الصفحة الرئيسية
بعض الحقائق الدينية والعلمية للإستنساخ بين العلم والدين
- 16 كانون2/يناير 2014
- الزيارات: 2295
ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قصار الجُمَل قوله ( الناس أعداء ما جهلوا)، والمراد من هذا القول أن الناس غالباً ما ترفض من دون دراسة وتمحيص في غالب الأحيان الأفكار والمبادئ أو الإكتشافات التي يتوصل اليها بعض أفراد البشر، وذلك بسبب الجهل أو بسبب صعوبة تقبُّل الفكرة المطروحة لبعدها عن المسار الفكري العام للبشر. إلا أن هذا الرفض الأولي لا ينبغي أن يتحكم بمسار الفكر الإنساني المبدع والخلاق، والقادر على التوصل الى مقامات رفيعة في مجال استكشاف الكون أو الإنسان نفسه كما قال تعالى في القرآن الكريم (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). والفكرة التي نحن بصدد الحديث عنها هي "الإستنساخ" ومعناها العلمي وتفسيرها المادي هو (أخذ خلية من رجل أو إمرأة يتم تلقيحها ببويضة مأخوذة من رحم امرأة أخرى ويتم تفريغها من العناصر الوراثية أولاً، ثم يتم تلقيحها بالخلية ثانياً عبر موجات كهربائية متلاحقة، ثم بعد إتمام عملية التلقيح وبداية تكوّن مبدأ نشوء الجنين تعاد "البويضة الملقحة" الى رحم المرأة التي أُخذت منها البويضة أو الى رحم أية امرأة أخرى، وتتم فترة الحمل ويخرج المولود مطابقاً
للرجل الذي أُخذت منه الخلية أو مطابقاً للمرأة إذا كانت الخلية منها) . ولا بد من الإشارة أولاً وفق المعتقد الإسلامي للروح أن المولود المستنسَخ هو شبيه في الشكل والصورة فقط للمستنسخ منه لا غير، أما الروح التي تلج وتدخل الى جسد الجنين في بطن أمه فهي روح أخرى لا علاقة لها بروح المستنسخ منه، ومعنى هذا الكلام ونتيجته أن الإستنساخ يعطينا إنساناً مشابهاً في الشكل فقط لا غير للمأخوذة منه الخلية، لأن الروح يستحيل إستنساخها على المستوى العقائدي من الناحية الدينية، وعلى المستوى العلمي من الناحية العلمية، ولذا ورد في قوله تعالى (يسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً). والدليل على أن الإستنساخ هو للجسد المادي لا غير هو أن مبدأ الحساب والعقاب هو الفعل الصادر عن الإنسان بما هو إنسان مستقل في شخصيته وروحه، ومن هنا فقد نستنسخ شخصاً مشابهاً لأكبر مجرمي التاريخ، لكن هذا المستنسخ قد يكون في حياته العملية من المؤمنين الملتزمين الذين يخافون الله عز وجل، وقد نستنسخ شخصاً من إنسان مؤمن، لكن المستنسخ قد يكون في الحياة والممارسة إنساناً فاسقاً منحرفاً، لأن الإيمان أو الكفر أو الفسق وأمثال هذه الأمور المرتبطة بالروح ارتباطاً وثيقاً لأنها ناتجة عنها ومتفرعة عليها لا يمكن استنساخها، بل يستحيل على العلم مهما تطور أن يصل الى هذا المستوى، لأن المشاعر والأحاسيس والفكر والعقل بما هي عناصر مرتبطة بالروح لا علاقة للإستنساخ الذي ينتج إنساناً مشابهاً مادياً للمستنسخ منه لا من قريب ولا من بعيد، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى (يوم تأتي كل نفس معها سائق وشهيد) وقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وكذلك قوله تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)، وشبيه هذا الكلام يجري في التوأمين المتشابهين المولودَين بالتناسل الطبيعي، حيث نرى أن توجهاتهما ليست واحدة وكذلك أفكارهما وسلوكهما