الصفحة الرئيسية
قوّة الإلتزام بالتكليف
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 2136
ولعلّ من أبرز وأوضح معاني الإستقامة هو التزام التكليف الشرعي الدقيق بقوّةٍ وثبات تجاه أيّة قضية ممّا ترتبط بالشأن الفردي الخاص أو بالشأن الإجتماعي العام، بحيث يوطّن الإنسان المسلم نفسه وكلّ كيانه ووجوده لتطبيق حكمه وممارسته بغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تحصل سلبية كانت أو إيجابية، لأنّ التزام التكليف هو أحد أبرز مصاديق ومعاني الإنتماء إلى خطّ الرسالة الإسلامية بأبعادها المختلفة.
من هنا نرى أنّ الإمام الخميني "قده" يعطي قضية الإلتزام بالتكليف أهمية عظيمة جداً ويعتبرها عنواناً للإسلام وشعاراً للمسلمين، ولا يمكن تحقيق الأهداف الإلهية إلاّ عبر هذا الطريق ولو كان في سلوكه الصعاب والمشقّات وتنوّع الإبتلاءات.
ويقول الإمام "قده" في هذا المجال: (الأمر الأول الذي وجّهه الله تعالى والذي كان "ثوروا في سبيل الله قد أطعتموه"، وبقي الأمر الثاني وهو "استقامتك يا رسول الله أنت والأمة" حافظوا على هذه الثورة، حافظوا على هذا التحوّل الروحي الذي حصل، استقيموا... إذا استقمتم فإنّكم سوف تُفشلون هذه المخطّطات، وإذا لم تحافظوا على هذا التحوّل فربما ينتصر العدو لا سمح الله، احفظوا هذا التحوّل الإنساني الذي كان هو أساس انتصاركم حتّى تصبحوا منصورين).
لهذا يعتبر الإمام "قده" أن الإلتزام بالتكليف في الأحوال كلّها هو امتحانٌ صعب ويقول: (إنّ الإمتحان في الأمن والممتلكات والثروة والرئاسة وأمثال ذلك أعظم من الإمتحان في نقص الأولاد والأنفس...).
ومن هنا يعتبر الإمام "قده" أنّ التزام التكليف بحاجةٍ إلى تزكية النفس وتهذيبها وصقلها بالمجاهدات الروحية والأفعال الإيمانية وبحضور القلب الدائم لأنّ هذه التزكية هي التي تجعل النفس مروّضة ومستعدة لالتزام التكليف مهما كانت آثاره ويقول "قده" :(إذا أراد أحدٌ أن يهذّب نفسه، فإنّ التهذيب لا يتمّ بالعلم وحده، لأنّ العلم لا يهذّب نفس الإنسان، إنّ العلم قد يوصل الإنسان أحياناً إلى جهنم، حتّى ولو كان علم التوحيد أو العرفان أو الفقه والأخلاق، فبالعلم لا يتحقّق شيء، إذ أنّه يحتاج إلى التزكية، فالمقصود من قوله تعالى "يزكّيهم" هو أنّ التزكية مُقدّمة على كلّ شيء).
وأبرز تكليف يراه الإمام "قده" أساساً لحياة الأمّة الإسلامية هو مواجهتها للقوى المستكبرة، أي إلتزام تكليف الجهاد والحفاظ عليه والإستمرار في القتال ضدّ كلّ الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، ويقول في هذا المجال :(يجب أن لا نخاف من الحرب فلماذا نخاف؟ إنّها تلك الكلمة التي قالها علي بن الحسين لوالده (عليه السلام) – بعدما قال له سوف تقتلون – قال: ألسنا مع الحق؟ قال: نعم نحن على الحق، قال: إذن لماذا نخاف لم يعد عندنا خوف).
ولهذا نجد أنّ الإمام "قده" أثناء مجريات الثورة ومع سقوط الشهداء التي وصل تعدادها إلى عشرات الآلاف لم يخفّف من حرارة الثورة ولا من اندفاعة الجماهير حتّى سقط الشاه بعد فراره وانتصرت الثورة، فلم ترعبه كثرة الدماء التي سالت، بل كان جوابه كجواب جده أمير المؤمنين (عليه السلام) لمعاوية: (أمّا من أكله الحق فإلى الجنة، ومن أكله الباطل فإلى النار). وكذلك موقفه من الحرب المفروضة التي دفعت أمريكا وأذنابها العراق الى شنّها ضدّ جمهورية الإسلام الفتية، وبينما كان المتآمرون يأملون بسقوط الثورة أو استسلامها على الأقل، وقف الإمام "قده" ليقول: (لن تنخفض حرارة الحرب في وطننا سوى بسقوط صدام)، ثمّ يعطي الإمام الموقف الحاسم تجاه تكليف مواجهة المستكبرين وخصوصاً أمريكا فيقول :(يجب أن يعلم العالم أنّ إيران قد وجدت طريقها وأنّها سوف توصل الجهاد غير القابل للصلح ضدّ أمريكا الحاقدة على مستضعفي العالم حتّى تقضي على مصالح أمريكا ناهبة العالم...).
إلاّ أنّ الإمام "قده" يعتبر أنّ هناك شرطاً رئيساً للإلتزام بالتكاليف الكبيرة من هذا الحجم وهو "المصلحة العليا للإسلام والمسلمين ويقول: (عندما يرى الإنسان أنّ أحكام الإسلام في خطر فيجب عليه أن يثور لله، فإذا استطاع فإنّه يكون قد عمل بوظيفته ويكون قد أحرز تقدّماً، وإذا لم يستطع فإنّه يكون على الأقل قد عمل بتكليفه الشرعي).
ولهذا وجدنا أنّ الإمام "قده" أنّه في الوقت الذي كان يدعو فيه إلى استمرار الحرب ضدّ النظام العراقي، أصدر موقفه التاريخي بالموافقة على قرار الأمم المتحدة القاضي بوقف الحرب، والسبب أنّ التزام التكليف مراعى بالمصالح العليا للإسلام، وعندما وجد الإمام أنّ استمرار الحرب سيكون ضدّ مصلحة الإسلام آثر مكرهاً على القبول ولو كان هذا الموقف على خلاف رغبته وإرادته، فالمصلحة العليا حاكمة ولها الأولوية.
وهذا كلّه ينبغي أن يعلّمنا أنّ التزام التكليف ليس مجرّد شعار نرفعه لكي نتغنّى به، وإنّما هو الوسيلة لإبراء الذمّة عند الله أولاً وللدفاع عن الإسلام ومصالح الأمّة ثانياً وللعيش بحرية وكرامة وعزّة ثالثاً.
نسأل الله التوفيق لنا وللمجاهدين وللعاملين التوفيق للإلتزام بالتكليف حتّى نيل إحدى الحسنيين كما كان يعبّر الإمام "قده" – النصر أو الشهادة –
والحمد لله ربّ العالمين.