الخميس, 21 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الصفحة الرئيسية

الصبر طريق النصر

sample imgage

من الواضح جداً أنّ طريق الجهاد الذي يسلكه الثائرون في هذا العصر ضدّ كلّ ألوان الفساد والإنحراف والإستغلال والإستعباد لن يكون طريقاً سهلاً مفروشاً بالورد والرياحين، بل هو طريقٌ صعبٌ وطويلٌ وشاق، وهذا يعني أنّ المتابعة في هذا الطريق تحتاج إلى المعدات اللازمة والضرورية من أجل بقاء القدرة والإرادة على المواصلة و الإستمرار.

وعلى رأس الإحتياجات المطلوبة "الصبر" في مواجهة كلّ هذا الجو الذي نقاتله ونحاربه، ولا شكّ أنّ هذا الصبر محتاج إلى الإرتباط القوي بالله عزّ وجلّ والثقة به في كلّ المراحل سلبية كانت أو إيجابية، لأنّ النجاح الدائم في الخطوات مدعاة للغرور، والفشل الدائم مدعاة للإحباط و اليأس.

 

وما بين النجاح في بعض ما نقوم به، والفشل الذي نصاب به، على المجاهد أن يعيش روحية الصبر والتسليم لله حتّى يتمكّن من الإستمرار في البذل والعطاء، لأنّ الوصول إلى الأهداف الكبرى والعظيمة بالمقياس الإلهي يحتاج إلى دفع الأثمان الباهظة أحياناً من الدماء والأموال والممتلكات والحزن والدموع وأنواع الإبتلاءات المختلفة.

إلاّ أنّ كلّ ذلك ينبغي أن يكون تقديره عند المؤمن المجاهد الصابر إيجاباً طالما أنّ التكليف معمول به ولا تقصير من جانب المجاهد في ما يقول ويعمل، لأنّ الإمتحان الإلهي قد يكون سبباً من الأسباب الرئيسية لتنزُّل النصر لأولئك الذين عاشوا روحية العطاء لله مع الصبر على المآسي في سبيل الوصول إلى المبتغى والمأمول.

والإمام الخميني المقدّس ينظر إلى كلّ تلك الإبتلاءات التي يعيشها المسلمون الثائرون في طريق ثورتهم وجهادهم على أنّها الضريبة المفروضة والثمن الذي لا بدّ من دفعه، طالما أنّ الهدف هو تحقيق الوجود الفاعل لشريعة الله في أرض الله عزّ وجلّ ويقول "قده" :( إنّ الذي يهوّن الخطب هو أنّنا نتحمّل المشاق في سبيل الإسلام...).

ثمّ يقول "قده" بأنّ تضحياتنا هذه ليست جديدة في مسار الأمّة الإسلامية على مرّ العصور، بل إنّ هذه الأمّة قد ضحّت في القرون الماضية ودفعت الكثير من أبنائها وممتلكاتها دفاعاً واستبسالاً لحفظ وصون الإسلام من كلّ الذين حاربوه عبر المراحل الماضية من تاريخه، ونحن في هذا الجهاد لسنا المؤسّسين بل الأتباع لمن اختطّوا خطّ الدفاع والجهاد والفداء وهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) ويقول: ( نحن نسير على خطّ أوليائنا ومعصومينا وخطّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهم تحمّلوا أيضاً مشقات كثيرة وربما ليس بمقدورنا تحمّلها، بحيث أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحمّل في سبيل الله مشقّات لا نستطيع تحمّلها، ولكننا أيضاً قطرة في بحر اللامحدود وبمقدار هذه القطرة نستطيع ويجب أن نضحّي).

من هنا نرى بأنّ الإمام الخميني المقدّس يرى أن ما ندفعه وما سوف ندفعه من جهودٍ ومن كلّ وجود هذه الأمّة لن يرقى إلى ما تحمّله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام)، وهذا ما يعني أنّ إلقاء المسؤولية عن عاتق الأمّة في هذا الزمن ليس وارداً عنده، بل لا ينبغي أن تفكّر الأمّة يوماً بهذا التفكير السلبي الإنهزامي، لأنّه تعبيرٌ عن اليأس والقنوط وقلّة الصبر وضآلة القدرة وانعدام الإرادة ويقول "قده" :( إنّ الهدف الكبير له أيضاً إشكالات وابتلاءات كبيرة..).

فطالما أنّ الهدف الذي وضعناه لجهادنا هو الدفاع عن دين الله والوصول به إلى المقام الذي يرضي الله عنّا وعن مسيرتنا، فهذا بنفسه عنوانٌ مشيرٌ إلى مقدار الصعوبات أو الإبتلاءات أو حجم الضغوطات التي يمكن أن نتعرّض لها في خطّ سيرنا نحو ذلك الهدف الكبير.

لهذا يقول الإمام "قده" عن الشعب المسلم في إيران: (... إنّ شعبنا المقاوم كان يعلم ومنذ اليوم الأول للجهاد أنّه يواجه كلّ القوى الكبرى والإستكبار بيدٍ خالية... ونحن يجب أن نهيّء أنفسنا لهذه المواجهة الحسينية حتّى النصر الكامل فإنّ الموت الأحمر أحسن بمراتب من حياة الذلّ والسواد..).

إذن وفق ما يقول الإمام "قده" فإنّ النصر لا يمكن أن يتحقّق بلا دفع الأثمان المطلوبة، وهذه الأثمان كلّما كان دفعها من موقع الرضا والتسليم كلّما كانت أزكى وأطيب أثراً ونتاجاً وأسرع حركة نحو المطلوب الأسمى.

من هنا، بما أنّ هدفنا هو نفس هدف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّ الإمام "قده" يرى أنّ المسلمين ينبغي أن يتّخذوا من جهاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصبره قدوة ونموذجاً، ومن عطاء الأئمة (عليهم السلام) وصبرهم على كلّ أنواع البلاء وسيلة للقوّة والإرادة والعزيمة وشحذ الهمم، ولهذا يقول "قده": (إذا أراد الإنسان أن يصل إلى الحقّ وإذا أراد أن يطبّق الإسلام الحقّ في بلدٍ ما، فيجب أن يصبر، هكذا كان يصبر أولياء الله سلام الله عليهم في كلّ المراحل والمصائب والمشاكل...).

وبنظرةٍ سريعة إلى واقع الأمّة اليوم نرى أنّها حقّقت خطوات مهمّة إلى الأمام على طريق الإقتراب من الهدف، وصحيح أنّ المراحل لم تُطوَ جميعاً، إلاّ أنّ ما تحقّق حتّى الآن يعطي الصورة الواضحة عن المستقبل العظيم الذي ينتظر هذه الأمّة التي تضحّي اليوم ضدّ كلّ أعداء الداخل والخارج، وتدفع ضريبة الدم من مواقع الصبر والتوكّل والإستعانة بالله، ولن تذهب تضحيات هذه الأمّة سدى وإن طال أمد الصراع، فغيرنا عمل عشرات بل مئات السنين على السيطرة والإستعباد لهذه الأمة، بينما نحن وفي ظرف فترة قصيرة جداً لا تتجاوز العقد الواحد من السنين استطعنا التقدّم بخطواتٍ كبيرة وواثقة نحو الهدف الكبير الذي يملأ الآن قلوب أكثرية أبناء الشعوب الإسلامية ولو لم يكونوا من الملتزمين الفعليين بهذا الدين لأسبابٍ عديدة ومتنوعة.

 

والحمد لله ربّ العالمين.