الصفحة الرئيسية
المشروع الإسلامي في مواجهة المشروع الصهيوني
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 2012
من هنا، يحمل ذلك المشروع خطورته على مستوى العالم الإسلامي كلّه، لأنّ الأرض المرشّحة لتكون الوطن الذي تحلم به المخطّطات اليهوديّة هي جزءٌ لا يتجزّأ من هذا العالم، بل هي الجزء الأكثر أهمية وحساسية عند المسلمين خصوصاً وأهل الديانات الإلهية الأخرى عموماً، لأنّ فيها فلسطين التي تحتوي على الأماكن المقدّسة عند الإلهيين بوجهٍ عام، وتشكّل قاعدة التوحيد في الأرض، خاصّة "القدس" التي ارتبط تاريخها واسمها على الدوام بحركة الأنبياء والرسل (عليهم السلام) الذين انطلقوا منها أو مرّوا بها أو اتخذوها مقرّاً لهم للنهوض بالمهمّات المُلقاة على عاتقهم في حمل المشروع الإلهي والدعوة إليه.
لهذا، فإنّ الصراع على تلك الأرض هو في الحقيقة صراعٌ بين مشروعين يتضمّن أحدهما كلّ التراث الإلهي من دون أيّة استثناءات على الإطلاق لأنّه يحتوي في داخله كلّ الرسالات السماوية ويزيدها بما لم تكن تتضمّنه في المراحل الزمنيّة السابقة عليه، وذلك المشروع هو "المشروع الإسلامي التوحيدي"، بينما المشروع الآخر الذي تحمله "الحركة الصهيونية" هو المشروع الخاص المستند إلى الوقوف عند مقولة "الشعب المختار" الذي لا يريد التسليم بحقيقة أنّ الدين اليهودي كان مرحلةً من مراحل الوصول إلى المشروع الإلهي العام الذي يحتويه الإسلام، وأنّ الوجود اليهودي في أرض فلسطين وعاصتمها القدس لم يكن وجوداً لليهود بما يحملون من السّمات الخاصة بهم، بل بما هم في ذلك الزمان كانوا الذين يحملون مسؤولية المشروع الإلهي.
لهذا كلّه، تنظر الحركة الصهيونية إلى أنّ الإسلام بكلّ امتداداته ومناطق وجوده هو النّقيض لمشروعها، وهو الذي يجب عليها أن تحاربه بكلّ الوسائل والسبل حتّى لا يعود قادراً على الدفاع عن تلك الأرض التي هي موضوع النزاع.
لذلك، كان التّحالف الإستراتيجي بين الصهيونية كحركةٍ عنصرية كونها لا تعترف بأيّ حقٍّ لغيرها نتيجة التحريف الذي تعرّضت له العقيدة اليهوديّة لكي لا تذوب الشخصية اليهودية المتعالية عن الآخرين، وبين الدول الإستعمارية والإستكبارية التي توافقت مصالحها وأطماعها في عالمنا الإسلامي مع المشروع الصهيوني، وكان من الآثار المباشرة لذلك التحالف إنشاء الكيان الغاصب على أرض فلسطين كمقدمةٍ لا بدّ منها لبناء القاعدة القويّة التي ستكمل الخطوات اللاحقة توصّلاً إلى تحقيق ذلك الوعد التاريخي في أرض الميعاد كما صوّر ذلك لليهود أحبارهم الذين زيّفوا التّوراة وحرّفوه.
ومنذ سنة 1948، عام الإستيلاء على الأرض المقدّسة بعد التمهيد الذي تمّ بالقرار الذي اتّخذته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سنة 1947 والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربيّة وإسرائيليّة، لم تتوقّف حركة الصراع في ذلك الكيان ولم تهدأ، ولن تكون مرشحةً للهدوء أيضاً، طالما أنّ كلّ مشروعٍ منهما لا يمكن أن يتلاقى مع الآخر بوجهٍ من الوجوه، والسبب في ذلك هو "عقدة الإستعلاء" عند أصحاب المشروع الصهيوني الذين لم يستطيعوا أن يحرّروا أنفسهم من تلك العقدة، في الوقت الذي يتمكّن فيه المشروع الإسلامي من ذلك لأنّه لا يحمل أيّة عقدٍ عقائدية أو تاريخية تحول دون استيعابه لليهود على ما هم عليه من الخصوصية الدينية إذا لم يرغبوا بالتخلّي عنها، والمسار التاريخي في تعامل المسلمين حكّاماً وشعوباً على امتداد قرون حاكمية الإسلام أكبر شاهد على قدرة المشروع الإسلامي على التعايش مع الخصوصيات الدينية لأهل الرسالات السماوية الأخرى، لأنّ ذلك يشكّل نقطة التقاءٍ رئيسة بين كلّ أهل الأديان بالمفهوم القرآني.
