الإثنين, 25 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الصفحة الرئيسية

آداب المعلّم والمتعلّم في الإسلام: آداب المعلّم (1)

sample imgage

يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم (شهد الله أنه لا إله إلا الله هو والملائكة وأولوا العلم. ..) وقال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)

وقال أيضاً: (... إقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم).

 

وورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قوله: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وفي أحاديث أخرى: (وعلى كل مسلمة). وورد عنه صلى الله عليه وآله أيضاً: (أطلبوا العلم ولو في الصين ).

هذه النماذج من الآيات والروايات تدل بوضوح على أهمية العلم في نظر الإسلام ودوره في بناء الشخصية الإسلامية القادرة على حمل الأمانة بقدرة وإخلاص على مستوى الفرد والمجتمع على حد سواء.

وقد أكد الإسلام على ضرورة أن يكون المسلم في إحدى حالتين على نحو دائم ومستمر (إما عالماً أو متعلماً) لأن الحياة الدنيا هي الفرصة الوحيدة لأي إنسان لكي يكتسب ما يعينه على عبادة ربه من جهة، وعلى تحصيل العلم النافع لدنياه، لأن العلم علمان، علم للآخرة والمراد به (العلم الذي يعين الإنسان على عبادة ربه وتطبيق ما أرد الله منه من دون انحراف أو أخطاء لكي يستحق بذلك دخول الجنة بطاعته وإخلاصه لله عزوجل) و(علم للدنيا) والمراد به (العلم الذي يعين الإنسان على تحصيل ما يؤمن له احتياجاته الدنيوية من المأكل والمشرب والملبس والمسكن وما شابه ذلك).

ولا شك أن علم الآخرة أهم من (علم الدنيا)، لأن (العلم الأخروي) هو ثقافة الحياة نفسها، بينما (العلم الدنيوي) هو ثقافة حركة الإنسان في الحياة لتأمين المعاش ، ولا شك أن تأمين الآخرة أهم من تأمين الدنيا، لأن الله تعالى يقول: (... وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون).

وسوف نقتصر في هذه المقالة على العلاقة التي ينبغي أن تكون موجودة بين المعلّم والمتعلّم، والآداب التي من المفروض أن يتحلى بها كلا الطرفين ليحقق العلم هدفه التثقيفي والتربوي والأخلاقي والسلوكي، لأن هذه العلاقة لها دور كبير ومؤثرفي العلاقة بين الطرفين، فإن كانت إيجابية إنعكست احتراماً متبادلاً وتأثيراً للمعلم في المتعلم، وإن كانت سلبية فنرى أنها كثيراً ما تضر وينتج عنها عكس الهدف المطلوب إسلامياً.

وقد أبرزت الشريعة السمحاء العديد من النصوص التي توضح كيف ينبغي أن يكون المعلّم، وكيف ينبغي أن يكون المتعلّم، وهذا الإجمال سوف نفصله فيما يلي:

أولاً: مواصفات المعلّم:

من الواضح أن المعلم هو الإنسان الحامل للعلم والثقافة التي يريد أن يوصلها للمتعلمين سواء في مجال (العلوم الإلهية) أو (العلوم الدنيوية)، وهذا المعلم لا بد من توافر الشروط المطلوبة إسلامياً حتى يكون تعليمه مؤثراً وفاعلاً في نفوس المتعلمين.

ومن أهم المواصفات المفروض تحققها في المعلم والمطلوب اتصافه وتحلّيه بها هي التالية:

  1. أن يكون متمكناً من المادة العلمية التي يريد إيصالها إلى المتعلمين:

لأن هذا التمكن يعين من يتعلم على الاستيعاب والفهم وتركيز المعلومات التي يتلقاها في عقله ونفسه، والمدرس المتمكن الناجح يمكن أن يجذب انتباه طلابه إليه بغزارة علمه وحسن تلقينه وطريقة تعليمه، فكلما كانت الطريقة مبسطة وخالية من التعقيد والتعالي عن مستوى المتعلمين كلما كان فهمهم أكبر وانسجامهم أفضل، أما لو كان غير متمكن من المادة العلمية، أو كان متمكناً لكن أسلوبه غير نافع في إيصال ما عنده من علم إلى المتعلمين، أو كان يستعمل أسلوب التعالي على الطلاب من باب انه يعلم وهم لا يعلمون فهذا مما قد يؤثر كثيراً على مستوى الجذب والتأثير، وبالتالي يفقد المعلم أحد أهم شروط النجاح. ولذا نجد في الحديث الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام ما يشير إلى هذا المعنى حيث قال (أطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم) وكذلك ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام برواية (الإمام الصادق) (قرأت في كتاب علي عليه السلام إن الله لم يأخذ على الجهال عهداً بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهال، لأن العلم كان قبل الجهل).

