الصفحة الرئيسية
تحريم الفواحش
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 2036
قال الله تعالى في محكم كتابه :{ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن...} 151/الأنعام. ممّا لا شكّ فيه أنّ تحريم أيّ شيء في الإسلام ينتج عن وجود مفاسد حقيقية تصيب حياة كلٍّ من الفرد أو المجتمع بأضرارٍ قد تكون مُهلكة في الكثير من الأحيان، ومن هنا يكون التحريم وسيلةً أساسية لمنع حصول ما يؤدّي إلى اختلال الأمور في بنية المجتمع المسلم خصوصاً والإنساني عموماً.
والآية الكريمة تتعرّض لبيان النهي الإلهي المتعلّق بالفواحش، جمع "فاحشة" وهي "الأمر الشنيع المستقبح" كالزنا واللواط وقذف المحصنات وغير ذلك من الجرائم الأخلاقية المتنوّعة، ويشمل هذا النهي التحريمي كلّ أشكال هذه الفواحش السرية منها والعلنية على حدٍّ سواء.
"وفي استباحة الفاحشة إبطال فحشها وشناعتها، وفي ذلك شيوعها لأنّها من أعظم ما تتوق إليه النفس الكارهة لأنّه يضرب عليها بالحرمان من ألذ لذائذها وتحجب عن أعجب ما تتعلّق به وتعزم به شهوتها، وفي شيوعها انقطاع النسل وبطلان المجتمع البيئي، وفي بطلانه بطلان المجتمع الإنساني الكبير"[1].
ومن أبرز ما هو من الفواحش المشمولة بعموم النهي في الآية ما يُسمّى بـ"الشذوذ الجنسي" الذي يكتفي فيه الرجل بالرجل والمسمّى "اللواط" والمرأة بالمرأة والمسمّى "السُّحاق"، والممارسة الجنسية بين الجنسين غير المشروعة والمسمّاة "الزنا" التي نرى لها اليوم امتدادات مخيفة ومرعبة في عالم الغرب نتيجة الإنحلال الإنساني والأخلاقي في ذلك العالم الذي وصل إلى تلك الحالة شيئاً فشيئاً بعد عدم الإلتفات إلى الأخطار الكبيرة التي يمكن أن تهدّد استمرار النسل البشري وسلامته من الأمراض والعيوب المدمّرة.
بل وصل الأمر بحالات الشذوذ هذه إلى أن صارت تحمل شرعية قانونية في بعض دول عالم الغرب باعتبار أنّ هذا الأمر يدخل في باب الحرية الشخصية والقانونية للفرد، وهو حر في أن يقيم العلاقات الجنسية من دون قيدٍ أو شرط مع من يشاء من دون وجود رادعًٍ قانوني أو أخلاقي، ولم يعد يعتبر هذا الشذوذ في العديد من البلدان أمراً معيباً ومستقبحاً وأنّه على خلاف طبيعة الإنسان، بل وصل الأمر ببعض المؤيّدين لتعميم هذا الشذوذ والإنحراف إلى حدّ محاولة إعطائه شرعية دولية من خلال بعض المؤتمرات التي تُعقد لبحث مسائل الإسكان والتنمية وما شابه ذلك.
ويدخل في سياق تحريم الفواحش التشجيع على إقامة العلاقات الجنسية للفتيان والأحداث نظراً لأنّ الإنسان في هاتين المرحلتين تتفتّح شهواته الجنسية، فإن لم يكن هناك رادعٌ نفسي أو قانوني أو شرعي، فإنّ ذلك قد يؤدّي إلى حالات انفلاتٍ في تفجير تلك الطاقات الجنسية الكامنة ممّا يُنذر بأفظع العواقب على سلامة المسيرة الإنسانية ككل عندما تتفكّك وتتحطّم الحياة الأسرية القائم عليها النظام الإنساني العام.
