الجمعة, 22 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الصفحة الرئيسية

الأب والشاب

sample imgage

سنوات الشباب:

تتميز مرحلة الشباب بحساسية خاصة وهي من أهم مراحل الحياة الإنسانية. وقد حدّدت بالفترة منذ نهايات مرحلة البلوغ وحتى السن السادسة والعشرين. وثمة اختلاف بين المفكرين في هذا المجال اعتبر بعضهم أنّ مرحلة البلوغ تدخل ضمن سني الشباب.

لكنّنا سنعتبر في هذا الموضوع أنّ بداياتها تتزامن مع أواخر مرحلة البلوغ.

 

إنّها مرحلة مهمة في الحياة وقد وصف الإسلام الشباب بأنّه من النعم الإلهية الكبرى وطالب باغتنام هذه المرحلة واستثمارها بأفضل وجه. وقد لا يحصل ذلك إلّا بواسطة إشراف الوالدين ومساعدتهما وتوجيهاتهما والإستفادة من تجاربهما.

كما أكّد الإسلام على ضرورة قيام الأب باستشارة ابنه واصطحابه معه دائماً ومجالسته، ومجالسة الأم لابنتها.

وبعبارةٍ أخرى فإنّ الأصل في التربية هو مجالستهم واصطحابهم ومساعدتهم وتوفير النموذج العملي في الحياة اليومية لتربيتهم.

خصائص هذه المرحلة:

لا يمكننا أن نذكر جميع خصائص هذه المرحلة لحاجة ذلك إلى فصول مطوّلة. لكنه يمكن القول باختصار أنّ هذه المرحلة هي مرحلة السعي وبذل الجهد والإندفاع نحو القوة والتظاهر بها. إنّها مرحلة البحث عن الإستقلال الكامل.. مرحلة تختلف عن المراحل التي تسبقها أو تلحقها.. مرحلة الإحساس والعاطفة.. مرحلة تشتدّ فيها الحساسية... مرحلة تتغير فيها القدوة.. مرحلة البحث عن الحرية.. مرحلة مليئة بالإنفعالات والإضطرابات.. مرحلة العصيان والتمرّد.. مرحلة كتم السر والعمل السري.. مرحلة الدفاع عن الجماعة والإنخراط فيها.. مرحلة تتغير فيها المواقف والأفكار.

صحيح إنّكم تعيشون مع أولادكم لسنواتٍ طويلة، لكنّكم لا تعرفونهم حق المعرفة، ولم تكتشفوا جميع أسرارهم وخفاياهم. فثمة مجاهيل عديدة لا تزال بحاجة إلى الكشف عنها من خلال بذل الجهد والسعي الحثيث. ويمثل هذا بحد ذاته صعوبة بالغة بالنسبة لكم ولأولاكم.

ومن الطبيعي أن تتعقّد المسؤولية كلّما كبر الولد، فلا يمكنكم أن تفرضوا عليه أمراً معيناً أو تقنعوه بأفكاركم. فهو في مرحلة يقدر فيها على اتّخاذ القرارات التي تزيد من قلقكم.

مشكلة العلاقة:

إنّ أهم مشكلة بين الآباء والأولاد هي تمرّدهم ورفضهم لإقامة العلاقة ممّا يستوجب الحذر والإهتمام، ويبدي الشاب لدى مواجهته لوالده ردود فعل معينة مستلهمة من الأصدقاء أحياناً فيكون من الصعب على الآباء تحمّلها.

قد تؤدي المواجهة بين الأب والابن أو الأم والبنت إلى إثارة القلق أحياناً واللجوء إلى العنف لدى بعض الأفراد.

إنّ للنزاعات والصراعات جذوراً لا بدّ أن نبحث عنها في مراحل الحياة الأولى حيث ستظهر تأثيراتها في الحياة المستقبلية. وتعتبر الرغبة في إثارة المشاكل والبحث عنها من الأمور المشوّقة والمشجّعة في هذا المجال. ويدفع حبّ الإستقلال عند الولد إلى أن يقف بوجه بعض المفردات والتمرّد عليها. وقد تكون الصراعات والإختلافات شديدة بحيث يبدو للمراقب وكأنّ حرباً شعواء تجري بين الشاب وولي أمره. في حين أنّ الحقيقة ليست كذلك، وأنّه يحب والده حقاً ويحترمه.

