الصفحة الرئيسية
مظلومية السيّد الخوئي"قده"
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 1727
إلاّ أنّني في المقابل سوف أكتب عن المظلومية الكبيرة التي عاشها السيد الخوئي رحمة الله عليه في حياته، والمظلومية الأكبر بعد وفاته، هذه المظلومية التي أعادت إلى نفوسنا الذكريات الأليمة والمريرة التي كان يمارسها حكام الجور والظلم من بني أمية وبني العباس بحقّ الأئمة(عليهم السلام) وأتباعهم الصادقين الذين لم ترهبهم ولم تسقط عزائمهم تلك الجرائم الرهيبة.
إنّ الأساليب القمعية للنظام العراقي بقيادة صدام الخبيث المجرم الذي ما زال يرتكب الجرائم الفظيعة والوحشية بحقّ أبناء الشعب العراقي المظلوم قد مارس الكثير من أنواع الضغط والإرهاب المعنوي الكبير ضدّ سماحة السيد الخوئي خاصةً في مرحلة الحرب التي فرضها ذلك النظام العميل ضدّ الجمهورية الإسلامية، وأراد أن يعطي لحربه معها صفة الشرعية والجواز عبر محاولاته المتكرّرة مع المرجع الأعلى للشيعة لاستصدار فتوى أو تصريح منه يؤيّد فيه العراق في حربه الظالمة والمفروضة على الجمهورية، إلاّ أنّ السيد الخوئي كان يرفض باستمرار الإستجابة لذلك الطلب، ممّا دفع بالنظام العراقي إلى التضييق عليه أكثر وفرض نوع من الإقامة الجبرية على سماحته ومنع الناس والجماهير من الإتصال به، مُضافاً إلى إعتقال مجموعة كبيرة من العلماء في حالة مكشوفة ومفضوحة للتأثير عليه عبر التهديد بقتلهم في حال عدم الإستجابة لمطالبهم الشريرة، ومع هذا كان الجواب الوحيد من السيد الخوئي رحمه الله هو الرفض وأعلن عن إستعداده للشهادة والموت مُفضلاً ذلك على تحقيق مطلب ذلك النظام الظالم والمجرم.
ومن الجرائم الكبيرة التي ارتكبها النظام العراقي بحقّ السيد الخوئي أيضاً هي إعتقاله لأفراد عائلته بعد تأييده لإنتفاضة الشعب العراقي المسلم بعد الهزيمة التي مُني بها النظام في حرب الخليج الثانية التي نتجت عن الإجتياح العراقي للكويت، حيث نعلم أنّ سماحة السيد الخوئي قد أيّد الإنتفاضة المباركة ودعمها وألّف لجنة من العلماء الكبار لإدارة أمور المناطق المحرّرة على يد أبناء ذلك الشعب المظلوم، إلاّ أنّ سحق النظام للإنتفاضة أدّى به إلى الإنتقام من سماحة السيد فاعتقل زوجته وأبناءه والمقرّبين منه وأودعهم غياهب السجون في نسخةٍ مكرّرة تماماً عن الإضطهاد الذي مارسه الحكام الأمويون والعباسيون بحقّ الأئمة(عليهم السلام) حيث كانوا يودعونهم السجون المظلمة وينقلونهم من واحدٍ منها إلى آخر في محاولات حثيثة لإطفاء تلك الأنوار الإلهية الساطعة والمشعّة التي لم تزدها تلك المظالم إلاّ تألّقاً وإشراقاً وزيادة في التأثير في ضمائر الجماهير ووجداناتها.
ونصل أخيراً إلى الجريمة الأكبر وهي إخفاء نبأ موته عن الأمّة الإسلامية ودفنه بشكلٍ يكاد يكون سريّاً حيث لم يقتصر موكب التشييع إلاّ على عددٍ محدودٍ من أفراد العائلة لم يتجاوز إثني عشر شخصاً كما أظهرت ذلك وسائل الإعلام العراقية نفسها مُضافاً إلى منع الشعب العراقي المسلم من التعبير عن فقدانه لزعيمه الديني ومرجعه الكبير، وفي هذا ما لا يتصوّر من المظلومية بحقّ ذلك الإنسان العظيم الذي كان يفيض علماً دافقاً ليستقرّ في قلوب التلامذة العطشى الذين كانوا ينهلون من بحر علمه الزاخر المعطاء، والذي يهوّن الخطب أنّ هذا الأسلوب من التعامل السيّء مع الرجالات الكبار قد مارسه الظالمون سابقاً بحقّ الأئمة الطاهرين(عليهم السلام) الذين تهون أمام رزاياهم كلّ مصائبنا وابتلاءاتنا.
ألا يستحقّ السيد الخوئي تكريماً بعد موته كذلك التكريم الذي كرّمت به الأمّة الإسلامية زعيمها الراحل ومفجّر ثورتها الكبرى الإمام الخميني"قده" الذي شيّعته الملايين إٍلى مثواه الأخير تعبيراً عن الوفاء والإخلاص والطاعة لخطّ الأئمة الأطهار(عليهم السلام)؟
إنّ هذه المظلومية ينبغي أن لا نغفلها أو نتناسى عنها، بل يجب أن نضيفها إلى المظلوميات الأخرى ليتشكّل منها جميعاً التيار الإسلامي الثوري الكبير والهادر الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجرف في طريقه تلك الأنظمة الفاسدة التي تعبث في الأرض وتتلاعب بمصير شعوبنا الإسلامية وفي مقدمتها النظام العراقي الذي ارتكب النسبة الأكبر من تلك الجرائم بحقّ الإسلام والمسلمين وكبار علماء الأمّة.
ندعو الله عزّ وجلّ أن يرحم الفقيد الجليل الذي كان أشدّ على الشياطين من ألف عابد، والذي ربّى أجيالاً من العلماء الكبار العاملين في سبيل نشر العقيدة والدفاع عنها بوجه كلّ الظالمين والمنحرفين، ونسأل الله أن يحشره مع أجداده الطاهرين محمد وآله عليهم السلام، ونسأل الله سبحانه أن يعجّل في فرج وليّه صاحب العصر والزمان عليه السلام لينتقم لمظلومية أبيه الحسين(عليه السلام) وآبائه الأئمة المعصومين(عليهم السلام)، ولمظلومية التلامذة النجباء لخطّ الأئمة(عليهم السلام) ومنهم فقيدنا الراحل الكبير آية الله العظمى وزعيم الحوزة العلمية الأستاذ الأكبر السيد الخوئي رضوان الله عليه وتغمّده الله بواسع رحمته وعفوه ومغفرته وأسكنه فسيح جنانه.
والحمد لله ربّ العالمين