الخميس, 21 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الصفحة الرئيسية

الحج عند الإمام "قده"

sample imgage

اعتبر الإسلام فريضة الحج ركناً أساسياً من أركانه، وطلب من المسلمين التعامل معه على هذا الأساس حتّى ورد في بعض الروايات بأنّ على وليّ أمر المسلمين أن ينتدب مجموعاتٍ من أبناء الأمّة عندما لا يكون هناك من مستطيع يجب عليه الحج حتّى لا يفرغ بيت الله الحرام ممّن يطوفون حوله.

الإمام "قده" تعامل مع هذه الفريضة بطريقةٍ متمايزة جداً ومختلفة عن النمط التقليدي الذي كان مُتعارفاً ومُتوارثاً عبر الأجيال، وأوضح أبعاداً كثيرة لم تكن ملحوظة عند من سبقه من العلماء والمراجع.

 

وبنظرةٍ إلى نصوص الإمام "قده" يطالعنا ما يلي :(إنّ لفريضة الحج خصائص متميزة بين كلّ الفرائض الإلهية، ولعلّ الجوانب السياسية والإجتماعية لهذه الفريضة تفوق على جوانبها الأخرى، مع أنّ لجانبها العبادي خصائص متميزة أيضاً)، ومن هنا كان تركيز الإمام "قده" على أهمية إيلاء الأبعاد السياسية لهذه الفريضة دورها المطلوب في حياة الأمّة الإسلامية التي يمنحها الحج فرصة سنوية للتلاقي والتواصل والتعارف والتعرّف على المشاكل والعقبات التي تعيشها الجماعات الإسلامية في مختلف بقاع العالم ليكون هذا ما يشبه أو هو مؤتمر سنوي فرضه الله على المسلمين ليشعروا بوحدتهم ومن ورائها بقوّتهم وعزّتهم، ولهذا نرى الإمام "قده" يشير إلى الفارق الأساس بين طريقتي أداء الفريضة بين الماضي والحاضر ويقول: (نحن ليس لنا إلى الآن من هدفٍ حين التشرّف إلى مكّة لحج بيت الله سوى اجتماع مجموعة أشخاص، وأمّا أن يلتقي هناك أشخاص مؤثّرون من الحكومات وكبار القوم ممن يستطيعون أن يدرسوا القضايا السياسية والإجتماعية للمسلمين، فهذا الأمر مغفولٌ عنه).

ويعتبر الإمام "قده" أنّ تفريغ هذه الفريضة عن أبعادها السياسية من الوسائل التي استغلّها المستكبرون والمجرمون لمنع تواصل المسلمين مع بعضهم البعض ليبقوا متفرّقين تتلاعب بهم القوى الكبرى وفق مصالحها ومنافعها ويقول: (إنّ من الفلسفات الكبرى للحج "بعده السياسي" الذي تعمل كلّ أيدي المجرمين والجناة من جميع الأطراف من أجل سحقه، وقد أثّرت دعاياتهم الواسعة في المسلمين مع الأسف، حتّى أنّ الكثيرين منهم لا يرون سفر الحج سوى عبادة جافة خالية خاوية من دون التفاتٍ إلى مصالح المسلمين).

ويستنكر الإمام "قده" طريقة أولئك الجاهلين المتنسّكين الذين يعارضون النشاطات السياسية أثناء أداء الفريضة ويقول: (ما أكثر الجاهلين المتنسّكين الذين يقولون إنّه لا يجب أن تكسر قدسية بيت الله والكعبة العظيمة بالشعارات والمظاهرات والمسيرات وإعلان البراءة، وأنّ الحج مكان للذكر والعبادة، وليس ميداناً لتنظيم الصفوف والقتال...).

وبالرجوع إلى نصوصه "قده" نرى أنّه يقسّم منافع الحج إلى قسمين أساسيين "أخروية" و"دنيوية"، والأخروية تبدأ عنده من حين الخروج من البيت حيث يعتبر سفر الحج هجرة إلى الله ورسوله وأنّه الإستجابة الحيّة للنداء التاريخي الذي أطلقه خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام) وهو نداء التوحيد والفطرة، وهو من أهم منطلقات بناء المجتمع التوحيدي العابد، وهو قهر شياطين الجن والإنس الذين يوحون للبشر بسوء الأفعال وخبث السرائر والنوايا الشريرة، وإعلان البراءة من كلّ ما يمثّله الشيطان وأزلامه في هذه الحياة الدنيا ويقول :(السلام على المؤمنين المهاجرين من بيوتهم إلى بيت الله الحرام...) و(إعملوا من ربّكم نداء إلى المسلمين في قارات العالم كافّة، وذلك أن لا يعبدوا إلاّ الله...) و(الحج هو منطلق رسالة إيجاد وبناء مجتمع المستقبل المطهّر من الرذائل المادية والمعنوية كافة) و(... إنّ رجم الشيطان هو رمزٌ لرجم شياطين الإنس والجان، حينما ترجمون الشيطان عاهدوا ربّكم على طرد كلّ الشياطين والقوى الكبرى من بلادكم الإسلامية العزيزة...).

وأمّا المنافع الدنيوية فتبدأ من أنّ الحج فرصة لانعقاد مؤتمر سنوي للمسلمين يتباحثون فيه عن كلّ قضاياهم، وهو دعوة إلى وحدة الأمّة بكلّ شعوبها وقومياتها تماماً كالجسد الواحد إذا مرض منه عضو أو عجز عملت على مساعدته الأجزاء الأخرى لأنّ تركه وشأنه سيعود عليها جميعاً بالضرر والخسارة، وهو مناسبة لفضح السياسات الخاطئة أو المنحرفة التي قد يسلكها بعض حكّام المسلمين فتتكاتف جهود هؤلاء المسلمين من أجل تصحيح الأوضاع في أنظمة الحكم التي تدير شؤون الأمّة، وهو الفرصة التي تعين المسلمين على تحديد أولوياتهم والعمل من أجلها وتحديد أعدائهم ووضع الخطط لمواجهتهم والبراءة منهم ومن خطّهم ونهجهم في هذه الحياة الدنيا، ويقول :(والآن حيث يجتمع المسلمون... حول كعبة الآمال... للقيام بهذه الفريضة الإلهية وعقد هذا المؤتمر الكبير... ومن الواضح للجميع أنّه ليس بمقدور أيّ كان تدبير هذا الإجتماع العظيم...) و(من جملة واجبات المسلمين في هذا الإجتماع العظيم، دعوة الشعوب والمجتمعات الإسلامية إلى وحدة الكلمة ونبذ الخلافات... وفي إيجاد "جبهة المستضعفين" والتخلّص بشعار "لا إله إلاّ الله" من أسر القوى الشيطانية..) و(لأنّ المسلمين لا يستطيعون إظهار المصائب والمظالم التي يفرضها عليهم الحكّام المسلّطون بسيف الإرهاب والسجن والإعدام، فيجب أن يسمح لهم بأن يعرضوا مظلوميّتهم ويبيّنوا مصائبهم في حرم الأمن الإلهي...) و(إنّ الدول الأفريقية المسلمة تئنّ اليوم تحت وطأة السيطرة الأمريكية وبقية الأجانب وعملائها، وترفع أفريقيا المسلمة صوتها المظلوم... وإنّ فلسفة الحج أن تكون جواباً لهذه النداءات المظلومة).

هذه بنحوٍ مختصر نظرة الإمام "قده" إلى فريضة الحج، ونسأل العلي القدير أن يعين المسلمين على أدائها بهذه الرؤية المتجدّدة.

والحمد لله ربّ العالمين