الصفحة الرئيسية
المقاومة الإسلامية هي الرّد، هي التحدّي
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 1641
ولقد عملت تلك الأنظمة وبشكلٍ مستمر على تخدير الشعوب وتنفيس كلّ عوامل الغضب والثورة على إسرائيل من خلال التبنّي دعائياً وإعلامياً "مسألة تحرير فلسطين"، إلاّ أنّ البناء الذي تقوم عليه تلك الأنظمة لمّا كان نتاجاً لمرحلة الإنهزام لم يستطع أن ينتقل بالأمّة من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، بل يمكن القول إنّ واقع الأمّة لم يكن يعيش الإنهزام والإحباط إلى المستوى الذي كانت الأنظمة قد وصلت إليه، إلاّ أنّ الهزائم المتوالية لها أمام إرادة القوى الإستكبارية وخصوصاً "أمريكا" وأمام ربيبتها إسرائيل "الكيان الغاصب للقدس الشريف" عبر حروب ثلاثة، جعلت الأنظمة في موضع التشكيك في مصداقيتها أمام الشعوب المسلمة، فعملت على تكبير صورة إسرائيل الوهميّة في عقولنا وقلوبنا لكي تنتقل عوامل الإحباط إلى نفوس تلك الشعوب، وعندها يمكن تمرير مسألة "الإعتراف بإسرائيل" وترتاح بذلك الأنظمة من همٍّ عانت من ضغطه عليها كثيراً وتحايلت على شعوبها أكثر لإخفاء ضغطها وهشاشتها أمام الجماهير التي كانت تعبّر مع كلّ هزيمةٍ عن الثورة المتأجّجة في نفوسها على الواقع المؤسف والسيّء الذي وصلت إليه.
هذا التصوّر هو الذي كان يتمّ تطبيقه خطوةً بعد خطوة منذ تأسيس الكيان الغاصب وخروج الشعب الفلسطيني المسلم من أرضه على أمل العودة بسرعةٍ كما وعدته بذلك الأنظمة العربية آنذاك.
وهكذا كانت نتيجة السياسة التي كانت قائمةً على أصلين أوصلا الوضع إلى هذه الحالة المأساوية وهما:
الأول: إفساح المجال أمام إسرائيل لبناء قواها التسلحية ذات الجودة العالية بالإعتماد على القوى الإستكبارية العالميّة وعلى رأسها "أمريكا" التي حضنت إسرائيل حتّى النهاية على حساب الحقّ العربي والإسلامي، وجعلت منها لظروف إقتضتها الحرب الباردة بين الجبارين، القوّة الأولى في المنطقة التي تعادل وحدها قوّة الدول العربية مجتمعةً من حيث التسليح كميّة ونوعيّة.
الثاني: الأنظمة المركّبة على أيدي القوى الإستعماريّة وذات النمط العلماني الذي لا يعترف بالأديان عموماً ويحارب العقيدة التي تؤمن بها شعوب هذه المنطقة خصوصاً وهي "الإسلام"، مع بعض الأنظمة القائمةعلى حكم العشيرة والقبيلة كما هو الحال في دول الخليج الغنيّة بالنفط، فإنّها جميعاً لمّا كانت تنطلق في تعاملها مع القضايا المصيرية للأمّة من منطلق محدوديتها الجغرافية والسكانية بالمعنى "الأوطاني" مع شعارات فقط ذات أبعادٍ قومية أو إسلامية، فإنّ هذه الأنظمة التي إنهزمت أمام اسرائيل المدعومة من القوى الكبرى في العالم أوصلت الأمّة إلى هذه الحالة الصعبة، وقد رافقت كلّ ذلك الأجواء القمعيّة والديكتاتوريّة التي فرضتها الأنظمة على الشعوب لتؤمن بمبادئها وشعاراتها، ممّا حدا بالشعوب لأن تعيش حالة الإنفصال عن قياداتها التي تحكمها فعلاً.