لهذا كلّه يعتبر الإسلام أنّ العلاقات الجنسية ينبغي أن تكون بين الجنسين ومن طرقها الممكنة والمباحة عبر الزواج الممهّد لإنشاء الوحدة الأسرية التي تشكّل النواة الأساس للمجتمع والحياة الإنسانية بشكلٍ عام.
ومن هنا يحرّم الإسلام الزنا باعتبار أنّه يتنافى كلياً مع المسار العام، مُضافاً إلى ما يخلقه من مشكلات شرعية كبيرة وقانونية على مستوياتٍ عدّة كالمواريث والعلاقات الرحمية وغير ذلك.
وكذلك يحرّم الإسلام الشذوذ الجنسي لأنّه انحرافٌ عن طبيعة الإنسان وسيرٌ في غير السلوك المتوافق مع الحياة الإنسانية، ولأنّ فيه تدميراً لعالم القيم والمثل والحياة العائلية والإجتماعية.
وتحريم هذه الفواحش ليس مُختصّاً بالإسلام وحده من بين الأديان، بل تشترك جميعاً في تحريم هذه الأمور، وقد حكى القرآن الكريم عن سوء عاقبة قوم لوط وما أصابهم من العذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة لأنّهم تخلّوا عن النساء واكتفى الرجال بالرجال.
ولا شكّ أنّ الإنحراف والشذوذ سببان للكثير من الأمراض المعروفة اليوم في العالم، وهذه الأمراض تكشف جانباً مهماً من الجوانب التي كان لها دورٌ ما في تحريم كلّ ما هو منافٍ للفطرة والطبيعة الإنسانيتين، ويأتي على رأس تلك الأمراض مرض "السيدا" الذي ينشر اليوم الخوف والرعب في كلّ العالم وتتسابق الشركات العالمية لأبحاث الدواء في اختراع دواءٍ شافٍ لهذا المرض الفتّاك.
من هذا كلّه، نرى أنّ الحلّ الأفضل الذي يمكن أن يجنّب البشرية واستمرارها دفع أثمانٍ باهظة هو الرجوع إلى الصراط المستقيم والتمسّك بالتعاليم السماوية التي تنظّم كلّ هذه الأمور تنظيماً واعياً ينسجم مع تطلّعات الإنسان وحاجاته، وأكبر دليلٍ على صحة ذلك هو استمرار الحياة العائلية والأسرية كقاعدةٍ أساس للحياة الإجتماعية منذ أن وعى الإنسان هذه المسألة.
لهذا كلّه نعتبر أنّ كلّ دعوة للخروج عن الضوابط الدينية والأخلاقية في هذا المجال هي مؤامرة على الإنسانية كلّها، ولن يسلم من شرورها ومخاطرها حتّى الذين يروّجون لها ويدعمونها من قوى الإستكبار العالمي التي تريد تعميم الإنحلال الأخلاقي ونموذج الإنفلات الجنسي لكلّ دول العالم وتسخّر بعض الأصوات العميلة لها أو المتأثّرة بذلك النهج للترويج لتلك الأفكار الفاسدة.
من هنا نعتبر أنّ حماية أجيالنا الصاعدة ومجتمعاتنا القائمة هي المهمّة الأساس التي ينبغي أن نسخّر لها كلّ إمكانياتنا وقدراتنا وطاقاتنا حتّى لا تستطيع هذه المؤامرة الخبيثة من التسلّل إلى داخلنا لتحرّفنا عن كلّ توجّهاتنا وأهدافنا، وبين أيدينا الشواهد والدلائل الكثيرة على المفاسد الكبيرة والأخطار الجسيمة المهدّدة اليوم لذلك العالم الذي أباح كلّ تلك المحرّمات ويريد تدمير الإنسانية كلّها انتقاماً لحالته التي وصل إليها ولم يعد بإمكانه إنقاذ نفسه منها.
والحمد لله ربّ العالمين