الصفحة الرئيسية
التربية الجنسيّة – موارد الجواز والضّوابط –
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 953
وكان من أوّل ضحايا تلك الحريّة الفوضويّة "الأسرة" التي كانت تشكّل الضّامن لانتظام أفرادها، وبالتّالي الضّامن لانضباط المجتمع وتوازنه، وقد أدّى تفكّك الأسرة، نتيجةً للقوانين التي أقرّتها الدول الغربية تلك، إلى أن يأخذ كلّ فردٍ من الأسرة حريّته المطلقة في أن يفعل في نفسه ما يشاء طالما أنّه لا يعترض ولا يتعرّض لحريّة الآخرين الشّخصيّة.
وقد أدّت تلك الحريّة الموهومة والمزعومة إلى أن يستغلّ أصحاب النّيّات السّيئة والمدمّرة لذلك الجوّ التّحرّري، وعملوا على التّرويج للإباحيّة والجنس والعلاقة غير المشروعة بين الرّجل والمرأة خارج إطار الزواج تحت اسم "المُساكَنة"، لكن مع تمتُّع كُلٍّ من الطّرفين بحريتّه، باعتبار أنّ الإنسان حرٌّ في أموره الشخصيّة، وحريّته لا ينبغي أن يقيّدها أيّ قانونٍ أو نظامٍ أخلاقيّ أو دينيّ أو اجتماعيّ.
وحصل أن نتج عن تلك الحريّة الفرديّة المطلقة انتشارٌ للفساد والرذيلة والجريمة، وإشاعة استعمال المخدرات، وتحطيم الأسرة والعائلة، وانتشار الأمراض الخطيرة على مستوى الشعوب كالإيدز والسفلس والزهري والهربس وغير ذلك ممّا يفتك بملايين البشر سنويّاً وفق إحصاءات المؤسسات الدوليّة المهتمّة بمعالجة هذه الأمور.
والخطوة الأخطر التي لعبت دوراً مهمّاً في الوصول إلى تلك النّتائج المدمِّرة على المستوى الأخلاقيّ للمجتمعات الغربيّة ومَن يدور في فلكها الثقافيّ والسّلوكيّ، كانت تشريع تدريس العلاقات الجنسيّة بين الرجل والمرأة في المناهج التّعليميّة وبدءاً من السّنوات الأولى من عمر الأطفال – ذكوراً أو إناثاً – بحجّة أنّ تدريس هذه الموادّ وتثقيفها للنّاشئة وللأجيال الصّاعدة يجعلها تتعرّف على الحقائق الجنسيّة لكلٍّ من الرّجل والمرأة، والتي يرون أنّها ضروريّةً في حياة كلٍّ من الجنسين.
ومن هذا المدخل تمَّ الترويج الخبيث واللئيم لضرورة إقامة العلاقات قبل الارتباط والزواج الشرعي باعتبار أن التّجربة هي خير وسيلة للمعرفة الحسيّة والتفصيليّة في هذا المجال، وصار تدريس المواد الجنسيّة جزءاً لا يتجزّأ من المناهج التّعليميّة في الكثير من البلدان المستضعفة المسلوبة الإرادة لصالح المفهوم الاستكباريّ للحريّة، والذي قدّ يتنافى بل يتناقض أحياناً مع ثقافات الشعوب الملتزمة منها والعقائدية خاصّة.
وقد أدّى شيوع الحريّة الجنسيّة إلى مشاكل إجتماعيّة كبيرة جداً مثل الإجهاض والأمومة المبكرة وإهمال تربية الأطفال من خلال تسليمهم لمؤسسات الرعاية الإجتماعيّة التي تأخذ على عاتقها مسؤوليّة تربيتهم إلى أن يتسنّى لأولئك الأطفال عائلاتٍ تتبنّاهم وتهتمُّ لأمورهم.
ومن المشكلات الخطيرة التي ترتّبت على شيوع الحريّة الجنسيّة أيضاً عدم الانجاب ، وهو من الأمور السّلبيّة التي تعاني منها اليوم الكثير من المجتمعات الغربيّة التي يقلّ فيها سنّ الشّباب ويكثر فيها أبناء السّنّ المتوسّط والكبير ، كما تعاني تلك المجتمعات من قلّة الزواج وكثرة الطّلاق في تلك النّسبة القليلة من عقود الزواج أيضاً.
