الجمعة, 22 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الصفحة الرئيسية

تكافل الأسرة في الإسلام

sample imgage

لكي تسير سفينة الزواج إلى شاطىء الأمان لا بدّ من وجود قائدٍ لهذه السفينة يتمتّع بمكانةٍ خاصة ويحصل على حقوقه كاملة، ولعلّ أول حقّ منحه الله تعالى للزوج هو حقّ القيمومة فيقول تعالى: {الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}، فحق القوامة للرجل مُستمدّةٌ من تميّزه وتفوّقه التكويني على المرأة بما يرشحه لتحمّل تكاليف الحياة والمعيشة ومشاقها أكثر من أيّ كائنٍ آخر، صحيحٌ أنّ بإمكان بعض النساء أن تقوم بواجبات الرجال وإنّ هناك رجالاً قد يعجزون أو يتوانون عن القيام بواجباتهم، إلاّ أنّنا لا نتحدّث هنا عن الحالات الإستثنائية التي لا يمكن تحديد قواعدها بل عن المرأة العادية التي يفترض أن لا يسمح لها تركيبها العضلي أن تفعل ما يفعله الرجل العادي. لكن في الوقت ذاته فإنّ قيمومة الرجل لا تُبيح له التسلّط والخروج عن دائرة المسؤولية إلى دائرة التحكّم والتعامل القسري مع الزوجة، لأنّ هذا الأمر يتعارض مع حقّ المرأة في المعاشرة الحسنة والذي أشار إليه القرآن صراحة في قوله تعالى: {وعاشروهنّ بالمعروف}، هذا من جانب ومن جانبٍ آخر فإنّ الإسلام قد طلب من الزوجة الإنقياد للزوج في كلّ ما يرتضيه العقل والشرع وحسب، وبدون ذلك لا طاعة لمخلوقٍٍ في معصية الخالق.

 

فالإسلام لا يرتضي أن تُستخدم هذه القيمومة وسيلةً لإذلال المرأة أو الإنتقاص من مكانتها وإهدار حقوقها، صحيحٌ أنّ أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها، ولكنّ هذا الحقّ يجب أن لا يُساء تفسيره وتطبيقه بما يؤدّي إلى إذلال الزوجة.

إنّ المرأة كما يصفها الحديث الشريف: (ريحانة) وعليه فهي رقيقة تفتقد للصلابة والحزم والإرادة وبالتالي فهي (ليست بقهرمانة)، لذا تحتاج إلى من يحميها ويدافع عنها ويصدّ عنها الرياح العاتية والسموم التي قد تُفقد هذه الريحانة نضارتها، وهي في طورها نحو الإزدهار والنمو، وهذا المحامي والمدافع هو الرجل، فهو يمتلك القوة والإرادة والإستعداد للتضحية واحتضان هذه الريحانة. ومن حقوق الزوج الأخرى أن تمكّنه الزوجة من نفسها كلّما أراد ذلك، ما عدا الحالات الإستثنائية الطبيعية التي تمرّ بها بنات حواء. فيقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ من خير نسائكم الولود الودود المستترة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها المتبرّجة مع زوجها الحصان على غيره، التي تسمع قوله وتطيع أمره وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها).

وهناك أحاديث أخرى تحذّر المرأة من الإبتعاد عن فراش الزوجية وأنّها سوف تدان في الحياة الدنيوية وتلعنها الملائكة حتى تعود إلى زوجها ثمّ إنّ عليها أن تحترم زوجها وأن تسهم بدورها في عقد المودة والمحبة معه.

وانطلاقاً من هذا التوجّه النبوي يتوجّب على الزوجة أن تكون لطيفة المعشر مع الزوج تخاطبه بعبارات تدخل السرور على قلبه والبهجة في نفسه خصوصاً عندما يعود من العمل خائر القوى مُرهق الأعصاب، فعليها أن تستقبله والبشر يطفح على وجهها وتعرض خدماتها عليه، وبذلك تنال رضاه فيقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (ويلٌ لامرأةٍ أغضبت زوجها، وطوبى لامرأةٍ رضي عنها زوجها).

إنّ المرأة كنزٌ ثمينٌ يجب الحفاظ عليه في مكانٍ أمين، والبيت هو المكان الذي يصون المرأة، لذا يخاطب القرآن النساء بقوله: {وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى}، وهناك حقوقٌ أخرى للزوج منها:

الحفاظ على كرامته وصون أمواله في غيابه وعدم كشف أسراره، وليس لها أن تصوم تطوعاً إلاّ بإذنه، وعلى العموم تحتاج الحياة الزوجية لكي تستمر إلى الرضا والإحترام المتبادل وإسداء الخدمة، كما تحتاج الزهور لكي تبقى متفتحة إلى النور والهواء والماء، وتجدر الإشارة إلى أنّ الإلتزام بالحقوق المتبادلة للزوجين فضلاً عن كونه مُسقطاً للواجب يترتب عليه ثوابٌ عظيم والعكس هو الصحيح، فالرجل إذا سقى زوجته أُجر، ومن حسن برّه بأهله زاد الله في عمره...

وهنا يبدو من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ ضمانات الإلزام بالحقوق في القوانين الإلهية هي أكثر من مثيلاتها في القوانين الوضعية، لأنّ الإنسان في القانون الوضعي يتمكّن من التملّص والإلتفاف على الحقوق المترتّبة عليه من خلال وسائل الحيلة والرشوة والتهديد والإكراه وما شابه ذلك، أمّا في القوانين الإلهية ففضلاً عن وسائل الإلزام والتنفيذ الخارجية – من شرطة ومحاكم – توجد عوامل إلزام وضبط داخلية متمثلة في الخشية والخوف من عقاب الله تعالى وسخطه ووعيده الأخروي. فالإنسان المسلم يسعى لكسب رضا الله تعالى من خلال أداء حقه وأداء حقوق الآخرين، والقرآن يرى أنّ ظلم الإنسان للآخرين هو ظلمٌ يقع على نفسه في نهاية الأمر، فيقول تعالى: {ولا تمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه}، فالوازع الديني يصبح أداة كبح قوية لكلّ نزعةٍ شيطانية تريد التنصّل من الحقوق والإلتزامات.