الصفحة الرئيسية
حمزة بن عبد المطلب – بطل الإسلام -
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 2805
فالحمزة سيد مهاب من سادة قريش له مكانته الاجتماعية وله موقعه القيادي كونه من بني هاشم الذين كان سيدهم أبو طالب هو سيد قريش ومكة، وهو فوق ذلك فارس شجاع مقدام كانت تهابه الشجعان والفرسان، وكان المسلمون قبل إسلام الحمزة لا يجرؤون على إشهار إسلامهم وإظهاره بين الناس خوفاً من بطش سادة مكة الذين وقفوا في وجه الدين الإسلامي الوافد الجديد على حياتهم وطريقتهم في العيش، ولهذا تروي السيرة أنه بعد إسلام الحمزة جاهر الكثير من المؤمنين بإسلامهم لأنهم شعروا أنه قد صار لديهم من يحميهم من الأذى والظلم الذي كان يلحق بهم، وقد ورد أيضاً أن الكثير من رجالات بني هاشم وغيرهم صاروا يدخلون في هذا الدين تأثراً به وميلاً إليه.
والذي يبدو من قصة الحمزة أنه كان مؤمناً بهذا الدين قبل أن يظهر منه ذلك علانية، ولعل إخفاء إسلامه كان من أجل أن يلعب دوراً في تقريب الإسلام إلى العقول والقلوب آنذاك، حتى إذا جاء الوقت المناسب أشهر إسلامه، إلا أن قوم السوء الذين لم يتركوا النبي (صلى الله عليه وآله) بسلام وأمان، وكانوا يكيدون له ويتآمرون عليه ويسيؤون إليه بشتى أنواع الإساءة، والتي يبدو أن النبي (صلى الله عليه وآله) بسببها قد صار في وضع حرج جداً، كل ذلك هو الذي دفع بالحمزة إلى أن يُظْهِرَ إسلامه ليفهم الجميع ممن يهينون النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك، وليكون هذا الإعلان وسيلة من وسائل الدفاع عن رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله).
ولهذا كان لإسلام الحمزة ذلك التأثير الواضح الذي ذكره أرباب السيرة النبوية نظراً لموقعية حمزة في مجتمع قريش ومكة، مما منح المسلمين شعوراً بالأمان والعزة والقوة لم يكن ليحصل لو أسلم الكثير ممن ليست لهم تلك الموقعية في ذلك المجتمع.
وبعد هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة هاجر حمزة إليها أيضاً ليكون إلى جانب النبي (صلى الله عليه وآله) ليساعده وينصره، وأرسله (صلى الله عليه وآله) في أول سرية بعثها لقتال المشركين إلى منطقة يقال لها "سيف البحر"، وهذا التصرف من النبي (صلى الله عليه وآله) إن دل على شيء فهو يدل على الثقة الكبيرة والاطمئنان الذي كان يشعر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) تجاه عمه الحمزة رضوان الله عليه.
وقد لعب الحمزة دوراً مؤثراً وكبيراً في موقعة "بدر الكبرى" التي انتصر فيها المسلمون على قريش فقتل الصناديد والأبطال من قريش ومكة، ومضافاً إلى ذلك كان يحث المسلمين على القتال أيضاً ويقول (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل، فيُقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة)، وتنتهي معركة بدر لصالح جيش الإسلام في أول معركة حقيقية وكان لبطل الهاشميين وأسد الله ورسوله الدور الكبير في ذلك الإنتصار الذي سجله القرآن بقوله: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة "قلة").
ولكثرة ما وقع في كفار قريش من القتل صمموا على الانتقام، ولم يكن يشفي غليلهم إلا قتل واحد من ثلاثة "النبي (صلى الله عليه وآله) أو "علي" (عليه السلام) أو "الحمزة"، وجاءت المعركة التالية في "أحد"، فقام بعض الموتورين ممن قتل الحمزةُ أرحامهم في "بدر" بالطلب من "وحشي" وهو عبد لجبير بن مطعم بقتل الحمزة للحصول على حريته من الرق والعبودية وكانت ممن طلب منه ذلك أيضاً "هند بنت عتبة" التي قتل الحمزة عمها يوم "بدر".
ودارت رحى المعركة يومها في "أحد" والحمزة يصول ويجول بين صفوف الأعداء يجندل الأبطال والفرسان غير آبه بمن يواجه، بينما العبد "وحشي" يتحين الفرصة تلو الفرصة لقتله وقال " كنت أتهيأ له، أريده" وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني، وأنتظر اللحظة التي أرميه فيها بحربتي"، وهكذا إلى أن حانت الفرصة وإذا بوحشي يرميه بحربته ويصيب منه مقتلاً ويخر الحمزة صريعاً شهيداً في سبيل الله دفاعاً عن دينه ونبيه (صلى الله عليه وآله)، وإذا بخبر موته يُحزِن المسلمين ويُفْرح المشركين لأنه كان شديد القوة رابط الجأش يزرع الثقة والاطمئنان في نفوس الذين معه، وبعد شهادته تأتي تلك المرأة المجرمة "هند" فتشق جسده وتستخرج كبده لتأكل منه إرواءً لحقدها وكراهتها لأسد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) على ما فعله بأبطال قريش الكافرين.
ولذا يروى أن النبي (صلى الله عليه وآله) وقف عند مقتل عمه الحمزة وقال (رحمك الله يا عم، فلقد كنت وصولاً للرحم، فعولاً للخيرات...)، ولذا نزل قوله تعالى على النبي (صلى الله عليه وآله) بعد مقتل عمه: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين، واصبر وما صبرك إلا بالله).
وهكذا تنتهي حياة بطل من أبطال الإسلام فدى النبي (صلى الله عليه وآله) والدين بروحه وجاهد جهاد المخلصين الموقنين حتى فاز بدرجة الشهادة الرفيعة التي نسأل الله عز وجل أن يرزقنا إياها لنكون إلى جوار الشهداء عند حوض نبينا (صلى الله عليه وآله) في ظلال رحمة الله عز وجل.