الصفحة الرئيسية
حرمة القتل
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 2391
قال الله تعالى في محكم كتابه: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم... ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلاّ بالحق}. يتعرّض المقطع الأول من هذه الآية لبيان حرمة قتل الأولاد عندما لا يجد ربّ العائلة القوت الكافي لإشباعهم أو الحاجات الضرورية لإعالتهم، وقد ورد أنّ هذا التصرّف كان معمولاً به عند العرب، حيث عندما يصبح الأب مفلساً فإنّه يقتل أولاده خوفاً من أن يراهم أذلاّء من ألم الجوع والفقر والحرمان، ولما فيه من المهانة على وضعه في المجتمع.
ويتعرض المقطع الثاني لحرمة القتل للنفس التي حرّم الله قتلها إلاّ إذا كان هناك مسوّغ شرعي يبرّر ذلك الفعل الشنيع، وهذا المقطع الثاني لا شكّ بأنّه يشمل الإنسان في كلّ مراحل حياته وأطوار وجوده، بدءاً من انعقاده كنطفةٍ في الرحم وهي مبدأ النشوء والتكوين وصولاً إلى لحظة خروجه من هذه الدنيا، فإنّ حكم القتل وهو الحرمة ثابتٌ لا يتغيّر ولا يتبدّل إلاّ في حالاتٍ محدودة في النظام الإسلامي العام.
وجهة الربط بين المقطعين هو أنّ كُلاًّ منهما متضمّنٌ لفعل القتل الذي هو عبارة عن إزهاق الروح بدون سببٍ موجب، وما ذُكِرَ في المقطع الأول من سببٍ ومبرّرٍ مرفوضٌ عند الله سبحانه، فإنّ عدم الرزق أو قلّته لا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال أن يكون سبباً للقتل، ولهذا عقَّب تحريم القتل بقوله "نحن نرزقكم وإيّاهم"، فالله هو الرازق والإنسان هو الواسطة لا غير، ولهذا لا يحقّ للأب أن يمارس فعل القتل الذي ليس من حقّه ولا من حقّ غيره.
فالإسلام يعتبر أنّ الروح والحياة منحة إلهية لا دخل للإنسان أن يقرّر بشأنها ما يريد وكيفما يحلو له من تشريعات، بل عليه أن يخضع في ذلك لإرادة الخالق العظيم تبارك وتعالى الذي أعطى الإنسان تلك النعمة العظيمة.
ولهذا نجد أنّ الله عزّ وجلّ يحافظ على مشروع الإنسان ليس من حين ولادته فقط، بل يعتبر أنّ حقّ الحياة محفوظٌ له من حين انعقاد نطفته، وأنّ هذه الحالة تمنع أيّ شخصٍ أو جهةٍ أن تأخذ قراراً بإلغاء حقّ الحياة الذي تبث، ويعتبر المتصرّف بخلاف هذا الحق مرتكباً لجريمة القتل ومستحقّاً للعقاب أيضاً ودفع الديّة.
لهذا يعتبر الإسلام أنّ الإجهاض وهو عملية إسقاط الجنين قبل الولادة أمرٌ خارجٌ عن دائرة الحقّ الشخصي للفرد ويدخل في دائرة الحقّ الإلهي الذي لا يجوز التصرّف فيه إلاّ بالنحو الذي أراده الخالق سبحانه وتعالى.
وما قد يذكر من الأسباب الموجبة أو المبرّرة لعمليات القتل بالإجهاض من التكاثر السكاني في العالم الذي قد يؤدّي إلى حصول كوارث ومجاعات بسبب عدم كفاية الإنتاج لإطعام الأعداد الهائلة من البشر نتيجة التزايد، هذا السبب لا يبرّر قانونية فعل الإجهاض وكونه جريمة بحقّ الحياة والإنسانية.
فالله سبحانه قد تكفّل بالرزق للبشر فيما يضمن لهم حاجياتهم الأساسية كما قال سبحانه:{وما من دابة إلاّ وعلى الله رزقها}، ولهذا لا يمكن معالجة أمر الزيادة السكانية بهذا العلاج المنافي لحقّ الحياة، في الوقت الذي يمكن إيجاد أنواعٍ أخرى من المعالجة تحقّق التوازن المطلوب بين النمو السكاني والموارد الموجودة في الأرض.
