الجمعة, 22 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الصفحة الرئيسية

ولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مناسبة لتوحيد المسلمين

sample imgage

قال الله تعالى في كتابه الكريم: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، سيماهم في وجوههم من اثر السجود ..).

إن مناسبة ولادة رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هي المناسبة التي يلتف حولها المسلمون جميعاً على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم الفرعية واجتهاداتهم الفقهية، لأن الرسول الذي يؤمنون به جميعاً هو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور، وقادهم من محق الكفر إلى حياة الأيمان، وهداهم إلى ما فيه نجاتهم في الدنيا والآخرة .

 

وبما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو عامل التوحيد بين المسلمين جميعاً نجد أن الآية الكريمة توضح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه من المؤمنين به والملتزمين رسالته والسائرين على دربه " أشداء على الكفار .. يعني ليسوا رحماء مع أعداء الله والدين والإسلام، ويتعاملون معهم بما يتناسب وعداوتهم ورفضهم للإسلام، ولكن هؤلاء المسلمون فيما بينهم هم " رحماء "يحنو بعضهم على بعضهم على الآخر، ويتحمل بعضهم بعضاً، ويتعاونون فيما بينهم على البر والتقوى، ويتسابقون في تحصيل فعل الخير لصالح المجموع، فهم كتلة واحدة متراصة قوية البنيان يشد بعضه بعضاً، وهذا كله بسبب إيمانهم بالله وارتباطهم به وتعلقهم بحبل الله المتين من خلال الصلاة والعبادة وكل ما يجعل المؤمن قريباً من الله سبحانه وتعالى، ويظهر أثر ذلك في وجوههم وخصوصاً في جباههم من أثر السجود لله حيث يكون العبد أقرب ما يكون إلى الله في تلك الحالة من الخضوع والخشوع والحب لله والتفاني في عبادته .

هذه الصورة الجميلة الوضاءة والمشرقة التي يصورها الله عن المسلمين في توادهم وتراحمهم، هل هي الصورة الفعلية اليوم للعالم الإسلامي؟! هذا العالم الممزق المشتت المقسم إلى دول متفرقة، وشعوب متناحرة، تتقاتل فيما بينها، وينصب بعضهم الأفخاخ للبعض الآخر، ويتعامل قسم منهم مع أعداء الأمة ضد شعوب إسلامية كما رأينا أخيراً في الحرب الأمريكية الظالمة على الشعب العراقي الذي دفع الثمن مرتين – مرة من نظام الظالم المستبد – ومرة من الهجمة الأمريكية الشرسة التي أزهقت أرواح آلاف العراقيين الأبرياء .

لا شك أن هذه الصورة السلبية ليست هي الصورة التي يتحدث عنها القرآن وليست هي الصورة التي تحققت في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل لو بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا العصر حياً لتأسف على الحالة التي وصل إليها المسلمون والتي حذر منها قبل رحيله إلى ربه راضياً مرضياً عندما قال لأصحابه: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم تداعي الأكلة على قصعتها وأنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، من حب الدنيا وكراهية الموت) .

وها نحن قد وصلنا إلى هذه المرحلة التي تحدث عنها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أربعة عشر قرناً مضى من الزمن، وها هي الدول الكبرى وعلى رأسها الشيطان الأكبر – أمريكا – وربيبتها في المنطقة – إسرائيل الغاصبة – يتلاعبون بنا كيف يشاؤون، فيحتلون بلادنا بجيوشهم، وصارت سماؤنا مسرحاً لطائراتهم، وصارت مياهنا مرتعاً لسفنهم وآلتهم الحربية المدمرة من البوارج وحاملات الطائرات، تهدد بها كل من لا يطيع أو يسمع أو ينفذ الأوامر الأمريكية، وها هي ثرواتنا وخيراتنا تنهبها القوى الكبرى من دون رقيب أو حسيب، وليس هناك من يجرؤ على الكلام أو الرد على هذا السلب المنظم والعدوان السافر على بلادنا، وكل زعيم مسلم لا همّ له ولا شغل إلا الحفاظ على عرشه وسلطانه، ولو بالذل والارتماء والرضوخ لتلك القوة العالمية الغاشمة التي نصبت نفسها زعيمة للعالم بلا منازع .

من هنا، فإن على الواعين من المسلمين من قادة وعلماء ومصلحين ومجاهدين أن يعملوا على انتشال الأمة من هذا الواقع المأساوي الذي تعيش فيه، وهذه مسؤولية عظيمة وخطيرة وجليلة في الوقت نفسه، وهؤلاء الواعون لا بد أن يوحدوا جهودهم بشتى الطرق والوسائل سواء من خلال المؤتمرات أو اللقاءات، أو من خلال استنهاض الشعوب الإسلامية التي تضم قوى كبيرة لكنها مبعثرة مشتتة تحتاج إلى من يجمعها ويقودها ولا بد من رفع الصوت عالياً في مواجهة الأنظمة المستسلمة لإدارة المستكبرين، والشعوب قادرة على تغيير مسار الأنظمة كما حصل في إيران ولبنان وكما يحصل الآن في فلسطين المحتلة التي يخوض شعبها جهاداً صعباً وعظيماً ضد آلة الدمار اليهودية للقضاء على الانتفاضة المباركة لكنهم عجزوا وسيعجزون عن ذلك كما عجزوا عن القضاء على المقاومة الإسلامية في لبنان التي أجبرت في النهاية العدو الغاشم على ترك أرضنا والفرار منها ذليلاً خائباً .

لذلك نقول إن مناسبة ولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي حولها الواعون المخلصون من أبناء الإسلام إلى أسبوع الوحدة الإسلامية كنموذج على قدرة المسلمين على تحويل الاختلافات بينهم من عامل سلبي إلى عامل إيجابي يدعم مسيرة الأمة في مواجهة هذا الواقع الصعب الذي تعيشه وتمر به حالياً .

والأمة الإسلامية عليها حتى تنتصر أن تعود إلى ربها والى سنة نبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) لتحقيق تطبيق الآية الكريمة التي تبيّن أن المسلمين رحماء فيما بينهم ومتآخون ومتحابون في الله، وعلى الأعداء سيف مسلّط على رقاب الكافرين والظالمين والمستكبرين، وعندما يرجع المسلمون إلى أصالتهم فإن الله سوف ينصرهم على أعدائهم ويحررون بلادهم ويسيطرون على ثرواتهم الكبيرة جداً تطبيقاً لقوله تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم).