الصفحة الرئيسية
الفهم العميق للسياسة الإستكبارية
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 2376
ففي الوقت الذي كانت غالبية الدول الإسلامية تعيش الولاء لكلٍّ من أمريكا وروسيا، كان الإمام الخميني"قده" يطرح الإسلام كحلٍّ لمشاكل الأمّة، لأنّه كان يرى أنّ كلاًّ من الدولتين المذكورتين لا تعملان لصالح الشعوب بل لصالح منافعها ومكاسبها على حساب العالم المسمّى بالثالث، وكان ينظر بعين الأسى والحزن لكلّ ما يحدث في هذا العالم المستضعف الذي يدفع ضريبةً كبيرة من دماء أبناء شعوبه ومقدّراته وإمكاناته في سبيل ذلك الصراع المدمّر بين الدول الكبرى، وكلّ منها ترفع الشعارات البرّاقة التي تخدع الشعوب لتلتحق بهذه الدولة أو تلك مع عدم كون الوقائع متوافقة مع تلك الشعارات المعسولة التي كانت تدغدغ الشعوب وتجعلها تعيش عالم الأحلام.
فمنذ أواسط الستينات نجد أنّ الإمام "قده" يقول: ( لتعلم الدنيا أنّ كلّ متاعب إيران والشعوب الإسلامية هي من أمريكا، الشعوب الإسلامية تنفر من الأجانب عموماً ومن أمريكا خصوصاً.. أمريكا تعطي الإمكانيات لإسرائيل من أجل تشريد العرب المسلمين. أمريكا تقيّد الإسلام والقرآن الكريم مضرين بمصالحها وتعتبر إزاحتها عن الطريق، أمريكا تعتبر أنّ الروحانيين شوكة في طريق الإستعمار ويجب أن يحبسوا ويزجوا أو يهانوا... أمريكا هي التي تتعامل بوحشية مع المسلمين ويأسوا من ذلك).
وبنفس الأسلوب نجد أنّ الإمام "قده" تعامل مع الإتحاد السوفياتي السابق ويطلق عليه نفس الأحكام التي أطلقها على أمريكا ويقول: (نحن في صراعٍ مع الشيوعية العالمية بنفس المقدار الذي جاهد به ناهبي العالم الغربين بزعامة أمريكا والصهيونية واسرائيل. إعلموا يا أصدقائي الأعزاء أنّ خطر القوى الشيوعية ليس بأقل من خطر أمريكا) وكذلك قوله "قده": (ليس خطر الشيوعية من خطر الرأسمالية الغربية).
من هنا نجد أنّ بعض النصوص الواردة عن الإمام تتجمع مباشرة في الحكم بيد القوّة الغربية والشرقية في آنٍ حقاً ويقول أحدها: (إنّ كلّ القوى الشرقية والغربية... جميع هؤلاء مخالفون لشعبنا وقد وقفتم في مقابلهم وعقدتم قبضاتكم وقلتم منذ البداية " لا شرقية، لا غربية" نحن لا نذهب لجهة الشرق أو الغرب، نحن عندنا إستقلال، نحن عندنا حرية بالكيفية التي يقول بها الإسلام ونحن نريد الجمهورية الإسلامية).
من هذه القاعدة في المواجهة مع تلك القوى إنطلق الإمام "قده" من أساس مثير هو الإسلام، لأنّه وجد فيه الطريق الصحيح للتحرّر الحقيقي الواقعي الذي يستطيع أن يعيد مجد الأمّة ويبيّن تاريخها في مقابل الأمم الأخرى ويقول: ( نحن لا نخضع ولا نساوم مع أيّ من القوى الكبرى، نحن لا نقع تحت سلطة أمريكا ولا تحت الثقل الروسي، نحن مسلمون، نريد أن نعيش عيشة الفقراء ولكن نكون أحرار مستقلّين).
ولهذا لم يلجأ الإمام "قده" عندما ثار على النظام الملكي الشاهنشاهي في إيران المدعوم من أمريكا ومن روسيا، إلى أيّ من الدولتين لعلمه بأنّ الإستناد إلى إحداهما هو تعبيرٌ عن الإنتقال من يد مستكبرٍٍ إلى يد مستكبرٍ آخر مع الفارق في التسمية والشعارات لا غير.
وعلى هذا الأساس كان يدعو الأمّة إلى الإلتفاف حول دينها وعقيدتها وإلى التمسّك بتراثها الحضاري وتاريخها الجهادي الطويل لتصنع لها موقعاً ودوراً متميزين في عالم السياسة الدولية المعاصرة.
وحيث كان يرى أنّ الفرقة والإختلاف بين الدول الإسلامية هي مرض الأمّة القاتل، كان يركّز كلامه وتوجيهاته نحو ضرورة السعي الحثيث للتخلّص من هذا الوباء الذي يفتك في جسد المسلمين ليعيدوا وحدتهم وعزّتهم وقوّتهم وليحرّروا شعوبهم المقهورة، ويقول "قده": ( إذا اتّحد مليار مسلم في العالم فإنّ الشرق والغرب لا يستطيعون فعل شيء)، ولهذا كان يستنكر على الدول الإسلامية هذا التفكيك وذلك الإرتماء في أحضان أمريكا وروسيا بلا فرق ويقول: (لماذا تمسّك كلّ واحدٍ منكم بفرع أو التفت إلى الشرق أو الغرب؟ لماذا لا تعتصمون بحبل الله معاً؟...).
إلاّ أنّ المؤسف أنّ هذا كلّه لم يلق الآذان الصاغية عند الأنظمة أو حتى عند الكثير من المثقفين حتى بعد انتصار الثورة في إيران باسم الإسلام وأثبت الإمام "قده" صدق مقالته واستنتاجه عن السياسة العالمية التي كانت موجودة، ولهذا بعد سقوط الإتحاد السوفياتي الذي بشّر الإمام به قبل حدوثه بسنوات عندما طلب إرسال الشيوعية ومنظومة الدول الدائرة في فلكها، وارتمى كثير من هؤلاء الضائعين في أحضان أمريكا التي كانت حتى الأمس عدوتهم اللدود، ومازال قسمٌ آخرمن أولئك يبحثون إلى الآن عن سندٍ ودعمٍ لهم لن يجدوه إلاّ في الإسلام الذي طرح الإمام الخميني "قده" منذ عقود كحلّ لمشاكل الأمّة، إلاّ أنّهم توهماً يتصورون أنّهم يعودون إلى الماضي البعيد فيما لو عادوا إلى الإسلام، ولهذا ما زالوا يدورون في حلقةٍ فارغة لن يجدوا إلى الخروج منها سبيلاً.
والحمد لله رب العالمين