وبالجملة فالحريّة الجنسيّة وما تبعها من تشريعٍ للثقافة الجنسيّة أدّيا إلى كلِّ تلك المآسي التي يضجُّ بها عالمُ الغربِ اليومَ والدول الدّائرة في فلكه أيضاً، ولهذا نسمع اليوم الكثير من الدول الغربيّة نفسها تسعى لإعادة الإعتبار لمفهوم الأسرة، وتدعو إلى الإنجاب وتَسنُّ قوانينه للمساعدات الماليّة للتشجيع على الإنجاب أيضاً، كلّ ذلك في محاولاتٍ للتخفيف من الأخطار والسّلبيّات التي حصلت ولا زالت تحصل حتّى الآن بسبب شيوع الحريّة بكلّ مفرداتها ومن أبرزها الحريّة الشخصيّة ومن ضمنها الحريّة الجنسيّة.
ونحن كمسلمين نؤمن بالإسلام ديناً للحياة كما هو دينٌ للآخرة، فإنّ الإسلام لا يُحرِّم علينا العلم والمعرفة، بل يؤكّد علينا ضرورة تحصيل العلم لأنّ الجهل عدوّ للإنسان ومَدخلٌ للكثير من الفساد والإنحراف والشرور، وقد قال الله تعالى في كتابه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، وقال عز وجل:ً (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، وورد في السّنة الصحيحة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله المشهور: (العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (أطلبوا العلم ولو في الصين) وغيرهما من الأحاديث التي تحثّ على التعلم.
إلاّ أنّ الإسلام يؤكّد على أتباعه ضرورة أن يكون العلم الذي يتلقّونه ويتعلّمونه ممّا يكون له مردودات إيجابيّة وصحيّة على الفرد والمجتمع كالعلوم التي تنفع النّاس في أمور دينهم ودنياهم ، بل نرى أنّ الإسلام قد أوجب طلب العلوم بنحو الوجوب الكفائي الذي تتحقّق فيه مصالح المجتمع الإسلاميّ في كل مجالات الحياة ونواحيها.
من هنا كان تعلُّم الحرف والمهن والصّناعات والاختصاصات كالطّب والهندسة واجباً على الأمّة الإسلاميّة لتحقيق الكفاية اللازمة في كل اختصاص.
ومن هذا المنطلق ندخل إلى عنوان "التربية الجنسيّة" التي يُراد بها التعرُّف على خصائص الجنس لدى كلٍّ من الجنسين كالأعضاء التناسليّة وسنّ البلوغ والمراهقة وكيفيّة التّعامل مع مَن هم في هذه السّنّ الخطيرة من حياة الإنسان، وطريقة الولادة والإجهاض والأمراض الجنسيّة والعدوى بها والوقاية منها والدورة الشهريّة عند المرأة، وما شابه ذلك من هذه العناوين التّفصيليّة الواردة في المناهج الدراسيّة الجنسيّة.
والإسلام في الأصل لا يحرِّم على المسلمين – ذكوراً وإناثاً – تعلُّم هذه العناوين من التربية الجنسيّة، لكن مع توافر الضّوابط الشرعيّة والأخلاقيّة التي لا تنحرف بهذه العناوين عن الهدف الأصلي منها وهو "التثقيف".
والضوابط التي يمكن لحظها حين تدريس هذه العناوين هي التالية:
أولاً: فصل الجنسين عن بعضهم البعض أثناء تلقين هذه العلوم، وأن يكون مُدرّس الذكور رجلاً، ومُدرّسة الفتيات امرأة، وهذا شرطٌ أساسٌ وضابطٌ رئيسٌ لا يمكن تجاوزه، لأنّ شرح هذه العناوين مع اختلاط الجنسين أمرٌ مكروهٌ في الإسلام وغيرَ مُحبَبٍ، خاصّة للذكور والفتيات في سنّ المراهقة الخطر جداً في حال أُزيلَت من أمامه الضّوابط الشّرعيّة والأخلاقيّة والإجتماعيّة والسلوكيّة.
ثانياً: البدء بتدريس هذه العناوين في بدايات مرحلة البلوغ والنّضج الجنسيّ عند الجنسين أيّ "سنّ البلوغ الشرعيّ عند الذكر والأنثى"[1] وليس قبل ذلك كما يحصل في عالم الغرب حيث يبدأون بتعليم الأطفال هذه التربية منذ الصغر.
ثالثاً: المراقبة والإشراف من جانب الجهاز التدريسي في المدارس – غير المختلطة طبعاً – ومراقبة وإشراف الأهل في منازلهم وفي بيوتهم أيضاً لضمان عدم محاولة الشّابّ أو الفتاة الإنغماس في التّجارب العمليّة لما يتعلّمونه عن هذه الأمور.