  1. إحترام المتعلم وتوقيره:

لأن المتعلم هو قبل كل شيء إنسان له احترامه وكرامته وعزة نفسه، والفارق بينه وبين المعلم ليس في جانب الانسانية المشتركة بينهما، والتي تفرض على المعلم قبل المتعلم الاحترام والتقدير لمن يعلمهم، لأن هذا الاحترام لإنسانية المتعلم تعطي للعلم وللعلاقة بين الطرفين بعداً إنسانياً يساعد على تقوية الصلة وتعميق التأثير للمدرس في تلاميذه، لأنه بهذا الأسلوب من التعامل الإنساني والأخلاقي ينفتح الطالب على أستاذه ويصبح مستعدا للتلقي بهدوء واهتمام ويسعى لبذل أقصى جهد للإستيعاب والفهم والتحصيل، وهذا بخلاف ما لو استعمل المعلم مع المتعلمين أسلوب الاحتقار والاستهزاء، أو قد يصل أحياناً إلى حدود التعالي والاستكبار، مع إمكانية استعمال أسلوب الضرب أو التجريح بتوجيه الكلمات النافرة والنابية التي تؤثر سلباً عند المتعلم لأنه يرى أنها إهانة لشخصيته وإنسانيته مما يجعل العلاقة متوترة وسلبية، وهذا لا شك يفقد العلاقة بين الطرفين طابعها الإنساني والاخلاقي، مما يجعل الطالب غير منسجم مع معلمه، ولن يطور بالتالي الاستيعاب عند المتعلم لأنه قد فقد الثقة بأستاذه بسبب الأسلوب غير الإنساني، كما نرى ذلك كثيراً في بعض المؤسسات التربوية والتعليمية في واقعنا المعاش. ولهذا فالمعلم هو المتمكن من المادة العلمية، بينما الطالب والمتعلم غير عالم بها، وهذا الفارق بينهما لا يسري إلى نفسية كل من الطرفين ليلغي المدرس شخصية المتعلم أو يهينه أو يستعمل معه الأساليب غير التأديبية والأخلاقية خلال التعليم، ولهذا فإنسانية المتعلم بكل ما تعنيه من مفردات يجب أن تبقى مصانة ومحفوظة، والمعلم ليس مسلّطاً على إنسانية الطالب ليؤذيه في هذا المجال، وقد أوضحنا في الحديث المتقدم عن الإمام الصادق عليه السلام ضرورة التواضع والحلم والوقار من المعلم للمتعلمين لديه، وفي هذا الحديث الكفاية على ما ذكرناه في هذه النقطة المهمة من الاحترام المتبادل بين الطرفين.

  1. المعلم قدوة:
  2. ومن الواضح أن الإنسان عندما يكون في مقام القدوة يجب عليه التحلي بكل الصفات التي تجعله مؤهلاً لاقتداء المتعلمين به وتقليده في الفعل والقول والحركة والسلوك والأخلاق، حتى تنعكس مواصفات المعلم القدوة في شخصية المتعلمين وسلوكهم، لا ان يكون هدفه مجرد إعطاء العلم لقاء الكسب المادي الذي يحصل عليه مع عدم توافر مواصفات القدوة فيه، وبمعنى آخر: المعلم هو شخصية متكاملة تعطي من ذاتها للآخرين على كل المستويات، فإذا انحصر همه في الربح المادي ولم يتمتع بصفات الإنسان القدوة فهذا له تأثير سلبي كبير على تحصيل المتعلمين أولاً وعلى علاقتهم به من ناحية ثانية، وبدلاً من تحقيق الهدف من العلم قد يحصل عكس الهدف المطلوب الوصول إليه، وهذا ما نراه أيضاً في العديد من المؤسسات التعليمية التي تقدم المسألة المادية أو بعض المسائل الشكلية على المسألة الأساسية فيحرم المتعلم من التعليم لفترة بسبب ذلك، ما يفقد المعلم صفة القدوة، وقد تتحول العلاقة إلى نوع من العداء والجفاء المؤثر سلباً على الطرفين معاً بسبب فقد الانسجام الإنساني بين المعلّم والمتعلم من جهة ثانية.

وعندما نقول بأن المعلم قدوة فهو بالتالي مسؤول أدبياً وأخلاقياً وشرعياً عن التعليم بأمانة وصدق وإخلاص وحرص على مصلحة المتعلمين الذين هم بحاجة لذلك العلم.

