمرّ هذا النّفاق ما دامت المنافع المتوخّاة متوافرة، أمّا عندما تبدأ هذه المنافع بالإنتفاء تبدأ المشاكل أيضاً بالبروز والظّهور حتّى يصل الأمر إلى الطّلاق والإنفصال.
ونحن هنا لا نحكم على كلّ حالات الطّلاق بأنّها من هذا النوع، وإنّما نشير إلى جملةٍ من حالات الطلاق تحصل لهذه الأسباب، لأنّه لو حصرنا أسباب الطّلاق بهذه الأمور لأنتج ذلك صورةً سوداويّة عن الزواج ومشروع بناء الأسرة في الإسلام، وهذا ليس بصحيحٍ على الإطلاق.
ثالثاً: التّعامل غير الأخلاقي بين الزوجين، ومعنى هذا أنّ الزوج أحياناً قد يكون من ذوي الطّباع الحادّة التي لا تتأقلم بسرعةٍ أو بهدوءٍ مع الطّرف الآخر وهو الزوجة ويقف عند كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، أو يريد أن يمارس سلطةً وهيمنةً على الزوجة بطريقةٍ بعيدةٍ عن السلوك الإنسانيّ السّويّ والسّليم، فيعتدي على المرأة باليد أو باللسان سواءً أكانا منفردين وحدهما، أو أمام النّاس والمجتمع، فمثل هذا السلوك الذي يتنافى مع طبيعة المرأة قد لا تتحمّله من الرجل ممّا يدفعها إلى طلب الطّلاق حتّى ترتاح من هذا الجوّ المظلم الذي تعيش فيه، وأحياناً قد تكون المرأة ممّن لديها بذاءةً في اللسان وتدنٍ في الأخلاق ممّا يدفع بالزوج أيضاً إلى عدم تحمّل مثل هذه الزوجة ويصل الأمر إلى الطّلاق، وهذا السّبب الذي يؤدّي إلى الطّلاق موجودٌ في مجتمعاتنا الإسلاميّة أيضاً، بل حتّى قد يصدر مثل هذا السلوك من بعض المتديّنين السّطحيين الذين ما زالوا متأثّرين بالنّظرة القديمة المتوارَثة عن الزّوجة ودورها في البيت الزوجيّ وهو أنّ دورها لا يتعدى كونها خادمةً للرجل ولأولاده وهي مجرّد عاملةٍ في بيت زوجها، وللزوج الحقّ في أن يمارس ما يشاء مع الزوجة وليس لها أن تعترض أو تستنكر وإلاّ كان عقابها ومصيرها الضّرب أو الإهانة أو الأمرين معاً أو الطّرد من المنزل الزوجيّ وما شابه ذلك.
رابعاً: التدخّلات من جانب أهل الزوج أو الزوجة، ومعنى ذلك أنّ مجتمعنا الشرقي عموماً والإسلامي خصوصاً يعطي العلاقات بين الأهل مساحةً كبيرةً ومهمةً وهذا من حيث المبدأ لا إشكال فيه، بل هو أمرٌ مُستحسنٌ ومستحبٌّ شرعاً لما فيه من تقوية العلاقات بين الأرحام والأقارب، ولكن للأسف الشّديد وكما نرى أنّ هناك حالاتٍ في هذا الجانب تتعدّى حدودها وضوابطها لتلعب دوراً سلبياً أحياناً في حياة الزوجين، بمعنى أنّ أهل الزوج قد يعترضون على الزوجة نفسها أو على بعض تصرفاتها أو يعترض أهل الزوجة على الزوج نفسه أو على بعض تصرفاته، ممّا يؤدّي بالتّالي إلى إيجاد أجواءٍ سلبيةٍ وغير مريحةٍ بين الطّرفين بحيث لو لم يحصل ذلك التّدخل لما اضطربت العلاقة بين الزوجين، وهذا السّبب أدّى وما زال يؤدّي إلى العديد من حالات الطّلاق بسبب تحيّز الزوج إلى أهله وأنّ الزوجة لا ينبغي أن تواجههم ، وإنّما عليها الرضوخ والاستسلام لهم، أو أنّ الزوج لا يحقّ له أن يواجه أهل امرأته وأنّ عليه السكوت في مقابل ما يفعلون أو يقولون ضدّه ، وتتحيّز الزوجة بالتالي لأهلها وتتعصّب لهم، وهذا كلّه يؤدّي في نهاية المطاف وعند عدم علاج هذه الآفّة الإجتماعيّة إلى حصول عدّة حالاتٍ من الطلاق وتتسبّب بتدمير العديد من البيوت الزوجيّة وتشريد الأطفال ما بين الزوجين المنفصلين.
خامساً: الأسباب الإقتصاديّة والمعيشيّة، وهذا الأمر قد يؤدّي إلى حصول حالات طلاقٍ كما نرى في أيّامنا هذه حيث كثر الطّلاق بسبب الضّائقة المعيشيّة والإقتصاديّة التي تؤدّي إلى عجزٍ عن تأمين مستلزمات البيت العائلي، وأكثر ما يتحقّق مثل هذا الطّلاق بين الزوجين اللذين لم ينتقلا إلى البيت الزوجي بعد وعدم قدرة الرجل على تأمين الوظيفة التي تكفيه مؤونته لو تزوّج أو لعدم تأمين المنزل الذي سيضمّه مع زوجته، ولهذا نرى في هذا الظرف الكثير من الشباب الذين يُقدِمُونَ على خطوبة فتاةٍ ما، ثمّ بعد فترةٍ وبسبب العجز عن تأسيس المنزل الزوجي ينفصلان، وهذا النوع من الطلاق يخفّ كثيراً عندما تكون الأوضاع الإقتصاديّة والمعيشيّة للنّاس مريحةً وهناك فرص عملٍ متوافرة للناس، لكنّه قد يكثر عندما تكون الأوضاع المذكورة صعبةً ومتعسّرةً، مع أنّنا في مثل هذه الأوضاع لا نحبّذ الطلاق ولا نشجّع عليه إلاّ إذا أُغلِقت كلّ الأبواب وسُدَّت كلّ المنافذ، وطالت فترة الخطوبة عن الحدود المسموح بها عُرفاً ممّا قد يؤدّي إلى حالةٍ من العنوسة عند الفتاة لأنّ إطالة الفترة مع عدم الأمل في الإنتقال إلى البيت الزوجي أو فقدانه سوف يستهلك من عمر الفتاة التي قد تقلّ فرص زواجها لاحقاً بعد الطلاق.
هذه جملةٌ من أهم الأسباب والعوامل التي تؤدّي إلى الطلاق وفق إستقراءٍ لا ندَّعي أنّه تامٌّ وشاملٌ، ولكن يلقي نظرةً على الواقع المُعاش الذي ينبغي إعادة صياغته من كل النواحي الإيمانية والفكرية والثقافية والسلوكية والمعيشية أيضاً حتى نصل إلى المرحلة التي لا يحصل فيها الطلاق إلاّ إذا كانت هناك أسبابٌ موضوعيةٌ مبرّرةٌ، بعد أن يكون الزواج قد بُني على الأُسس الإسلاميّة الصّحيحة كما ذكرنا في مقالات سابقة.
والحمد لله رب العالمين