الصفحة الرئيسية
المباني الاجتهاديه عند الإمام الخامنئي "دام ظله"
- 25 نيسان/أبريل 2016
- الزيارات: 8298
المباني الاجتهادية عند الإمام الخامنئي "دام ظله"
7-جمادى1-1437 هـ
قبل الدخول في بحث بعض المسائل الفقهية عند سماحة الإمام الخامنئي "دام ظله" لا بد أن نشير إلى أنَّ فقهاءنا العظام من القدماء والمتأخرين قد استنبطوا كل القواعد والمباني الأصولية والفقهية من المصدَريْن الأساسيين للتشريع وهما "الكتاب والسنة" ، بحيث يمكننا أن نقول بأنه لم يعد هناك من قاعدة أصولية أو فقهية إلا وقد استنبطوها، خصوصاً في مجال الأحكام الإلزامية من أمر ونهي، ومعنى هذا والمحصِّل منه أن المباني التي يعتمدها أي فقيه في عصرنا الحاضر قد بُحِثت سابقاً، ويبقى على الفقهاء في وقتنا أن يختاروا من بينها القول الذي يرونه مناسباً وفق الأدلة التي يعتمدون عليها لتقرير مبانيهم الأصولية والفقهية.
لكن مع هذا يبقى هناك مجال واسع لفقهائنا المعاصرين وهو في طريقة فهم النصوص الدالة على الأحكام والمسائل المستحدثة التي لم تكن معروفة في الأزمنة السابقة والتي تحتاج إلى استنباط أحكامها وفقاً للتطور الذي حصل في مجال المعرفة الإنسانية بشكل عام والتي تجاوزت نسبتها المتراكمة أضعافاً كثيرة.
وهنا سوف نأخذ ثلاث مسائل شرعية أفتى بها سماحة السيد القائد حفظه الله وكل واحدة منها مستندة إلى مبنى من المباني الاجتهادية لسماحته.
المسألة الأولى: التلقيح بنطفة الأجنبي.
المسألة الثانية: ثبوت الهلال بواسطة العين المسلحة "التلسكوب".
المسألة الثالثة: السمك الذي يصطاده الصيادون بواسطة الشبكة ولو مات تحت الماء.
في المسألة الأولى أفتى الإمام الخامنئي(دام ظله) بجواز أن تأخذ الزوجة النطفة من رجل غير زوجها وبإذنه لتلقيحها ببويضة الزوجة، والولد المتولد من هذه العملية هو ولد شرعي، ويُلحق بصاحب النطفة وتترتب عليه كل أحكام النسب والميراث.
أما الدليل على جواز هذا الأمر فهو التمسك بأصالة البراءة أو الحلية في المقام لأن الأدلة التي استدل بها الفقهاء الآخرون على التحريم ليست قوية إلى الحد الذي تثبت عدم جواز هذا الفعل، وأبرز ما استدلوا به على قولهم هو الآيات والروايات.
فالآيات هي: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن...)[1] لأنه بناء على حذف المتعلق لحفظ الفرج يفيد العموم، وهذا يشمل إلقاء نطفة الأجنبي في رحم الزوجة، وهذا الدليل لا يثبت الحرمة لأن المراد هو حفظ الفرج من النظر واللمس والزنا ولا يشمل مثل إلقاء النطفة من الأجنبي مع مراعاة عدم النظر واللمس هذا أولاً، وثانياً لأن المراد من حفظ الفرج في هذه الآية بالخصوص هو "النظر" كما ورد عن الإمام الصادق (ع) في تفسير هذه الآية حيث قال (كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا، إلا هذه الآية فإنّها من النظر)[2] وهذا يثبت أن الآية الكريمة ليست في وارد بحث ما نتكلم عنه.
وأما الروايات، فمنها (عن النبي (ص) قال: لن يعمل ابن آدم عملاً أعظم عندا لله من رجل قتل نبياً أو هدم الكعبة التي جعلها الله قبلة لعباده أو أفرغ ماءه في امرأة حراماً)[3]، وما ورد عن الإمام الصادق (ع) (قلت لأبي عبد الله (ع) الزنا أشر أم شرب الخمر؟ وكيف صار في شرب الخمر ثمانون وفي الزنا مئة؟) فقال (ع): يا إسحاق : (الحد واحد ولكن زيد هنا لتضييعه النطفة، ولوضعه إياها في غير موضعها الذي أمره الله به)[4].