لهذا، نرى أنّ قادة العدو الصهيوني يصرّحون في كلّ مناسبةٍ بما يعيد إلى الذاكرة أنّهم لم يحقّقوا مشروعهم بالكامل، ومن نماذج ذلك قول مناحيم بفين :(لن يكون سلام لشعب إسرائيل، ولا لأرض إسرائيل حتّى ولا للعرب، ما دمنا لم نحرز وطننا بأجمعه، حتى ولو وقّعنا معاهدة الصلح)، والوطن المقصود هو الذي حدّدناه في أول البحث انطلاقاً من التحديد الوارد في التوراة المحرّفة التي يتّخذها اليهود كتاباً مقدّساً بكلّ ما فيه من المنافاة لحضرة الذات الإلهية المقدّسة ولأنبياء الله جميعاً.
وهكذا عاشت المنطقة العربية الإسلامية منذ عام 48 وإلى الآن حالةً من الإضطراب السياسي والعسكري عبر حروبٍ كانت تشنّها الدولة الغاصبة كلّما وجدت أنّ الفرصة سانحةٌ أمامها من أجل تحقيق تقدّم على الأرض عبر الإستيلاء والقضم المستمر والمباشر لما يفترض أنّه داخلٌ في خارطة المشروع الآنف الذكر، كما حدث في عام 56 عندما حصل العدوان الثلاثي على مصر إلاّ أنّه فشل في تحقيق هدفه نتيجة الضغوطات الدوليّة، وكما في عام النّكسة 1967 حيث أسفرت عن احتلال هضبة الجولان والضفة الغربيّة وقطاع غزة وسيناء، التي فشل العرب في استردادها عام 1973، وصولاً إلى الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 الذي نتج عنه احتلال الجنوب والبقاع الغربي من لبنان بحجّة تحقيق الأمن والسلام لشمال إسرائيل ولهذا حملت عملية الإحتلال اسم "سلامة أمن الجليل" كحجّةٍ لتبرير ذلك العدوان.
لكن بما أنّ مشروع النظام اللبناني لا يتعارض مع المشروع الإسرائيلي ولو مرحليّاً، لأنّ الحكم في لبنان يتماشى مع إسرائيل كونه لا يحمل هوية الدول العربية الإسلامية الأخرى، ولأنّه لا يهدف إلى إزالة الكيان الغاصب، ولأنّه الحلقة الأضعف بين دول المواجهة، ولأنّ هناك وصاية عالمية على النظام اللبناني كونه في دائرة النفوذ القوي للإستكبار العالمي ولا يشكّل تهديداً للكيان لا في الحاضر ولا في المستقبل، ولأنّ هناك سابقة مع مصر في تحقيق الصلح مع إسرائيل عبر إتفاقية "كامب ديفيد" الجنائية، فقد أقدم النظام اللبناني على توقيع اتفاقية "السابع عشر من أيار" مع إسرائيل، تلك الإتفاقية التي كانت مطلباً أساسيّاً لقادة الكيان منذ أوّل مراحل قيامه، وقد عبّر بن غوريون عن هذا المطلب بقوله: (من الواضح أنّ لبنان هو النقطة الأضعف في الجامعة العربية... ولذلك فإنّ إيجاد دولة مسيحية هو عملٌ طبيعي، وله جذورٌ تاريخية، وسيجد الدعم لدى أوساط العالم المسيحي الكاثوليكي والبروتستانتي... وربما يكون الوقت قد حان... للعمل على إقامة دول مسيحيّة بجوارنا).