رابعاً: التنبيه إلى الأخطار الصحيّة والنفسيّة من الإنجرار وراء الشّهوة الجنسيّة من غير الطرق الشرعيّة والإعتبار ممّا يحصل اليوم في عالم الغرب من مآسٍ وفجائع إنسانيّة خطيرة تهدّد- في حال استفحالها- الجنس البشريّ بأسره وخصوصاً في عالم الغرب والدول اللاحقة والتّابعة له حيث ترزح تحت وطأة الأمراض الجنسيّة القاتلة فضلاً عن مشاكل الإجهاض وتفكُّك الأسرة وزوالها.
خامساً: تبيان فوائد الزواج المبكر مع إمكان ذلك وأنّ هذا الأمر مُستَحسنٌ من الناحية الشرعيّة والأخلاقيّة والسلوكيّة لضمان الحصول على المنفعة الجنسيّة من طرق الحلال دون اللجوء إلى الوسائل الرخيصة والمحرّمة كالزنا وغيره.
وهذه الشروط لا بد منها في مرحلة سنّ المراهقة والبلوغ حتّى تحقّق الثقافة الجنسيّة هدفها التربويّ من دون الوقوع في الآثار السلبيّة كما حصل ويحصل في عالم الغرب اليوم.
وأمّا تدريس المناهج الجنسيّة في الجامعات والكليّات والمعاهد ذات الاختصاص كالطّب والصيدلة وعلم النّفس أو الإجتماع فلا مانع منها مع مراعاة الفصل أيضاً مع الإمكان – كما في الدولة الإسلامية – لأن المُتعلّم في هذه المراحل يكون قد تجاوز سنّ المراهقة والبلوغ، وأصبح في سنّ الرشد والتعقّل والتدبّر، وهذا ما يعطي الإنسان القدرة على التّمييز الواضح بين ما هو حلال وما هو حرام، ويمكن للإنسان في مرحلة التعقّل والرّشد أن يصون نفسه إذا كان ملتزماً ومنضبطاً ومتقيّداً بتعاليم الشّرع الحنيف الذي يُحدِّد لكلٍّ من الذكر والأنثى أنواع السلوك النّظيف والمُتّزن والأخلاقيّ.
ولتوضيح هذا الأمر أكثر لا بأس بذكر بعض الاستفتاءات الواردة في هذا المجال إلى سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي "دام ظله" مع أجوبتها:
س – 254 – خلال الدراسة الجامعيّة يُستفاد من الأجهزة التناسلية المجسمة (مصنوعة على شكلها من مواد بلاستيكية) فما هو حكم النظر إليها أو لمسها؟
ج – ليس حكم الآلة والعورة الاصطناعية حكم العورة الأصلية، فلا مانع من النظر إليها ولمسها إلا إذا كان بقصد الريبة أو أوجب تحريك الشهوة.
س – 251 – هل يجوز النظر إلى صور الأشخاص غير المسلمين الموجودة في الكتب الخاصة بفرعنا الدراسي حيث تعرض صور رجال ونساء شبه عراة؟
ج – لا مانع منه ما لم يكن بقصد الريبة والتلذذ ولم يكن فيه خوف ترتب المفسدة.
س – 246 – لا بد لطلاب كلية الطب (الذكور والإناث) من فحص الأجنبي (باللمس والنظر) من أجل التعلم، وحيث أن هذه الفحوص جزء من البرنامج الدراسي ولا غنى عنه في التأهيل لعلاج المرضى في المستقبل، وترك التدريب على ذلك قد يسبب عجزه في المستقبل عن تشخيص مرض المريض، فينتهي الأمر إلى طول برء مرضه، أو موته أحياناً، فهل هذه التدريبات جائزة أم لا؟
ج: لا إشكال في ذلك إذا كان من موارد الضرورة لتحصيل الخبرة والمعرفة على علاج المرضى وإنقاذ أرواحهم.
وللإطلاع أكثر على الاستفتاءات الواردة في هذا المجال يمكن مطالعة أجوبة الاستفتاءات – الجزء الثاني – من عنوان – "المسائل الطبية" صفحة 63 وإلى عنوان "تعلُّم الطب" صفحة 87 -.
والحمد لله رب العالمين
1- السن عند الأنثى هو عندما ترى الدم وليس سن البلوغ الشرعي المعروف عند الفقهاء في هذا المجال.