والمسؤولية هنا تعني أن يعمل المعلّم كل ما في وسعه ليكون مصداق الحديث الشريف الوارد عن المعصومين عليهم السلام: (من تعلّم لله، وعمل لله، وعلًم لله، دعي في ملكوت السماوات عظيماً، وقيل: تعلم لله ! وعلّم لله !).

ولذا نجد أن الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق يبين حق المتعلم عند المعلّم فيقول: (أما حق رعيتك بالعلم، فأن تعلم أن الله عزوجل إنما جعلك قيّماً لهم فيما أتاك الله من العلم، وفتح لك من خزائنه، فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم، ولم تضجر عليهم، زادك الله من فضله، وإن أنت منعت الناس علمك وخرقت بهم عند طلبهم العلم كان حقاً على الله أن يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلك).

وقد قال عيسى بن مريم للحواريين: (لي إليكم حاجة فاقضوها لي: قالوا قضيت حاجتك يا روح الله، فقام فغسل أقدامهم، فقالوا: كنا نحن أحق بهذا يا روح الله، فقال عليه السلام: إن أحق الناس بالخدمة العالم، انما تواضعت هكذا لكي تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم).

ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الآداب للعلم لا تختص بطلب العلوم الإسلامية الدخيلة في طريقة التزام المسلم لأحكام دينه، بل هي شاملة لكل من جعل نفسه بمقام المعلم لأي نوع من العلوم حتى الدنيوية منها والمراد من تعلّمها وتعليمها تحصيل أمور المعاش الدنيوية، لأن الإسلام لم يحصر العلم لطلب الآخرة، بل أكد على التعلم والتعليم في المجالات التي تحتاجها الحياة البشرية في الدنيا أيضاً، لأن العلم هنا في هذه الموارد يعين الناس على التخفيف من تحمّل الأعباء والمشاق فيما لو لم يتعلموا ما ينفعهم لدنياهم.

ولذا جاء في الحديث الشريف: (أن طالب العلم تبسط له الملائكة أجنحتها وتستغفر له)،و (من غدا في طلب العلم أظلت عليه الملائكة، وبورك له في معيشته، ولم ينقص من رزقه)، وهذان الحديثان وما ماثلهما عامان وليسا مختصين بطلب العلوم الدينية، وإن كان (علم الآخرة) أشرف من (علم الدنيا) لشرف الغاية المرادة منه.

وفي ختام هذه المقالة لا بأس بالرجوع إلى ما ورد عن السيد الإمام القائد الخامنئي (دام ظله) في مقام الإجابة عن بعض الاستفتاءات المرسلة إليه في هذا المجال، ونختار منها ما يلي:

س ـ 245 ـ أنّب المعلم أحد الطلاب في الصف بشدة أمام جمع من الطلبة، فهل للطالب حق المقابلة بالمثل أم لا؟

الجواب: ليس له المقابلة والإجابة بما لا يليق بمقام الأستاذ والمعلم، بل يجب عليه حفظ حرمة المعلم والمحافظة على النظام في الصف، كما تجب على المعلم أيضاً رعاية حرمة الطالب أمام زملائه، ومراعاة آداب التعليم الإسلامية.

إستفتاء: هل يجوز ضرب الأولاد بعنوان العقوبة على التقصير في المسائل التعليمية من جانب المعلم أو الأبوين، أو ضرب الأولاد بعنوان الردع عن ممارسة سلوكية تلحق الأذى ببقية الأولاد، أو هل يجوز ضربهم تأديباً وتعويداً على سلوك تربوي أو أخلاقي أو عبادي؟

الجواب: يجوز للوالدين وللمأذون من جانبهما كـ ـ المعلم ـ في تربية الطفل ـ معاقبة الطفل تأديباً بالضرب بالنحو المتعارف، وبمقدار لا يستوجب الدية (بمعنى أن لا يحصل في جسم الطفل اي احمرار أو اخضرار أو اسوداد، ولكل مورد من هذه الموارد الثلاثة دية مقررة، والدية في هذه الموارد إن كان الضرب على الوجه مضاعفة عما لو كان الضرب على اليد أو الرجل.

(والعبرة هنا من الضرب أنه للتأديب لا للتشفي والانتقام كما يحصل من بعض من يتولون مهمة التعليم) مضافاً إلى أن هذا الجواز محصور بالطفل بمعنى (الطالب غير المكلف شرعياً).

أما المكلّف شرعاً فلا يجوز التعدي عليه بالضرب، ويجب استعمال وسائل أخرى للتأديب مما يتناسب مع حرمته الشخصية وكرامته الإنسانية، حتى ان الأب أو الأم لا يجوز لهما ضرب ولدهما أو ابنتهما البالغين شرعاً، ولا بد من اتّباع وسائل حضارية لعقابهما حين المخالفة.