الصفحة الرئيسية
شمولية الطرح الإسلامي
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 2420
الإسلام هو الدين الشامل لكلّ الأبعاد التي تنهض بالحياة البشرية وتبنيها وفق النظرة الإلهية، فهو يشتمل على البعد الغيبي من خلال الإرتباط بالله سبحانه وتعالى عبر سلسلة من العبادات التي توصل إلى المراتب الإيمانية العالية، وتؤكّد الترابط ما بين المؤمن وربّه بشكلٍ دائمٍ ومتواصلٍ حتّى لا يغيب هذا البعد عن حياة الإنسان ولو لفترةٍ قصيرةٍ جداً. وهو يشتمل على البُعد المادي أيضاً من خلال التشريعات الكثيرة التي توضح للمسلم كيف يتحرك مع الآخرين في كلّ المجالات من دون أيّ نقصٍ في المعالجة وإعطاء الحلول لأيّ مجالٍ منها.
والإسلام يرى أنّ الترابط بين هذين البعدين الشاملين لكلّ حركة الإنسان لا بدّ منه، بحيث لا يمكن التفكيك والأخذ بطرفٍ واحدٍ منهما، لأنّ هذا سوف يؤدّي إلى الإفراط في جانب المأخوذ، والتفريط في جانب المتروك، وفي هذا ما يؤدّي إلى الإبتعاد والإنحراف عن الصراط وعن الأهداف التي يرى الإسلام أنّ طريق تحقّقها هو الإلتزام والعمل بكلا البعدين معاً في نفس الوقت لتأثير كلٍّ منهما في الآخر تأثيراً قوياً وراسخاً.
ولهذا نرى أنّ الإمام الخميني "قده" انطلاقاً من هذه الشمولية، طرح أنّ الإسلام كلٌّ لا يتجزّأ، فلا يمكن الأخذ بجانبٍ منه وترك الجوانب الأخرى ويقول: (هاتان فئتان، واحدة أخذت بالجانب المعنوي للإسلام وتركت جانبه الإجتماعي، وأخرى أخذت جانبه الإجتماعي من علم الإجتماع وعلم السياسة...، وتركت ذاك الجانب الآخر المعنوي للإسلام، فلا هذا الإتّجاه هو معرفة الإسلام ولا ذاك، بل هي الأخذ بهذين الجانبين معاً، والذي يكون عارفاً بالإسلام عليه أن يعرف هذين المطلبين وهاتين الجهتين،... الجهة العرفانية الخالصة والجهة الظاهرية التي تهتمّ بمسائل المجتمع، فالذي يريد أن يعرف الإسلام حقّ المعرفة من خلال الآيات والروايات والأحكام التي وردت، والتي تهتمّ بالناحية المعنوية والعرفانية يجب أن يعرفه قدر الإمكان أيضاً من خلال الآيات والروايات والأحكام التي وردت من أجل تنظيم أمور المجتمع ومن أجل الأمور السياسية وأمور الحكومة، فمعرفة الإسلام إذن هي التعرّف على الإسلام بكلتا جهتيه في حدود معرفة الإنسان وفهمه).
وهكذا نرى أنّ الإمام "قده" يعتبر أنّ الإطلاع على الإسلام بشكلٍ واسعٍ ومفصّلٍ ودقيق هو الذي يساعد على توضيح الصورة الشمولية للطرح الإسلامي حتّى لا يقع في محذور تفكيك الوحدة الشاملة للطرح الإسلامي.
من هنا نرى أنّ الإمام "قده" يستنكر على أولئك الذين درسوا جانباً من الإسلام وفي مجالٍ محدّد، ثمّ يأتي هؤلاء لينسبوا لأنفسهم الخبرة والمعرفة بالإسلام، ومن ثمّ يرمون العارفين بهذا الدين بالجهل والتخلّف، حتّى يحقّقوا لأنفسهم مكانةً عند الجماهير، ثمّ ليستغلّوها في الترويج لما يريدون، مع ما يشكّله هذا من الخطر الكبير على شمولية الطرح الإسلامي وتوجّهات الأمّة المسلمة، ويقول الإمام "قده"، في هذا المجال :(... إنّ من يؤلّف كتاباً أو يكتب مقالة في الإسلام لا يستطيع أن يقول إنّه خبيرٌ في الإسلام، وفي نفس الوقت يقول عن أشخاصٍ عاشوا سبعين أو ثمانين سنة من عمرهم في الإسلام بأنّهم لا يعرفون الإسلام).
