الصفحة الرئيسية
مع الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 2384
ولذا نرى في الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمنقولة عن لسان الإمام الحسين (عليه السلام) تحذيراً وتنبيهاً للأمة من ترك المجال لمعاوية للوصول إلى مقام الخلافة :(إذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه)، ثمّ يعقِّب الإمام الحسين (عليه السلام) على هذه الرواية فيقول: (ولمَّا لم يفعل المسلمون ذلك ابتلاهم الله بيزيد) الذي هو نتاج سيّء الذكر من نتاجاتٍ كثيرة سيئة تركها معاوية عندما تسلَّم زمام الأمور باسم خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فالتلاعب بدين الله وأحكامه وقواعده وأصوله كان السبب الأهم من بين الأسباب التي أدّت إلى حالة الثورة التي أصبحت ضرورية جداً، بل لعلّ الثورة كانت السبيل الوحيد الذي انحصر به حماية الإسلام من أن يصبح أثراً بعد عين، وأن يتحوّل إلى مجرّد ذكرى من ذكريات التاريخ العام للإنسانية.
وحتى لا نستطرد كثيراً في عرض الأسباب التفصيلية التي قد تحتاج إلى مساحة أكبر من هذه المقالة نورد بعضاً من النصوص التي وردت عن الإمام الحسين (عليه السلام) والتي يوضح فيها أسباب ثورته بما لا يحتاج من أحدٍ إلى التوضيح أو الشرح، ومن تلك النصوص:
(... ويزيد رجلٌ فاسق فاجر، شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله)، ومنها أيضاً: (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاًًّ لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثمّ لم يغيِّر بقول ولا فعل كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله"، وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم – الأمويين - قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وإنّي أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))، وفي رسالةٍ بعثها يزيد إلى واليه في المدينة يقول له فيها: (أمّا بعد: فإذا أتاك كتابي هذا فعجِّل عليَّ بجوابه، وبيِّن لي في كتابك كلّ من في طاعتي، أو خرج عنها، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي (عليه السلام))، ولذا نجد أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) عندما أراد الخروج للثورة أوضح جانباً مهماً لا بدّ من الإشارة إليه وهو أنّ خروجه ليس من أجل استبدال الظلم بظلمٍ آخر أو الشر بشرٍ آخر، بل ثورته من أجل استئصال الظلم والشر كليهما من حياة المسلمين لتعود الأمة الإسلامية كما كانت في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمة العابدة الموحّدة لله عزّ وجلّ والمدافعة عن دينها بوجه الظالمين والمنافقين ولذا قال الإمام الحسين (عليه السلام): (ألا وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح).
والذي يؤكد هذا المعنى كثرة الرسائل الواردة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) من أهل الكوفة الذين لم ينصاعوا ليزيد ولم يرضخوا لبيعته، حيث نرى في كتبهم الكثيرة تلك إجماعاً على فساد الحكم الأموي وعلى مقدار الظلم الذي يحكمون به الناس، من اعتداء على الأنفس والأعراض والأموال وغير ذلك، ومن نماذج تلك الرسائل اخترنا الرسالة التالية :(... أمّا بعد: فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبار العنيد، الذي افترى على هذه الأمة فابتزّها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمَّر عليها بغير رضىً منها، ثمّ قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود، إنّه ليس علينا إمام فأقبِلْ لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن البشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام).
فهذه الرسالة وأمثالها تكشف عن العصيان المدني الذي قام به أهل الكوفة بسبب رفضها مبايعة يزيد نظراً لانحرافه وفسقه وإجرامه، بينما الحسين هو الوريث الشرعي لخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤهّل دون غيره لحاكمية الأمة وإصلاح أمورها.
هذا بنحوٍ موجز ما يمكن أن تتحمّله هذه المقالة عن الأسباب التي أدّت إلى تلك الثورة المجيدة التي طبعت تاريخ الإسلام بعدها بطابعها المميز ولا زالت تؤثر منذ زمانها إلى الآن في واقع المسلمين كما سوف نرى ذلك في المقالة التالية.
والحمد لله ربّ العالمين.