وهذا ما أدّى بالتالي إلى أن يكون الصراع مع إسرائيل هو صراعٌ بين صنيعتين للإستعمار "إسرائيل من جهة " و"الأنظمة العربيّة من جهةٍ أخرى"، أمّا الإسلام والأمّة المسلمة فقد كانا خارج إطار الصّراع، بل لم يكن مسموحاً أن يكون هذان العنوانان هما واجهة الصراع مع إسرائيل، ومع كلّ هزيمةٍ كانت الأمّة المكوّنة من هذه الشعوب تعيش الألم والمرارة وتتجرّع الغُصص من تلك الهزائم، وكلّ ذلك من دون أن تستطيع التعبير عن كلّ ذلك بسبب الضغط والكبت الذي كانت تمارسه الأنظمة عليها.
في ظلّ هذه الأجواء المشبّعة بالهزيمة والإحباط على مستوى العالم العربي الإسلامي جاء الإجتياج الإسرائيلي للبنان ليشكّل ضربةً موجعة أخرى توجّه بشكلٍ مؤلمٍ جداً، وفيه من إهدار الكرامة والشرف والعزّة الشيء الكثير، بحيث أنّ حجم الرّد كان ضئيلاً جداً لم يتجاوز حدود إصدار بعض بيانات الإستنكار والإدانة لكلّ ما جرى من مجازر ومآسي.
وسقطت كلّ الشعارات، واختفت الآلاف من المجموعات والفصائل التي كانت تدّعي حمل شعار "قتال إسرائيل"، ودخلت قوّات العدو الصهيوني إلى أوّل عاصمةٍ عربيّة لتعلن منها ولادة وبداية " العصر الإسرائيلي الذهبي" للمنطقة في ظلّ السكوت شبه المطبق للأنظمة التي لا شغل لحكّامها سوى حفط عروشها ولو على حساب عزّة الأمّة وشرفها.
وسلّم الجميع من القوى والأحزاب والحركات بواقع الهزيمة الذي فرض نفسه وأفرز على الساحة اللبنانية نظاماً لا يختلف كثيراً عن التوجّهات الإسرائيليّة من حيث العداء للمحيط العربي والإسلامي.
هذا الوضع الذي هزم الجميع من دون أن ينهزموا أمام قسوة الهجمة الصهيونيّة، هو الذي لم يتمكّن من أن ينال من عزيمة المجموعات الأولى من الشباب المؤمن الملتزم المطيع لأمر القيادة الإسلامية الشرعية والعالمية التي كانت ممثلة بالإمام القائد الخميني العظيم "قده"، أولئك الشباب الذين تمسّكوا بإسلامهم وتحصّنوا بإيمانهم بالله واسترشدوا أمر قيادتهم الحكيمة، هم الذين كانوا أوّل من إنتفض على كلّ ذلك الواقع الذي سقط فيه الجميع، وهم الذين رفضوا أن يعترفوا بهزيمة الأمّة، وهم الذين تحمّلوا عبء الدفاع عن المقدّسات والإنسان المسلم، لكي تكون رصاصاتهم وعملياتهم الصغيرة التي بدأوها ضدّ العدو الإسرائيلي بداية تصحيح وجهة الصراع مع العدو، لكي تنتقل الأمّة إلى الموقع الذي أبعدت عنه على يد المنهزمين من صنائع القوى الإستكباريّة العالميّة.
وهكذا كانت الإنطلاقة المباركة للشباب المقاوم بإسم الإسلام من دون أمرٍ من أحد أو توجيهٍ من طرف، سوى أمر الله المتوجّه إليهم والتكليف الإلهي الذي رأوا أنّه يلزمهم بالدفاع ولو على خلاف رغبات الحكّام والأنظمة.
بدأت عمليّات المقاومة الإسلامية في الوقت الذي سخر فيه الكثير من الساقطين بأنّ هؤلاء الشباب هم مجانين إذ كيف يقاتلون إسرائيل في الوقت الذي انهزمت فيه الأنظمة العربية المالكة للجيوش والأسلحة الحديثة أمامها؟
كثيرون تصوّروا أنّ هذا النّحو من العمل المقاوم لن يتمكّن من الإستمرار، وهو ليس أكثر من تعبيرٍ عمّا يختلج في الصدور وسرعان ما يخبو ويهمد وتزول آثاره الإنفعاليّة، وتعود الأمّة إلى واقعها المؤسف حيث تعيش الحلم بالتحرّر والتحرير.