والمفاوضات الثنائيّة الجارية حالياً عبر الجلسات التي تعقد تحت اسم "مؤتمر السلام" الخياني والتآمري على الأمّة الإسلامية ومشروعها التوحيدي العام، وكذلك المفاوضات المتعدّدة الأطراف حول القضايا الإقليمية المتعلّقة بالمنطقة الشرق أوسطية ككلّ هي الخطوات السياسيّة المهمّة بنظر قادة الكيان لتثمير التفوّق العسكري والتكنولوجي لتحصيل الإعتراف الرسمي بوجودها كما هو المقرّر كنتيجةٍ لمؤتمر السلام، ولأخذ إسرائيل حصّتها من ثروات المنطقة من المياه والنفط والتجارة كما هو المقرّر للمفاوضات المتعدّدة الأطراف.
إنّ كلّ تلك الخطوات يُضاف إليها حركة الإستيطان الواسعة الجارية في الأراضي المحتلّة لاستيعاب مئات الآلاف من اليهود الذين يتجمّعون في أرض إسرائيل حسب النبؤة التوراتية تعطي الإنطباع بأنّ حركة سير المشروع قد حقّقت تقدّماً ملحوظاً نحو الهدف.
وما ينبغي الإلفات إليه أنّ المشروع الإسلامي العام والحاملين له والعاملين لأجله لا يتحمّلون نتيجة ما وصلت إليه الأوضاع في العالم الإسلامي في الفترات السابقة وبالأخص منذ نشوء الكيان الغاصب وما تلاه من خطواتٍ لتثبيت وتوسيع ذلك الكيان بمقتضى الرؤية التلمودية التي تحمل كلّ الحقد والتحقير والتهميش لكلّ ما لا يمتّ إلى اليهوديّة بصلة.
في مقابل كلّ ذلك، نستطيع أن نتبيّن من خلال كلّ هذه الأجواء التي يريد أصحاب المشروع اليهودي ومن يدعمهم الإيحاء بالقوة التي يتميزون بها ويلوّحون من أجل تحرّر مشروعهم بمعونة من رضوا لأنفسهم من الحكّام والرؤساء والملوك في عالمنا العربي والإسلامي، أنّ المشروع الإسلامي قد بدأ ينبض بالحياة من جديد، وبدأ يستعيد موقعيّته ومكانته عند الشعوب الإسلاميّة، وحقّق على يد المجاهدين من أجله خطواتٍ مهمّة تمثّلت في إسقاط العديد من الخطوات التي كان المشروع الصهيوني قد حقّقها كاتّفاق السابع عشر من أيار والإنسحاب من القسم الأكبر من الجنوب اللبناني والبقاع الغربي كثمرةٍ لجهود أبناء المقاومة الإسلامية المخلصين لمشروعهم الإسلامي، وكالإنتفاضة الفلسطينية داخل الأرض المحتلّة، وصولاً إلى قلب العالم الإسلامي التي تحمل اليوم كلّ قضايا الأمّة وهمومها وعلى رأس ذلك كلّه مواجهة المشروع الصهيوني ألا وهي "الجمهورية الإسلامية في إيران" ومروراً بكلّ الحركات الإسلامية المنتشرة في أرجاء عالمنا الكبير.
وانطلاقاً من الرؤية المستقبليّة التي تشكّل جزءاً أساسيّاً من المشروع الإسلامي التوحيدي العام، فإنّ مصير المشروع الصهيوني إلى زوالٍ حتماً، ومصيره إلى السقوط لا محالة في ذلك، لأنّ الإسلام يحمل من عناصر القوّة والحيوية والقدرة على الحركة والتأثير ما يجعله في موقع المواجهة مع المشروع الصيهوني والتمكّن من محاصرته واحتوائه، بل وإذابته ضمن المشروع التوحيدي العام الذي سيحمل رايته لإيصاله إلى أرجاء الأرض كافةً الإمام المهدي "عج" المدّخر لتلك المهمّة التي ستتحقّق بإذن الله تعالى لتكون خاتمة الحياة الإنسانية مطابقةً لبدايتها التي أرادها ربّ العزّة أن تكون متماشية بل منطلقة من مشروعه التوحيدي العام للإنسان كلّه.