الصفحة الرئيسية
الشهيد السعيد
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 3497
ليس من المبالغة القول بأنّ الشهيد المرجع السيد محمد باقر الصدر كان من أعظم فقهاء الأمة الإسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين، وهذا ما يبدو جلياً وواضحاً من مؤلفاته الكثيرة والعميقة المضمون في كلّ كتاباته الفلسفية والإقتصادية والمنطقية وفرض حضوره القوي في الساحات والحوزات العلمية على امتداد العالم الإسلامي.
ويمكن أن نطلق على فكر السيد الشهيد بأنّه متجدّد ومبتكر حيث كتب في مواضيع لم يتطرّق إليها أحدٌ مثله بنفس الطريقة في الإستدلال والبرهان وإبطال نظريات الآخرين المنحرفة التي كانت تلقى رواجاً في بلداننا العربية والإسلامية وخصوصاً الفلسفة الشيوعية والليبرالية المتوحشة واستطاع أن يثبت أنّ الإسلام هو الحل لمشاكل العصر ولمأساة الإنسانية الباحثة عن العدل والحق المفقودين بسبب تضارب مصالح الدول المستكبرة.
ولم تقتصر حركة السيد الشهيد بالكتابة والتأليف، بل تعدّتها إلى المجال السياسي حيث كان يحارب النظام الفاسد في العراق ويشجّع على تأليف الأحزاب الإسلامية لكي تحتضن الشباب المؤمن حتّى لا ينجرفوا إلى الأحزاب الفاسدة، وهذا ما أدّى بالنظام العراقي إلى التضييق عليه وحجز حريته عبر الإقامة الجبرية أو عبر إلقاء القبض عليه وإيداعه في سجون النظام ومع ذلك لم يتزلزل ولم ينهزم وبقي مُصرّاً على مواقفه الرسالية والجهادية في مواجهة الطغيان.
ومن أبرز مواقفه الرسالية العظيمة موقفه من انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني العظيم حيث أيّدها وساندها منذ لحظة انتصارها واعتبرها فتحاً عظيماً للإسلام والمسلمين، وقال كلمته المشهورة :(ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام)، وأصدر فتواه الشهيرة بحرمة الإنتماء إلى حزب البعث الحاكم في العراق لأنّه اعتبر أنّه بانتصار الثورة الإسلامية في إيران قد زال وقت التقيّة في العراق.
ولم يكتف الشهيد الصدر بالتأييد لانتصار الثورة في إيران الإسلام، بل دعمها بمجموعة من الكتب التي تساعد في تنظيم شؤون الدولة الإسلامية مثل "نظرية الدولة في الإسلام"، حيث قدّم فيه أطروحته ونظريته في إدارة شؤون المسلمين، لأنّه كان يؤيّد انتصار الثورة في إيران والتي هي المقدمة لانتصارات أخرى في عالمنا العربي والإسلامي للتحرّر من العقائد الفاسدة والمنحرفة التي تحكمنا وتتغلّب على إرادة شعوبنا وأمتنا العزيزة.
لقد كان السيد الشهيد الصدر قوياً في دينه صارخاً في مواقفه من الطغاة ولعلّ أبرز مثل على ذلك ردّه على الرسالة التي أرسلها إليه الطاغية صدام حسين حيث جاء فيها: (... ولا ندري بعد ذلك لماذا حرّمتم حزبنا على الناس؟ ولماذا دعوتم إلى القيام ضدّنا؟ ولماذا أيّدتم أعداءنا في إيران، وقد أنذرناكم ونصحنا لكم وأعذرنا إليكم في هذه الأمور جميعاً، غير أنّكم أبيتم وأصررتم ورفضتم إلاّ طريق العناد ممّا يجعل قيادة هذه الثورة تشعر بأنّكم خصمها العنيد وعدوّها اللدود وأنتم تعرفون ما موقفها ممّن يناصبها العداء وحكمه في قانونها)، أي أنّ الطاغية كان يهدّد السيد الشهيد بالقتل بسبب مواقفه الجريئة ضدّ نظامه الفاسد في العراق، وقد جاء في ردّ السيد الشهيد الصدر ما يلي: (لقد كنت أحسب أنّكم تعقلون القول وتتعقلون... فقد وعظتكم بالمواعظ الشافية أرجو صلاحكم، وكاشفتكم من صادق النصح ما فيه فلاحكم... ويشفي سقمكم لو كنتم تعلمون أنّكم مرضى ضلاّل حتّى حصحص أمركم وصرح مكنونكم ، أضلّ سبيلاً من الأنعام السائبة، وأقسى قلوباً من الحجارة الخاوية، وأشره إلى الظلم والعدوان من كواسر السباع، لا تزدادون مع الواعظ إلاّ غياً، ومع الزواجر إلاّ بغياً، أشباه اليهود، وأتباع الشيطان أعداء الرحمن قد نصبتم له الحرب الضروس... فأنتم والله كالخشب اليابس أعيي على التقويم أو كالصخر الجامس أناي التفهيم... شذاذ الآفاق، وأوباش الخلق، وسوء البرية، وعبدة الطاغوت وأحفاد الفراعنة وأذناب المستعبدين، أظننتم أنّكم بالموت تخيفونني وبكر القتل تلونني؟ وليس الموت إلاّ سنة الله في خلقه... أوليس القتل على أيدي الظالمين إلاّ كرامة لعباده المخلصين، فأجمعوا أمركم وكيدوا كيدكم، واسعوا سعيكم، فأمركم إلى تباب وموعدكم سوء العذاب... ).
إنّ هذا المقطع من جواب السيد الشهيد الصدر يدلّ على قوّة في الدين ومتانة في العقيدة وثبات في مواجهة الطغاة، وهذا ما يخاف منه الطغاة دائماً، يخافون ممّن يقولون الحقّ في سبيل الله ولا يخافون من أحدٍ في هذه الدنيا الفانية.
ونتيجة لذلك وخوفاً من تأثير السيد الشهيد الصدر على الشعب المسلم في العراق ولكي لا تنهض ثورة شعبية مشابهة لما حدث في إيران كان قرار النظام الحاكم في العراق قتل السيد الشهيد الصدر، ودفنه في مكان لا يعرفه الناس حتى لا يتحوّل قبره إلى مزار تستمدّ منه الناس العزيمة والقوة، ورحل إلى ربّه راضياً مرضياً شهيداً مضرّجاً بدمائه في سبيل الله والإسلام والأمة.
وقد انتقم الله لدمه المسفوح في سبيله حيث سقط نظام الطاغية صدام حسين في اليوم التاسع من نيسان عام ألفين وثلاثة وهو نفس يوم قتل الشهيد السعيد على يد طغاة النظام في العراق، وهكذا ينتصر الله لدماء الشهداء في سبيله ولو بعد حين ليكون ذلك عبرة لمن يعتبر.
فالسلام على الشهيد السعيد السيد الصدر يوم وُلد ويوم استُشهد ويوم يُبعث حياً، و سيأخذ قاتلوه العقاب من الله العزيز الجبّار المنتقم من الطغاة والظالمين.