ولهذا نجد في الحديث الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثٍ معروف: (قلّة العيال أحد اليسارين) فهذا النص يتضمّن دعوة إلى التخفيف من المسؤولية عن كاهل ربّ الأسرة حتّى يستطيع أن يضمن تأمين كلّ الإحتياجات اللازمة بشأن من يعيلهم من الأولاد، ولهذا لا يمكن تشريع قانون ما أو نظام ما يبيح هذه العملية اللاأخلاقية والمنافية لحقّ الحياة واستمرار الوجود الإنساني.
والأديان السماوية كلّها مجمعة على تحريم القتل بكلّ أنواعه ولو كان بالإجهاض لأنّه جريمة لا تقلّ بشاعةً واستنكاراً عن أيّة جريمة قتلٍ عادية، ولهذا ورد في القرآن قوله تعالى: {ومن قتل نفساً بغير نفسٍ فكأنّما قتل الناس جميعا}[2].
من هنا نرى أنّ الجدل الدائر هذه الأيام حول مسألة الإجهاض بمناسبة انعقاد "مؤتمر الإسكان والتنمية" المقرّر أن يبحث هذا الأمر وغيره من الأمور المرتبطة به ليس من حقّ هؤلاء أن يبحثوه، بل ينبغي أن يتوجّه البحث في هذا المؤتمر وأمثاله إلى أمرٍ آخر وهو "كيفية تنسيق أمر الموارد الطبيعية بحيث تستطيع تأمين الإحتياجات الأساسية للإنسان"، لأنّ الأرض لن تعجز عن إطعام أهلها إن كان هناك تعاون وتنسيق ونوايا صادقة عند الدول الكبرى في العالم، والقادرة على مد يد العون والمساعدة إلى دول وشعوب العالم الثالث لاستغلال أرضها ومواردها وخيراتها في سبيل رفع وتحسين مستوى الإنتاج في مختلف المجالات بدلاً من الإهمال والمحاربة الشديدة التي تمارسها الدول الغنية حالياً والمؤدية إلى إهمال الأرض في معظم تلك الدول الفقيرة، وإهمال قضايا التنمية من أجل زيادة أرباح الشركات المتعدّدة الجنسيات أو البنوك العالمية التي تمتصّ خيرات تلك الدول وتصادر ثرواتها ومواردها.
لهذا كلّه نقول إنّ الدعوة إلى إباحة الإجهاض هو محاولة هروب من الإعتراف بهذا الواقع ومحاولة مفضوحة من الدول الغنية وعلى رأسها أمريكا للهروب من المشكلة الأساسية التي كانت تلك الدول سبباً رئيساً من أسباب تحقّقها.
وما معارضة الأديان السماوية عبر القادة الأساسيين لها كالجمهورية الإسلامية والفاتيكان إلاّ تأكيدٌ على رفض هذا الأمر، وعلى عدم السماح بتشريعه كحقٍّ إنساني بحيث يسمح بالإجهاض بسببٍ ومن دون سبب.
من خلال هذا كلّه، نحن مُطالبون بالوقوف بقوّة بوجه الدعوة إلى هذا النوع من التعامل مع حقّ الحياة الذي منحنا إياه الله عزّ وجلّ لنعيش الحياة نعمة إلهية ولنعطي هذا الحق لمن يستحقّه بالمنظار الإلهي من دون أن نجعل أنفسنا أوصياء على هذا الحقّ لمن يستحقّه بالمنظار الإلهي من دون أن نجعل أنفسنا أوصياء على هذا الحقّ الذي كفله الله حتّى لمن انعقدت نطفته، ومن الواجب علينا أن نمارس عملية توعية شاملة يقوم بها كلّ الغيارى والمهتمّين والمصلحين لشؤون حياتنا الدينية والدنيوية، لعلّنا بذلك نستطيع إسقاط هذا النوع من المؤامرة على الإسلام والأديان عموماً.
"والحمد لله ربّ العالمين"