فهاتان الروايتان وما شابههما لا يدلان على المطلوب، لأنهما يدلان على حرمة الزنا الكامل الذي يؤدي إلى إفراغ النطفة في رحم امرأة محرمة عليه، وهذا غير التلقيح الذي لا مقاربة فيه بين صاحب النطفة والمرأة حتى يكون مشمولاً للرواية، ولا يصدق عند العرف أن تلقيح بويضة المرأة بنطفة الأجنبي هو الزنا المحرم.
وبناء على ذلك وبعد ثبوت عدم دلالة هذه الأدلة على التحريم لا يبقى أمامنا إلا أصالة البراءة أو الحلية فنتمسك بها للقول بجواز هذا الفعل وأن المتولد عن هذه العملية هو ولد شرعي وملحق بصاحب النطفة وتترتب عليه أحكامه.
في المسألة الثانية عن ثبوت الهلال بالعين المسلحة، فنحن قد ورد عندنا من الروايات الكثير مما يدل على ثبوت الهلال بالرؤية ومنها (إذا رأيت الهلال فصم، وإذا رأيته فافطر)[5] أو (صم للرؤية، وافطر للرؤية)[6]، فبالإجمال لدينا حوالي 28 رواية تدل على الرؤية كوسيلة لإثبات الأهلة للشهور القمرية.
وبناء لهذه الروايات أفتى الفقهاء قديماً وحديثاً بثبوت الهلال بالرؤية البصرية المجردة أي دون الاعتماد على غير النظر من خلال فعل الاستهلال الذي يمارسه المسلمون خصوصاً في بداية شهر رمضان المبارك وعند نهايته باعتبار ترتب وجوب الصوم في أوله وإثبات يوم العيد في آخره.
وإذا نظرنا إلى الروايات نرى أنها مطلقة لم تُقيَّد بشيء وهذا ما يفسح بالمجال للقول بأن الرؤية غير المقيدة أي المطلقة تشمل الرؤية من خلال التلسكوب أو المنظار المقرب، لأن هذه الوسائل الحديثة التي لم تكن موجودة سابقاً لا تبتدع الهلال من العدم، وإنما تقرب إلينا الهلال الموجود في السماء، وإذا ثبت أن ما يظهره لنا المنظار هو "الهلال" فلا مانع من تطبيق الرؤية عليه للصدق العرفي هنا على أننا قد رأينا الهلال، ومن تتمة هذا المبنى عند سماحة الإمام الخامنئي "دام ظله" فإن الهلال لو لم يُرَ بالمنظار وإنما رأيناه بواسطة التقاط الصورة عبر المراصد التي ترى أدق الأشياء في الفضاء وظهرت على شاشة الكمبيوتر فهنا لا يثبت هذا رؤية الهلال، لأنه لم يُرَ بشكل مباشر من المنظار، ولأن العرف هنا لا يعتبر أن ما رآه المرصد الفلكي هو رؤية حقيقية للهلال.
وفي المسألة الثالثة وهي المعروفة بأن السمك الحلال الأكل هو الذي أُخرِجَ من الماء حياً ومات خارجه ، أما لو مات داخل الماء فهو حرام الأكل تبعاً للروايات التي دلت على ذلك، مثل رواية عيد المؤمن (أمرت رجلاً أن يسأل لي أبا عبد الله عن رجل صاد سمكاً وهن احياء ، ثم أخرجهن بعد ما مات بعضهن، فقال "ع": ما مات فلا تأكله، فإنه مات في ما كان فيه حياته)[7]، وكذلك أفتى الفقهاء بحرمة أكل السمك الذي نضب الماء حيث كان فيه أو السمك الذي وجد ميتاً وهو طائف على الماء وفق الروايات الدالة على ذلك.