المخاطر والأعراض:

على الآباء أن يحذروا بشدة من مخاطر هذه المرحلة، إذ توجد انحرافات عديدة تنتظر أبناء هذه المرحلة عادة، ممّا ستنعكس نتائجها على شرف أفراد الأسرة وكرامتهم فيما لو تسامح الآباء في ذلك.

وتعود بعض المخاطر إلى ضغوطات الغريزة التي تؤدي بالشاب أحياناً إلى بعض الإنحرافات. وتشير الإحصائيات (الخاصة بالمجتمعات الغربية) إلى أنّ 70% من الإنحرافات الجنسية والفحشاء تختص بالأعمار 16 – 18 سنة. وقد تبتلى العوائل أيضاً بتلك المفاسد.

ومن المخاطر الأخرى ما يرتبط ببعض العادات المختلفة كالسرقة والجريمة وحياة الرذيلة وممارسة الإعتداء وغير ذلك ممّا يؤدي إلى إيجاد مشاكل جمّة للفرد والأسرة والمجتمع.

وترتبط بعض المخاطر بتغيّر الأفكار والعقائد والوقوع في فخّ الكفر والشرك والإلحاد حيث يعتمد كلّ ذلك على من يقوم بالتربية والمعاشرة ومدى نفوذه وتأثيره. ويلجأ الشباب أحياناً إلى مختلف المفاسد والفضائح من أجل الإنضمام إلى مجموعةٍ معينة، ويعد هذا خطراً كبيراً بحدّ ذاته.

قابلية التغيّر:

يملك الشاب قابلية التغيّر، فلا يزال قلبه ليناً في هذه المرحلة، ويمكن بناؤه من جديد وإعادته إلى جادة الصواب. ويوصف الشاب علمياً وإسلامياً بأنّه كالخميرة، إذ تؤثر فيه الظروف الخارجية ويكتسب العادات والأخلاق المختلفة. ويكون قادراً على تغيير طريقه وبناء نفسه من جديد.

وخلافاً لبعض التصوّرات فإنّ هؤلاء – أي الشباب – يلتزمون بالأوامر والنواهي رغم أنّهم يبدون ظاهراً معارضين لها.

فهم قد لا يقبلون بالنصائح كما يبدو للعيان، لكنهم سيلتزمون بها ويعملون بموجبها فيما لو تحدثتم معهم برفقٍ ولين. ولو تأثروا بكلماتكم لضحّوا أحياناً بأنفسهم ونزلوا إلى معترك الصراع برغبةٍ واندفاع ذاتيين من أجل تحقيق الهدف الذي وضعتموه لهم. فالأفكار والكلمات مؤثرة فيهم حتماً. فقد جاء في الحديث الشريف: "من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر".

لذا ينبغي الإهتمام بهذه الميزة واستغلال قابلية التغيّر عند الشباب وتوجيههم نحو الأهداف المنشودة من خلال دعوتهم وتعليمهم. ولا تنسوا أنّهم سيعودون إلى صوابهم فيما لو نصحهم آخرون يحبونهم فيسمعون كلامهم.

مجالسة الأب:

ينبغي للأب أن يصاحب ولده ويجالسه في كلّ حالاته حيث أنّ هناك أساليب معينة تؤثر في الولد عادة.

فقد يجالس الأب ولده ويكون إلى جانبه باستمرار دون أن يؤثر فيه ذلك أبداً، وهنا يجب على الأب أن يحذر هذه الحالة تماماً.

حري بالأب أن يؤثر في ولده وينفذ إليه من خلال حديثٍ معه وإبداء وجهات نظره وإظهار عواطفه وأحاسيسه ومشاعره، وأن يخطو في سبيل إصلاحه وإرشاده، فوظائف الأب عديدة في هذه المرحلة أهمها امتلاكه لقابلية إيجاد تغيير في أفكار الولد وسلوكه.

إذ أنّ من الخطأ الكبير أن يعامل الأب ولده كالند والخصم فيضطرّه للتمرّد عليه وعصيانه. وعليه عوضاً عن ذلك أن يقدّم له الأفكار الجيدة ويخطو من أجل ترسيخ عقيدته وبناء عواطفه وأحاسيسه لأنّ تجاهلها يؤدي بلا شك إلى ظهور مشاكل عديدة.

