الجمعة, 22 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الصفحة الرئيسية

ضرورة توحيد علمي الرجال والفقه عند المسلمين

sample imgage

من الواضح أن المذاهب الإسلامية كافة قد أجمعت على أهمية علم الرجال من حيث التوثيق وعدمه لدخالة ذلك في عملية استنباط الأحكام الشرعية من السّنة خصوصاً. وقد كانت تزداد أهمية هذا العلم كلما تقدم الزمن وابتعدنا عن عصر النص والتشريع حتى صار ضرورة لا يمكن الاستغناء عنه.

إلا أن هذا العلم المبني أساساً على عملية توثيق الرواة أوعدم التوثيق قد سلك فيه علماء المذاهب الإسلامية مسالك متعددة ومناهج مختلفة أدت إلى حصول نوع من عدم التوافق الكامل على الأسس المعتمدة للجرح والتعديل كما هو المصطلح عليه في علم الرجال، ولذا قد نجد راوٍ ما معتمداً عند فقيه ولكنه ليس معتمداً عند آخر، وهذا يشمل المذاهب الأربعة عند السّنة ويشمل أيضا المذهب الجعفري.

 

ومن هنا نرى أن الكتب الرئسية المحتوية على الأحاديث النبوية وتلك الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وعن الصحابة التي هي المنبع الأساس لاستنباط الأحكام قد تعرضت للأخذ والرد عند علماء المذاهب كافة وفق الأسس التي اعتمدوا عليها في (الجرح والتعديل) للرواة.

فمثلاُ نجد عند الإخوة السنة أن (صحيحي مسلم والبخاري) لم يسلما من الإنتقاد من بعض علماء السّنة أيضا بسبب الإختلاف في أسس التوثيق، وكذلك عند الشيعة لم تسلم كتبهم الجامعة للأحاديث من هذه الإنتقادات ككتاب (الكافي) مثلاً الذي هو من أمهات كتب الحديث التي يستند إليها فقه المذهب الجعفري.

وهذا كله إن دل على شيء فهو يدل على ضرورة الخروج من دائرة البحث الضيقة التي كان ينطلق منها كل فقيه أو كل مذهب إلى الدائرة الإسلامية الأوسع ليصبح علم الرجال علماً إسلامياً عاماً له قواعده المعتمدة عند الجميع للتأسيس لفقه إسلامي يعمل بموجبه جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم.

وعلم الرجال هو المدخل الأنسب للوصول إلى ذلك الفقه الإسلامي الموحّد والجامع، خصوصاً إذا لاحظنا أن هناك قاسماً مشتركاً في علم الرجال يعمل به كل فقهاء المذاهب وهو (الوثاقة) التي تعني في العلم محل البحث هنا هو الصدق في نقل الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو عن الإئمة عليهم السلام أو عن الصحابة).

وعامل الوثاقة هذا هو الأساس المعتمد في (علم الرجال) أو في علم (الجرح والتعديل) كما يسمونه، ولذا نجد أن كل فقهاء المذاهب الإسلامية يأخذون بالرواية التي رواها راوٍ موثوثق به ليس على مذهب الفقيه الذي يعمل بها، ومن هنا نجد في صحاح السنة روايات كثيرة مروية عن رواة من الشيعة، ونجد في كتب الحديث عند الشيعة روايات عديدة أيضا مروية عن رواة من السنة.

فمثلاً نجد في كتب الأحاديث عند الشيعة ان أغلب الروايات في أبواب الجنايات والقصاص والديات واردة عن الراوي (إسماعيل بن أبي زياد) الملقب بـ (السكوني) والذي كان مورد ثقة عند فقهاء الشيعة والمدققين في أحوال الرواة.

وبهذا الأسلوب الراقي من التعامل مع كتب الحديث ومع رواتها والقائم على الأسس الواقعية والموضوعية للوثاقة وعدمها يمكن التقليل من فرص نجاح المتعصبين من تلك المذاهب في فرض آرائهم وترويجها لإبقاء الأجواء شبه مشحونة بنوع من عدم قبول كل طرف للآخرين.

وأساس النجاح لمثل هذا العمل متوافرة بكثرة، فالقرآن الذي هو لكافة المسلمين واحد والرواة والناقلون للحديث معروفون، وما يدل على الثقة بهم أو عدمها مبحوث عند علماء الرجال (الجرح والتعديل) (وعند الفقهاء)، وهذه كلها يمكن ان تشكل البداية للنهوض بهذا العمل الكبير الذي يضفي على المسلمين جميعاً جواً من التقارب والتوحد الذي هم أحوج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى في ظل الهجمة الإستكبارية الغاشمة التي تقودها أمريكا (الشيطان الأكبر) ضد الإسلام والمسلمين بغض النظر عن مذاهبهم ومشاربهم الفكرية والعقائدية.

ومن أهم الأمثلة في عصرنا الحالي وفي ظرفنا الراهن على أهمية هذا العمل هو التوافق الإسلامي العام على جواز العمليات الإستشهادية التي يقوم بها أبناء شعبنا الفلسطيني المنتفض في فلسطين المحتلة بعد أن كانت هذه العمليات مورداً للتحريم عند العديد من فقهاء المسلمين، وهناك أمثلة أخرى يمكن الوصول فيها إلى نتائج مشابهة كالطلاق والجمع بين الصلاتين وغير ذلك كثير مما يمكن أن يسهّل على المسلمين أمور دينهم ويجعلهم أقرب إلى بعضهم البعض.

والأمل كبير اليوم بعلماء الإٍسلام من كل المذاهب الواعين لهذا الأمر لكي يأخذوا المبادرة ويقوموا بالخطوة الأولى نحو تحقيق هذا المشروع الحيوي والمهم لحياة المسلمين جميعاً للوصول إلى الفقه الإسلامي الموحّد الذي يجمع كل أبناء الأمة الإسلامية التي أعزها الله وجعلها خير أمة أخرجت للناس.