وإيمانهما، فقد يستحق أحدهما الثواب لإيمانه، والآخر العقاب لكفرانه، مع أنهما متشابهان جسدياً مئة بالمئة أحياناً أو بنسبة تقل جزئياً عن المطابقة التامة. وأما على المستوى إنتساب الولد المستنسخ، فإن كانت الخلية مأخوذة من رجل، فهذا الرجل هو "أبوه"، وصاحبة البويضة المفرَّغة من نواتها وعناصرها الوراثية هي "الأم" ويجري التوارث وسائر الأحكام المترتبة بين الآباء والأبناء شرعاً على المولود المستنسخ وصاحب الخلية وصاحبة البويضة، وأما إذا كانت الخلية مأخوذة من المرأة، فصاحبة الخلية هي "أمه" ولا يكون له أب في هذه الحالة، ولا بد من الإحتياط أيضاً هنا في اعتبار صاحبة البويضة أماً له أيضاً، وتترتب أحكام النسب بين المستنسَخ وبين صاحبتي الخلية والبويضة بالكامل. ولا بد من الإشارة أيضاً الى البويضة التي نلقحها بالخلية يمكن أن ينتج عنها إنساناً عادياً كالمتولد عبر الجماع الطبيعي بين الرجل والمرأة، أو كالمتولد من التلقيح الصناعي الذي يتم خارج الرحم، ثم تعاد البويضة الملقحة بنطفة الرجل الى رحم المرأة، وذلك عبر تلقيح البويضة من دون تفريغها من عناصرها الوراثية الأنثوية فيكون المولود من الخلية بهذه الطريقة غير مشابه لصاحب الخلية ولا لصاحبة البويضة، بل قد يشبه أباه صاحب الخلية بأمر ما، ويشبه أمه صاحبة البويضة بأمر آخر، وهذه الطريقة لا نسميها إستنساخاً، بل هو توالداً عن طريق التلقيح الصناعي لكن من الخلية لا من النطفة الجنسية، أو "الخلية الجنسية" كما هو المصطلح العلمي للنطفة المأخوذة من الرجل. ولا بد من الإشارة أيضاً الى أن الإستنساخ لا ينتج دائماً إنساناً سليماً خالياً من أي عيب أو نقص، بل قد يحصل أحياناً أن يكون هناك ضعف في الخلية أو البويضة أو عند فترة الحمل مما يؤدي الى ولادة أطفال مستنسخين لكن مع تشوهات وعاهات جسدية، أو قد يعاني المولود من عاهات عقلية ونفسية كما يحصل تماماً في حالات الولادة الناتجة عن الجماع والممارسة الطبيعية بين الذكر والأنثى، وذلك لأن عملية الخلق والتكوين وتكامل الجنين في رحم المرأة سواء أكان بالتزاوج الطبيعي أو عبر التلقيح الصناعي أو عبر الخلية لا يختلف في كل هذه الحالات وإن اختلفت الطريقة وفق تقدم العلم وتطوره والوصول إلى إمكانية ولادة المولود بغير الطريقة التي كانت معمولاً بها ، أو الخليقة الى حين إكتشاف التلقيح الصناعي للنطفة مع البويضة ،أو عبر الخلية من خلال طريقة الإستنساخ محل البحث والكلام، والتي توصل اليها العلم في السنوات الأخيرة وأخذت هذه الضجة العالمية ولا زالت حتى اليوم تتفاعل بين مؤيد ومعارض ومنتظر. ومن هنا لا بد من الرد على من فال بأن الإستنساخ هو من عمل الشيطان أو أنه يشكِّل تحدياً للقدرة الإلهية على مستوى الخلق والتكوين فنقول:( إن الإستنساخ ليس من عمل الشيطان بل هو إبداع علمي توصل إليه العقل البشري ذلك المخلوق الذي خلقه الله وزود به الإنسان ليعرف كيف يتعامل مع الأرض والكون والحياة ويتفاعل معها، وإذا كان النتاج العقلي منطقياً ولا يخالف قواعد الإسلام وأصوله ومبادءه فكيف يحق لنا أن نقول عن إبداعات العقل في هذا المجال بأنها من عمل الشيطان، فهذا الكلام مردود ولا يستحق الرد أكثر من ذلك، لأن قائل مثل هذا الكلام يبدو أنه لا زال يعيش في عصر ما قبل النهضة العلمية والثورة الفكرية التي أبدعت حتى الآن الكثير