إلاّ أنّ تلك المجموعات المؤمنة من خلال ثباتها في خطّ الجهاد والتّضحية وسقوط المجاهدين شهداء ضدّ الجبروت الصهيوني، بدأت تغيّر من نظرة اليأس عند الأمّة إلى الأمل ومن ضعف الأمّة إلى القوّة ومن التفكّك إلى الإتّحاد ومن الهزيمة إلى الإنتصار على الذات وعلى العدوّ الرابض على أرضنا.
وبهذا تحوّلت المقاومة شيئاً فشيئاً إلى أن تصبح مقاومة شعبٍ بأكمله، وبدأ العدو يعاني من وطأة تلك المقاومة عبر الخسائر الكبيرة التي صار يتكبّدها كثمنٍ لفعلته المشؤومة عبر إجتياحه للأرض الإسلاميّة في لبنان.
وهكذا تحوّل هؤلاء المقاومون الإسلاميون المجاهدون إلى قنابل مدمّرة بوجه العدو يخرجون إليه من كلّ مكان، من حيث يتوقّع ومن حيث لا يتوقّع، ممّا أوقعه قيادةً وأفراداً في إرباكٍ كبير، خاصّة بعد بداية العمليّات الإستشهاديّة التي جعلت العقول تحتار في أمر أولئك الذين كانوا يتسابقون إلى الموت بوجهٍ ضاحكٍ وقلبٍ مطمئنٍ هادئ وجعلت الكيان الغاصب في موقع العاجز تماماً عن الردّ على مثل ذلك النوع من العمليّات.
وبذلك إستطاع الشعار الحسيني الكربلائي الذي اتّخذه مجاهدو المقاومة الإسلامية "هيهات منا الذلة" أن يكون السبيل لإستنهاض الهمم وبثّ روح العزيمة والإرادة في القلوب، وهكذا بدأت المقولة التي أطلقها الإمام الخميني "قده" من "أنّ الشعوب قادرةٌ على صنع تاريخها" يتسلّل إلى القلوب شيئاً فشيئاً ليستقرّ فيها، وليثبت الشعب المسلم في لبنان مع مقاومته الإسلامية أنّ المصيبة الكبرى التي نعاني منها ليست قوّة العدو بمقدار ما هي في الأنظمة العميلة التي تحكم واقعنا وتتحكّم بمقدراتنا وتصادر قرار شعوبها وحريّتها كذلك.
هذا الواقع الجديد الذي أحدثته المقاومة الإسلاميّة بعرق مجاهديها ودماء شهدائها هو الذي أجبر العدوّ الصهيوني الغاصب على الإنسحاب من أرضنا خائباً ذليلاً بعدما تحوّل من منتصرٍ كبير إلى منهزمٍ حقير لا يعرف كيف يهرب من أرضنا التي ملأها عليه الشباب الحسيني المجاهد ناراً تحرق جنوده وآلياته وتدمّر كلّ الصور الوهميّة التي كانت تطلق عليه أنّه "جيش لا يُقهر" فإذا به أمام الشباب المندفع من إيمانه وإسلامه هو جيشٌ منهزمٌ ذليلٌ خائف.
من هنا فإنّ أكبر إنجاز حقّقته المقاومة الإسلامية بجهاد أبنائها البررة هو إثبات قدرة الشعوب على الإنتصار على إسرائيل وكلّ أعدائها عندما تعود إلى وعيها وأصالتها، إلى إسلامها الذي كانت قد تخلّت عنه لفترةٍ من الوقت، وهذه المقولة هي التي بدأت تدخل إلى قلوب المسلمين من أبناء الشعوب العربية أيضاً بفضل جهاد أبناء المقاومة الإسلامية الذين قدّرهم إمام الأمّة الخميني العظيم "قده" بقوله: (إنّ جهاد حزب الله لبنان هو حجّةٌ على كلّ العلماء).
هذا التّقدير نابعٌ من الإدراك التّام لمدى قوّة تأثير المقاومة الإسلاميّة في المحيط العربي والإسلامي، ذلك التأثير الذي نتج عن ذلك الجهاد المشبع بروح الإخلاص لله سبحانه والذي تعمّد بالدماء العزيزة الغالية وعلى رأسها دماء شيخ الشهداء الشيخ الشهيد راغب حرب رضوان الله تعالى عليه، وتعمّد اليوم أيضاً بدماء سيّد شهداء المقاومة الإسلاميّة سماحة الأمين العام لحزب الله لبنان السيّد الشهيد السعيد عباس الموسوي الذي إغتالته يد الغدر الصهيونية على أرض جبل عامل الغالية مع زوجته وإبنه.
