الصفحة الرئيسية
عصمة الأئمة (عليهم السلام)
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 2038
والقسم الأول من الآية وهو حتى "للناس إماماً" يدل على أن إمامة شخص ما للأمة تحتاج إلى مثل هذه القوة في الإيمان والثبات في المواقف، وإلى عدم التردد في اتخاذ القرار الصعب في الموقف الصعب، وإلا فكيف يمكن لإنسان عندما يؤمر بذبح ولده أن يقدم على تنفيذ هذا الأمر الخطير من باب التسليم المطلق والانقياد التام للأمر الإلهي، ومثل هذا التصرف الدقيق لا يمكن أن يصدر إلا عن نفس تفيض بمعاني الإيمان والصفاء والإخلاص والعبودية التامة لله تبارك وتعالى.
ولذلك كله، كانت الإمامة تتويجاً لإبراهيم (عليه السلام) على كل ما قام به من أعمال وتضحيات ونجاح في تلك الابتلاءات الكبيرة.
والقسم الثاني من الآية "قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" يدل على أن الإمام لا بد وأن يكون معصوماً من كل زلل ومنزهاً من كل عيب، لأن وظيفته هي هداية الناس بأمر الله عز وجل، ولا يمكن أن يكون هذا المنصب حقاً لأي كان، بل القضية هي كما تقول الآية (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات...)، فأفعال الإمام للخيرات يهتدي إليها لا بهداية من غيره بل باهتداء من نفسه بتأييد إلهي وتسديد رباني كما تشير الآية التي تستبطن الدلالة على أن فعل الإمام للخيرات هو بوحي باطني.
وهذه الآية تزيد من معنى القسم الثاني لآيتين مورد البحث وضوحاً، وعليه فيكون المتحصل هو "أن كل من صدر عنه ظلم ما، من شرك أو معصية، لا ينال عهد الله ولو تاب في مستقبل العمر وصلح أمره.
وينقل العلامة الطباطبائي في تفسيره، أن بعض أٍساتذته عندما سُئِلَ عن تفسير هذا القسم من الآية قال:
"إن الناس بحسب القسمة العقلية أربعة أقسام، 1- من كان ظالماً في جميع عمره -2- ومن لم يكن ظالماً في جميع عمره – 3- ومن هو ظالم في أول عمره دون آخره- 4- ومن هو بعكس الثالث، وإبراهيم (عليه السلام) أجلُّ شأناً من أن يطلب الإمامة للقسمين الأول والرابع من ذريته، فبقي قسمان، وقد نفى الله أحدهما، وهو الذي يكون ظالماً في أول عمره دون آخره، فبقي الآخر، وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره"[1].
وبهذا يتضح أن منصب الإمامة هو منصب إلهي رفيع، وله مواصفات محدودة، من أبرزها وأهمها العصمة كما تقدم في التقييم السابق، وهذه العصمة ليست من الأمور الظاهرية الواضحة حتى يستطيع البشر الحكم بوجودها في شخص ما أو مجموعة من الأشخاص، ولهذا ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الحديث: (الإمام منا لا يكون إلا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلق فيُعْرَفُ بها، ولذا وجب أن يكون منصوصاً).
ونفس مجريات هذه الآية من الابتلاء والنجاح في تجاوزها وفق المنظار الإلهي، ثم نصب إبراهيم (عليه السلام) وجعله إماماً، هو الذي جرى مع أمير المؤمنين (عليه السلام) علي بن أبي طالب، الذي كان له شرف السبق في الانتماء والإيمان والجهاد والتضحية في سبيل الإسلام، وتجاوز كل المحن والابتلاءات بصبر علوي مسدّد من الله العلي القدير، حتى أصبح في اللياقة التامة والقابلية الكاملة للنصب والتعيين في ذلك الموقع الإلهي الرفيع مع باقي الأئمة (عليهم السلام) من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، ليقودوا المسيرة ويهدوا البشرية بعد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى الصراط المستقيم دون سواه.
وقد ورد في تفسير هذه الآية عن النبي (صلى الله عليه وآله) كما ينقل الشيخ الطوسي في كتاب الآمالي عن ابن عباس (قال الله لإبراهيم (عليه السلام): "من سجد لصنم دوني لا أجعله إماماً، ثم قال (صلى الله عليه وآله):" وانتهت الدعوة إليَّ وإلى أخي علي، لم يسجد أحدنا لصنم قط).
وكذلك الآية المسماة بآية التطهير (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) تدل بما لا مزيد عليه على العصمة من الذنوب لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين كانت حياتهم الشريفة تجسيداً لذلك المحتوى النفساني الإيماني من خلال كل مفردات تحركاتهم ومواقفهم الإيمانية التي ستبقى أبد الدهر المنارة التي يهتدي بها التائهون والباحثون عن الله في ظلام هذه الحياة المليئة بالنفاق والخداع والظلم.
[1] تفسير الميزان- المجلد الأول- ص 274.