مما سهّل على الإنسان سبل العيش وأراحه من كثير من المتاعب والصعاب التي كان يعاني منها ويكابد قبلها). وأما الرد على من قال بأن الإستنساخ هو تحدٍ لقدرة الخالق، فهذا الكلام أيضاً لا محصِّل له ولا معنى وذلك (لأن تحدي الخالق يكون عبر قدرة الإنسان على إنتاج مولود من غير كائنات وموجودات كل هذا الكون، وهذا مستحيل بحد ذاته، لأن الأرض والسماوات بما فيهن مخلوقات لله، وكل ما في الأمر أن الإنسان بعقله وتفكيره استطاع تطوير وسيلة التوليد فقط لا غير، أما المبادئ الأساسية للتلقيح الصناعي أو الإستنساخ ما زالت مستندة الى الإنسان ذاته وهو من مخلوقات الله، والعملية هنا تماماً هي كصناعة أي شيئ أوجده الإنسان عبر تفاعل العناصر الموجودة فيها كالسيارة أو الطائرة أو البراد والآلات الصناعية، حيث جمع الإنسان عناصر هذه الإختراعات من المواد التي خلقها الله ولم نسمع أحداً قد استهجن أو استنكر ذلك، والإستنساخ من هذا القبيل تماماً فهو لا زال محكوماً للقدرة الإلهية لأنه يبدأ منها وينطلق من الخلية المتولدة من النطفة التي جعلها الله مبدأ نشوء الإنسان وتكونّه). ولا بأس في نهاية المطاف من الإستئناس برأي سماحة الإمام القائد آية الله العظمى الإمام الخامنئي "دام ظله" في جوابه عن استفتاء حول جواز الإستنساخ حيث ورد في الجواب (أن الإستنساخ لا بأس به بحد ذاته اذا لم يترتب عليه مفاسد جانبية مع الإحتراز عن المحرمات كالنظر أو اللمس لعورة المرأة عند إخراج البويضة منها أو عند إعادتها الى رحمها بعد تلقيحها بالخلية). ولا بد من أن نذكر في نهاية الكلام أيضاً الفتويين اللتين ذكرهما الإمام الخميني "قده" وهما متقدمتان حتى على فكرة الإستنساخ، وقد يحتاج العلم الى زمن طويل للوصول الى تحقيقهما عملياً وهما التاليتان: الأولى: لو استطاع الإنسان أن يُوجِد نطفة إنسانية من النبات أو الثمار ولقحها ببويضة المرأة ونتج عنها مولود من رحم المرأة، فهذا المولود لا أب له وتكون صاحبة البويضة أمه الطبيعية ويتم النسب والتوارث بينه وبين أمه وكل من يتصل معها بالنسب وتثبت له سائر أحكام النسب أيضاً. الثاني : لو استطاع الإنسان أن يوجد نطفة انسانية من النبات أو الثمار ويتم زرعها في رحم صناعية مستوفية كل شروط الرحم الطبيعي عند المرأة، فالمتولد في هذه الحالة لا يكون له أب ولا أم لأنه لم يتولد من نطفة آدمي ولا بويضة امرأة. بعد هذا كله نستنتج أن الإستنساخ لا مانع منه شرعاً في أصل الشريعة، والمتولد عن هذا الطريق هو إنسان كسائر البشر له ما لهم وعليه ما عليهم، وهومكلّف بالإستقلال بعد بلوغه كإنسان مستقل، ولا يتبع المستنسخ منه إلا بالنسب وتوابعه من التوارث وفق مراتب الإرث، ويحرم عليه الزواج من أخت صاحب الخلية لأنها عمته أو من بنت صاحب الخلية لأنها أخته، ويحرم عليه الزواج من أخت صاحبة البويضة لأنها خالته ومن بنات صاحبة البويضة لأنهن أخواته وهكذا. نعم لو فرضنا أن الإستنساخ قد نتجت عنه بعض الأمور التي قد تسبب خللاً في مسيرة المجتمع وأمنه وسلامته، كما لو استنسخنا من كل شخص المئات بحيث لم نعد قادرين على التمييز حال حصول حوادث أو جرائم أو مفاسد وما شابه، ففي هذه الحالة يمكن تحريم هذا الجانب السلبي من الإستنساخ لا غير، ولكن من دون تحريمه بالمطلق كما تبين معنا من كل ما سبق من الحديث. والحمد لله رب العالمين.