لكن في مقابل هذه الرواية الدالة على الحرمة فهناك روايات كثيرة تدل على حلية السمك الذي يتم اصطياده بواسطة الشبكة أو القصب الموضوع في الماء حيث يدخله ا السمك ولا يخرج منه، مما يؤدي في الكثير من الأحيان إلى موت بعضه نظراً للضغط الحاصل من الشبكة، ومن تلك الروايات (صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (في رجل نصب شبكة في الماء ثم رجع إلى بيته، وتركها منصوبة، فأتاها بعد ذلك وقد وقع فيها سمك فيموتن، فقال: "ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها)[8] ومنها ( ما رواه الحلبي سألته (ع) عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء للحيتان، فيدخل فيها الحيتان، فيموت بعضها فيها فقال (ع): لا بأس به، إن تلك الحظيرة إنما جُعلت ليصاد بها)[9] وهذه الرواية صحيحة كسابقتها، وكذلك ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله(ع) (سألته عن الحظيرة من القصب تُجعل للحيتان في الماء فيدخل الحيتان فيموت بعضها فيها؟ قال (ع) :"لابأس")[10] وكذلك موثقة مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله "ع" (قال سمعت أبي "ع" يقول "إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة فما اصاب فيها من حي أو ميت فهو حلال، ما خلا ما ليس له قشر، ولا يؤكل الطافي من السمك)، وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: (سألته عن الصيد نحبسه، فيموت في مصيدته، أيحل أكله؟ قال (إذا كان محبوساًُ فكله، فلا بأس[11]).
هنا نرى أن الإمام الخامنئي "دام ظله" استفاد من هذه الروايات التي ذكرناها عن موت السمك في الشبكة داخل الماء أن الشبكة أو القصب ليس لهما موضوعية في حلية ذلك السمك وإنما هي مثال على الحيازة بمعنى انه لو استعملنا اية وسيلة أخرى لصيد السمك ولو مات في الماء لكن بشرط أنه قد صار تحت يدنا وأخذناه فهو حلال الأكل كالاصطياد مثلاً ببندقية السمك التي فيها سهم موصول بها، فلو أطلقنا السهم وأصاب السمكة فهي حلال ولو ماتت تحت الماء، وهذه هي الفتوى الجديدة لسماحة الإمام الخامنئي "دام ظله" ، حيث اعتبر أن الشبكة بما هي شبكة ليست السبب والعلة للحلية وإنما السبب هو "الحيازة"، بدليل ذكر الشبكة والقصب وحبس السمك بطريقة ما، فالسمك المصاد بها هو حلال الأكل. والعرف هنا يتقبل مثل هذا التفسير ولا يراه منافياً لمنطوق الروايات الدالة على حلية السمك في هذه الموارد. نعم السمك الذي يتم اصطياده تحت الماء بواسطة المتفجرات مثلاً فلا يحل إلا ما بقي منه حياً وأخذه الصياد بنفسه ولو تحت الماء، أما الذي مات قبل اخذ الصياد له فهو محرم الاكل لعدم صدق الحيازة عليه، وعليه فالحيازة هنا من باب تنقيح المناط بعد رفع اليد عن خصوصيات الأمثلة الواردة في الروايات.
والحمد لله رب العالمين.
[1] سورة النور آية 31
[2] تفسير القمي
[3] وسائل الشيعة مؤسسة اهل البيت ج2 الباب الرابع:التحريم الانزال في في فرج امراة محرمة ح2
[4] وسائل الشيعة مؤسسة اهل البيت ج28 الباب الثالث:حد شرب الخمر ح6
[5] وسائل الشيعة مؤسسة اهل البيت ج10 الباب الثالث:علامة شهر رمضان ح1
[6] وسائل الشيعة مؤسسة اهل البيت ج10 الباب الثالث:علامة شهر رمضان ح19
[7] وسائل الشيعة مؤسسة اهل البيت ج24 الباب الخامس والثلاثون:من نصب شبكة ح1
[8] وسائل الشيعة مؤسسة اهل البيت ج24 الباب الخامس والثلاثون:من نصب شبكة ح2
[9] وسائل الشيعة مؤسسة اهل البيت ج24 الباب الخامس والثلاثون:من نصب شبكة ح3
[10] وسائل الشيعة مؤسسة اهل البيت ج24 الباب الخامس والثلاثون:من نصب شبكة ح5
[11] وسائل الشيعة مؤسسة اهل البيت ج24 الباب الخامس والثلاثون:من نصب شبكة ح6