من هنا، نفهم ذلك الإصرار الشيطاني من جانب كلّ المتضرّرين من هذه المقاومة على إطفاء نورها وإخماد جذوتها المشتعلة لمنع إمتداد تأثيراتها إلى داخل كياناتهم المهزوزة أصلاً والمستندة في بقائها إلى القوى الإستكبارية دون شعوبها وأهاليها.
لقد أفرزت المقاومة الإسلامية في واقع الأمّة الإسلامية مقولاتٍ كانت موجودة في الأصل كثوابت ضمن عقيدتنا وإسلامنا، إلاّ أنّ الأجواء المعادية كانت تحول دون رجوع المسلمين إليها، وعلى رأس تلك المقولات أنّ الإسلام هو قدر هذه الأمّة وهو صانع تاريخها وحضارتها وهويّتها وبدونه تصبح كمّاً مهملاً ومطمعاً لكلّ ناهبٍ وغاصبٍ ومُعتدي.
ولهذا فإنّ الطريق الوحيد الذي من خلاله نتمكّن من تحرير أرضنا وكسر القيود والأغلال عن شعبنا لن يكون غير الجهاد والمقاومة بإسم الإسلام، هذا الطريق الذي ثبّته مجاهدو المقاومة الإسلامية كخطٍّ أصيلٍ لا رجوع عنه، خصوصاً بعد أن استطاع المجاهدون وهم القليلو العدد والعدّة من الإنتصار على الآلة العسكريّة الإسرائيليّة، وأثبتوا أنّ قتال إسرائيل لا يحتاج إلى التّوازن الإستراتيجي معها بقدر ما يحتاج إلى تحرير الإرادة وإطلاق يد الشعوب الإسلامية لتتحمّل مسؤوليّتها في تحرير القدس وفلسطين عبر إزالة إسرائيل من الوجود كلياً ونهائياً، وهذه مقولةٌ أخرى من المقولات التي ثبّتتها أيدي المجاهدين الأبطال، وهذه المقولة هي التي دفعت بالشعب الفلسطيني المسلم في داخل الأرض المحتلة لينتفض بحجره المشبع بإرادة الحريّة وإستقلاليّة القرار على المحتلّ الغاصب عبر إنتفاضة رائعة ما زالت تسطّر كلّ يومٍ ملاحم البطولة والجهاد والتّضحية، وتلك الإنتفاضة بإعتراف قادتها هي من الثمرات المباركة لجهاد أبناء المقاومة الإسلاميّة الشرفاء.
وهذه البندقيّة بعد السقوط الكبير للمعسكر الإشتراكي من جهة، وحرب الخليج "عاصفة الصحراء" من جهةٍ أخرى، باتت وحدها التي تتحمّل المسؤوليّة الكبيرة في الدفاع عن أقدس قضايا الأمّة وهي تحرير الأرض الإسلاميّة في الجنوب اللبناني وداخل فلسطين والقدس الشريف، خاصّة بعد سكوت كلّ الأصوات الرافضة للسيطرة الإستكباريّة في العالم والهيمنة الإسرائيليّة في المنطقة.
لهذا، فإنّ صوت المقاومة الإسلامية سيظل عالياً مرتفعاً يدعو الأمّة العربية والإسلامية إلى رفع صوتها عالياً مدوّياً ليسقط كلّ الأصوات الداعية إلى التسليم لإرادة أمريكا وإسرائيل، وستظلّ بندقية المقاومة الإسلامية ومعها بنادق كلّ المقاومين الشرفاء تطلق الرصاص إلى صدور جنود العدو الاسرائيلي الذي ترعبه رصاصات أولئك المجاهدين لأنّها التي حطّمت أسطورته وكشفت زيف إدعاءاته ومفاخراته الوهميّة الكاذبة.
وستبقى المقاومة الإسلامية ومجاهدوها الأبطال أوفياء لروح القائد الملهم والمعلم الإمام الخميني "قده" عبر الإلتزام بنهجه على خطى تلميذه وصفيّه ولي أمر المسلمين آية الله السيد علي الخامنئي حفظه الله وأدام ظله الشريف.
- الشيخ محمد توفيق المقداد -