الصفحة الرئيسية
حرمة الزواج المدني
- 16 كانون2/يناير 2014
- الزيارات: 2839
والذين يطرحون الزواج المدني على قسمين:
الأول: العلمانيون الذين يطالبون بعلمنة الدولة بالكامل ورفع يد الدين عن التدخل في أيّ أمرٍ من الأمور كالزواج والطلاق والميراث وسائر قضايا الأحوال الشخصية.
الثاني: المسيحيون الذين لا يريدون التنازل عمّا تبقّى لهم من مُكتسبات في النظام اللبناني حيث يطرحون الزواج المدني كلّما طرح المسلمون إلغاء "الطائفية السياسية" على مستوى المناصب الرفيعة والوظائف في الدولة، لأنّ إلغاء الطائفية السياسية قد يعني خسارة المسيحيين للكثير من المواقع التي يحتلّونها في النظام اللبناني طبقاً لنسب الوظائف وفق حصص الطوائف والمذاهب بسبب أكثريّة المسلمين النسبيّة عن المسيحيين في لبنان.
ومن المعروف أنّ العلمانيين هم الذين يتبنّون المقولات غير الدينيّة على الإطلاق، ويتَّبعون عقائد وضعيّة صاغها أفرادٌ أو جماعاتٌ محدّدةٌ كردّة فعلٍ أو كنتاج تقدّمٍ علميّ ليس هنا مجال الخوض فيه. لكنّ هؤلاء العلمانيين بما أنّهم لا يعترفون بدور الدين أبداً ويرون في الأنظمة الدينيّة والشرائع الإلهية عائقاً لهم عن الإندفاع وراء شهواتهم الجنسيّة وإرتباطاتهم العاطفيّة يريدون كسر هذا الحاجز ليتسنّى لهم ممارسة هذه الأمور بحريّة وإباحيّة من دون رقيبٍ أو حسيب.
ومن المعروف أيضاً أنّ الأديان الإلهيّة غير الإسلام قد إمتزجت عبر تاريخها الطويل بالكثير من المفردات غير الإلهية التي دخلت عليها وحوّلت مسارها إلى حدٍّ بعيدٍ عن المسار الصّحيح الذي أراده الله لها، وهذا أدّى بالتالي إلى عدم وجود ضوابط واضحة على المستوى الإيماني عندهم، ممّا يعني بالتّالي أنّ المسيحيّة إذا ارتدّت عن دينها إلى دينٍ آخر لترتبط برجلٍ تريد الزواج به لا يشكِّل ذلك عقبةً أو مشكلةً أمامها.
أمّا في الإسلام فزواج المسلم من غير المسلمة ممكنٌ وجائزٌ في حالتين لا غير:
الأولى: أن تدخل تلك المرأة دين الإسلام وتترك ما كانت عليه من دينٍ أو مذهبٍ وضعيٍّ كانت تسير وفقه.
الثانية: أن تبقى المرأة على دينها بشرط أن يكون إلهيَّ المنشأ كالمسيحيّة واليهوديّة ويكون العقد منقطعاً لا غير. أي مؤقّتاً بوقتٍ محددٍ وبمهرٍ معلوم.
أمّا المسلمة فليس أمامها إلاّ الزواج بالمسلم لا غير، وذلك لوضوح الأدلّة في القرآن والسنّة حول هذا الأمر.
وفلسفة هذا التّحريم أنّ الزواج هو تقريباً الوسيلة المنحصرة لإنجاب الأولاد وتكوين الأسرة، والإسلام هو الدين عند الله عزّ وجلّ كما تقول الآية الكريمة :{إن الدين عند الله الإسلام}، وإن كان إسم هذا الدين قبل بعثة النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المسيحيّة أو اليهوديّة وفق النبي الذي أنزل الله عليه الشريعة، إلاّ أنّ الدين الإلهي واحدٌ لا تعدّد فيه، والإسلام المُنزَل على محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) هو تكملةٌ لما سبقه من الشرائع الإلهية، ولذا كان المطلوب من كلّ أتباع الديانات السماويّة الدخول في الإسلام لأنّه يتضمّن أديانهم ويزيد عليها ما لم ينزّله الله على أولئك الأنبياء العظام (عليهم السلام) كموسى وعيسى وغيرهما، إلاّ أنّهم لمّا رفضوا ذلك من خلال إنكارهم لنبوة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) أقرَّهم الإسلام على ما هم عليه إذ لعلّ ذلك يدفع بهم في المستقبل إلى إعادة النظر في الأمور والدخول في الإسلام – الدين الإلهي المشترك – لكلّ المؤمنين بالله عزّ وجلّ.
ومن هنا يعتبر الإسلام أنّ زواج المسلمة بغير المسلم تضييعٌ للمرأة وقد يؤدّي بها إلى الإرتداد عن دينها، لأنّ المرأة بطبيعتها تتأثّر بالرجل كما ورد في تعليل بعض الروايات التي تحرّم زواج المسلمة من غير المسلم بالقول – إنّ المرأة تأخذ من دين زوجها – مُضافاً إلى أن هذا الزواج لو ترتّب عليه إنجاب أطفالٍ سيكونون في الغالب على دين الأب وليس على دين الأم، وهذا تضييعٌ ثانٍ للأبناء الذين سينشأون في منزلٍ خليطٍ من الأديان يشوّش عليهم الرؤيا العقائديّة الواضحة والسليمة ويجعلهم تحت سيف الدنيا الذي لا يرحم من لم يكن على يقينٍ من دينه وعقيدته الصحيحة.
وأمّا القول بأنّ عدم إباحة الزواج المدني يخالف حريّة الإنسان ويحدّ من حقوقه المدنيّة أو حقوقه المواطنيّة المكتسبة فهذا من قبيل ذرّ الرماد في العيون، ودعوى يُراد بها الباطل لا الحقّ، لأنّ الحريّة إذا لم تكن مسؤولة ومنضبطة فهي فوضى وانحلالٌ ودمارٌ وتخريبٌ للحياة الإنسانية، وليس أدلُّ على ذلك إلاّ ما يجري في بلدان العالم اليوم من فسقٍ ودعارةٍ وفجورٍ وصل إلى حدودٍ بعيدةٍ عن مرتبة الإنسانية وقيمها ومُثلها ومبادئها السامية النبيلة.
لهذا كلّه نقول إنّ طرح الزواج المدني مرفوضٌ وبقوةٍ ولن يسمح المسلمون – قياداتٍ وجماعاتٍ وأفرادٍ – بتحرير مثل هذا القانون المُخزي والمُدمّر للحياة الدينيّة للمسلمين ولحياتهم الاجتماعية أيضاً.
والحمد لله رب العالمين