الصفحة الرئيسية
الحرب النفسية ضد المجاهدين
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 1599
قال الله تعالى في محكم كتابه: {الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا على ربّهم يتوكلون}.
تتحدّث هذه الآية عن الأجواء المليئة بالخوف والرعب من الأعداء عندما يبدأون بتجييش قواهم وحشد إمكاناتهم في مواجهة المؤمنين الملتزمين المجاهدين في سبيل الله عزّ وجلّ.
والذين يسعون إلى الترويج لأجواء الخوف تلك هم الأبواق الإعلامية والدعائية وهي إمّا العاملة لمصلحة العدو ضمن صفوف المؤمن المقاوم، وإمّا من المنهزمين المستسلمين الذين ينظرون إلى ما عند العدو من القوّة نظرة الضعيف المسكين غير القادر على المواجهة أو الردّ، فيسعى من خلال ما هو عليه من الجبن والتخاذل لأن يعمّم هذه الروحية المتخاذلة على الجميع ليوهم أنّ استسلامه موضوعي وناتجٌ عن أمورٍ واقعية كعدم امتلاك القدرة على الصمود أو عدم توافر الإمكانات العسكرية أو المالية للوقوف بوجه أولئك الأعداء.
الآية الكريمة تحاول أن تردّ على مثل هذه الأجواء بأنّ المؤمن الملتزم المجاهد لا تهزمه تلك الحالة، ولا ينبغي لها أن تؤدّي به إلى التراجع أو الشعور بالوهن والضعف، بل تعمل على توجيهه بأن يردّ على محاولات الإسقاط تلك بارتباطه بالله وإيمانه به كونه عاملاً من أجل إعلاء كلمته مجاهداً في سبيله هو أقوى من كلّ القوى التي يمكن للأعداء أن يحشدوها.
إنّ تلك الأجواء هي التي يُصطلح على تسميتها اليوم بالحرب النفسية التي تعتمد على الخداع والتضليل من جانب الأعداء أكثر ممّا تعتمد على واقع، وإنّما يحاولون تسخير الواقع لتوظيفه في الحرب النفسية من خلال القيام بتحرّكات وتنقّلات توهم المقصود "الضحية" بأنّ الأمور قد وصلت إلى مرحلة تؤدّي في حال استمرارها إلى عواقب وخيمة فيما إذا لم يستسلم الطرف المقصود من تلك الحرب الإعلامية والنفسية.
فهذا الأسلوب في التهويل والتخويف والإيهام بأنّ الأمور صعبة ليس حديثاً أو جديداً، بل هو قديمٌ منذ عهد النزاعات الأولى التي حدثت بين البشر، وإن كان هذا العصر يتميّز بقوة الدعاية والإعلام والقدرة على إيصال الأمور إلى حافّة الحرب بل إليها بوقتٍ قصير بالنسبة إلى الوسائل التي كانت متّبعة قديماً.
ومن أهم الآثار السلبية للحرب النفسية هي إسقاط العزّة والعنفوان الذاتيين عند المعارضين أو المعترضين على القوى المستكبرة، ومن أجل إشاعة أجواء الرعب التي تسقط الإنسان من داخله وتهزمه أمام نفسه، حتّى تسهل هزيمته أمام الأعداء.
لهذا نرى بأنّ الآية تطلب من المؤمنين أن يردّوا على تلك الحرب بمثلها، بل بأقوى منها، عبر القول والفعل معاً، فلا يتراجع المؤمنون عن أهدافهم وطروحاتهم، بل يبقى صوتهم مرتفعاً وهادراً ينطق بالحق ويصرّح به ويدافع عنه، ولا يتخلّى عن سلاحه وقوّته أمام ذلك وبسببه، بل يندفع إلى إثبات ما عنده من القوّة والقدرة بالإتكال على الله والإستعانة به واللجوء إليه ليثبت للعدو أنّ كلّ تهويلاته وألاعيبه لن تصل إلى ما يتوخّاه من النتائج النافعة له.
إنّ الحرب النفسية المتّبعة اليوم من جانب القوى الإستكبارية هي من أهم الأسلحة التي يملكونها ويملكون وسائلها القادرة على نشر الخوف والرعب في كلّ أنحاء العالم، إلاّ أنّ هذه الحرب قد أثبت المجاهدون والمؤمنون بطلان فعاليتها ودورها في تركيع الأمم والشعوب.
إنّ المجاهدين المسلمين باتّكالهم على قواهم الذاتية وباستنادهم إلى إيمانهم بربّهم وحقّهم في الدفاع عن حرماتهم ومقدّساتهم قد استطاعوا في العديد من المرّات الإنتصار على كلّ هذا الخداع والتضليل الذي يمارسه الأعداء من خلال حروبهم النفسية التي شنّوها ضدّ المؤمنين.
إنّ المطلوب من أمّتنا الإسلامية العزيزة هو أن تعود كما هو حالها اليوم إلى القرآن الكريم الذي يعطيها الأفكار الصحيحة والواضحة والبسيطة عن الأساليب التي قد يستعملها الأعداء لتحطيم معنوياتها وإيقاعها في الهزيمة النفسية قبل الهزيمة الحقيقية، وأن يعودوا إلى الواقع ليتعاملوا معه التعامل الذي يحطّم كلّ الآمال والأحلام التي يسعى الأعداء للوصول إليها من خلال إرباكنا بتلك الأجواء.
فالمؤمن المجاهد المستمدّ لقوّته وعنفوانه وعزّته من الله هو أقوى من كلّ الأعداء، لأنّ السلاح الذي يحمل لا تستطيع كلّ أسلحة الإستكبار أن تهزّه أو تهزمه لأنّه السلاح الأمضى والأقوى والأقدر على صنع المعجزات وعلى صنع النصر والتاريخ المشرّف، وها هو أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول :(ما قاتلت أحداً إلاّ وأعانني على نفسه) ،فالحرب النفسية هي أطوع بيد المجاهدين المؤمنين من غيرهم، ويمكنهم أن يستعملوا هذا السلاح بفاعلية أقوى من الأعداء، لأنّ الآخرين يستفيدون منه لضمان الوصول إلى منافع الدنيا، بينما نستعمله نحن لضمان بناء الآخرة البناء الذي يجعلنا من المرحومين عند المليك المقتدر يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم.
والحمد لله ربّ العالمين