ثمّ يستنكر الإمام "قده" على أولئك الذين يريدون التعرّف على الإسلام من خلال كتابات المستشرقين التي لا تخلو في الغالب من الترويج لفكر المستعمر الغاصب ويبيّن خطر هؤلاء على الإسلام كدين وأمة فيقول :(يقولون نحن خبراء في الإسلام، في الوقت الذين لا يطّلعون فيه على كتبنا، إنّهم لا يعلمون الإسلام حتّى يكونوا خبراء فيه... هم ليسوا مطّلعين على معارف الإسلام، وإذا أرادوا ذلك فمن خلال كتابات الغربيين التي ينقلونها إلينا، فإذا بالغربيين يصبحون خبراء في الإسلام!! الإسلام الذي يعرّفوننا عليه هم... إنّ كلّ ذلك هو لأنّنا تخلّفنا في مقابل الغرب، ولأنّ الشرق فقد ذاته وانهزم أمام ذلك الغرب).
ثمّ يتعرّض الإمام "قده" لخطرٍ آخر من أخطار تفكيك شمولية الطرح الإسلامي، وهو خطر الأخذ بجزءٍ من الإسلام وضمّه إلى عقيدةٍ خارجة عنه، ثمّ تطبيقها على أنّها من الإسلام أو لا تتعارض ولا تتنافى معه، وفي هذا يقول "قده": (وفي الوقت الذي نفهم فيه أنّهم يريدون تطبيق الإسلام حسب الماركسية، فإنّ هذا سوف يشكّل خطراً على الإسلام، إذن يجب أن تنتبهوا جميعاً لهذا الخطر وأن تتعرّفوا بجدية لرفع هذا الخطر، فإنّ الهزيمة من العدو ليس لها أهمية وخطورة الهزيمة من الداخل).
إذن من خلال هذه النصوص يمكن أن تتشكّل لدينا صورة واضحة عن معالم الطرح الإسلامي الشامل الذي يقوم عند الإمام "قده" على الأسس التالية:
أولاً: أنّ شمولية الطرح الإسلامي أمرٌ حتمي لا يمكن التنازل عنه لأنّه صياغة إلهية ولا يمكن التلاعب بها بأيّ نحوٍ من الأنحاء.
ثانياً: أنّ تفكيك هذه الشمولية لا توصل إلى الأهداف المنشودة.
ثالثاً: أنّ المعرفة المحقّقة للإيمان بشمولية الطرح الإسلامي يجب أن تستند إلى المصادر الأساسية للشريعة وهما "القرآن والسنة".
رابعاً: لا يمكن لمن عرف جانباً معيناً من الإسلام أن يقدّم نفسه على أنّه عارفٌ خبير بالإسلام الشمولي وغاياته، والمدّعي لذلك مخطىء ومنحرف.
خامساً: لا يمكن أخذ المعرفة بالإسلام عن طريق غير الإسلاميين من الذين يشوّهون معارفه بطريقةٍ تخدم أهدافهم ومآربهم.
سادساً: لا يمكن تحقيق الأهداف الإسلامية عبر إلباس جزء من عقيدةٍ غير إسلامية لباساً إسلامياً وتقديمها على أنّها من الدين، لأنّ هذا الخليط هو انحراف ويشكّل خطراً محدقاً وكبيراً بالإسلام وتوجّهاته وأهدافه.
وبهذا الطرح الشمولي للإسلام انطلق يتحرك ويوضح للأمّة أنّ هذا الدين الإلهي العظيم هو المؤهّل لبناء صرحها الإنساني الكبير الذي تحقّق فيه ذاتها ووجودها وفاعليتها، وقبل كلّ هذا ومعه رضا الخالق العظيم تبارك وتعالى.
والحمد لله ربّ العالمين