على الأب أن يبدي استعداداً كبيراً للتعامل مع ولده وأن يستخدم أفضل الأساليب وأحسنها لتحقيق هذا الغرض. فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: "أوصيكم بالشبان خيراً". فالتعامل السليم والكلام الجميل يؤديان إلى بناء الفكر والنفس وتحقيق الحيوية والنشاط عند الشباب.

الشباب والمسؤولية:

من الضروري أن يكلّف الأولاد ببعض المسؤوليات الحياتية وذلك من أجل بنائهم وزيادة خبراتهم وتجاربهم في هذا المجال ولا بدّ أن تبذل الجهود من أجل أن يشعروا بالفخر والإعتزاز جرّاء تحمّلهم لهذه المسؤوليات.

أمّا إذا فشلوا في أداء تلك الوظائف، فإياكم – والحال هذه – أن تجرحوا كرامتهم أو أن تسيئوا إلى شخصياتهم، بل حاولوا تعزيز معنوياتهم وخلق الوازع عندهم لإعادة العمل من جديد.

ولو كان للشباب وجهة نظر معينة إزاء تلك المسؤولية فلا تستبدوا برأيكم لتأثير ذلك سلباً، وبالتالي يؤدي إلى شعوره باليأس من الحياة. إذ ينبغي للشاب أن يكون واعياً في سلوكه كي ينتخب طريقه بشكلٍ صحيح ويمارس مسؤوليته بدقة. وهذا يرتبط بطبيعة تعاملكم معه.

كما يجب على الآباء أن يهتموا بالجوانب الأخلاقية عند الشباب وهم يؤدون وظائفهم. فلا توجّهوا اللوم للولد الشاب أبداً، ولا تقولوا له بأنّكم كنتم كذا وكذا في شبابكم، فليس مطلوباً من الإنسان أن ينجح دائماً في عمله، وعليكم أن تقيّموه من خلال ظرفه ووضعه الخاص، وتوفّروا له الأجواء الملائمة للنمو والتكامل وإظهار استعداداته المختلفة.

البرنامج لوقت الفراغ:

فكروا لأوقات فراغ أولادكم، وخطّطوا لملئها حتى لا يجدوا الفرصة فيلجأوا إلى الفساد والضياع وتعاطي المخدرات. فالفراغ من أعظم البلايا خاصة للشباب لأنّهم يمتازون بحبّ الإستطلاع ويحملون أذهاناً نابهة.

كما تؤدي بهم البطالة إلى وضع الخطط والبرامج الفاسدة بسبب قصورهم ذهنياً عن البناء واشتياقهم في الوقت نفسه للقضايا المثيرة فتؤدي هذه الأمور بمجموعها إلى جلب المشاكل لأنفسهم وللآخرين والوقوف موقف المتفرّج إزاءها.

لذا فإنّ البرنامج السليم يقيهم من التورّط والآخرين بمختلف المشاكل والصعوبات.

ما هو المطلوب من الشاب:

لا تنتظروا من ولدكم الشاب أن يؤدي جميع الأمور كما تطمحون فصحيح أنّ الشباب يمتازون بطول القامة ويبدون – ظاهراً كباراً، لكنّهم قليلو الخبرة والمراس، ويجب عليكم أن تشرفوا على جميع البرامج وتراقبوا تطبيقها حتى تتمّ عملية الهداية والتوجيه تدريجياً.

فقد لا يحترمكم الشباب كما تطمحون، وعليكم أن لا تنتظروا منه أن يحسب لكم ألف حساب. فمثلاً قد يتطاول عليكم لكنه لا يستهدف ذلك متعمّداً. ويعود السبب إلى شعور الشاب عادة بالإستقلال والحرية. وينبغي عليكم أن تعاملوهم باحترام لكي يتعلموا معنى الإحترام.

تحدّثوا معهم، وازرعوا عندهم الثقة بأنفسهم وافتحوا أمامهم أبواب الخير وتيقّنوا أنّهم سيسلكون هذا الطريق.

جاء عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوله: "عليكم بالأحداث فإنّهم أسرع إلى كلّ خير".