الصفحة الرئيسية
الإقتداء بأهل البيت (عليهم السلام)
- 15 شباط/فبراير 2014
- الزيارات: 5195
ولهذا يعتبر الإمام "قده" أنّ سيرة أهل البيت (عليهم السلام) مدرسة متكاملة على الصُّعد النظرية والإيمانية والعملية كافةً، وتؤمّن هذه المدرسة لمنتسبيها كلّ الأجوبة عن الإحتياجات التي تستلزمها مسيرة العاملين، سواء في مجال الإرتباط بالله وتنمية العلاقات الإيمانية والروحية، أو في مجال الفهم والإستيعاب لطروحات الإسلام في شتّى مناحي الحياة العملية، أو في مجالات التطبيق الواعي الذي يضع أمامه الأهداف الكبرى للإسلام ويحسن الإستفادة من الظروف القائمة وتجييرها لصالح ما يسعى إليه، أو على مستوى البذل والعطاء والجهاد والتضحية بالمال والنفس إذا اقتضت مصلحة الإسلام والأمّة ذلك.
من هنا كان الإمام "قده" يفتخر بالإنتماء إلى خطّ أهل البيت (عليهم السلام) من دون مواربة أو محاباة حتّى أنّه أثبت ذلك في وصيّته الخالدة للأمّة مبتدئاً بالتيمّن بذكر "حديث الثقلين" ويقول "قده" في هذا المجال: (نحن نفخر ويفخر شعبنا المتمسّك بالإسلام والقرآن بأنّنا أتباع مذهبٍ يهدف إلى إنقاذ القرآن من المقابر... نحن نفخر بأنّنا أتباع مذهبٍ وُضِعَتْ أُسُسه بأمرٍ من الله ورسوله الأكرم... نحن نفخر بأنّ من فيض إمامنا المعصوم كان نهج البلاغة... نحن نفخر بأنّ أئمتنا المعصومين بدءاً من علي بن أبي طالب وختماً بمنقذ البشرية الإمام المهدي "عج" هو حيٌّ يراقب الأمور بمشيئة الله... نحن نفخر بأنّ الأدعية وهي القرآن الصاعد وفيها الحياة إنّما هي من فيض أئمتنا المعصومين... نحن نفخر بأنّ مذهبنا جعفري، ففقهنا هذا البحر المعطاء بلا حد هو من آثار جعفر الصادق (عليه السلام)... نحن نفخر بجميع الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ونلتزم باتّباعهم... نحن نفخر بأنّ أئمتنا المعصومين (عليهم السلام) قضوا حياتهم سجناً ونفياً وتشريداً في سبيل رفعة الإسلام وتحقيق أهداف القرآن الكريم، وأحدها تأسيس الحكومة العادلة واستشهدوا في جهادهم لإسقاط حكومات الجور والطغيان في عهودهم...).
ولا شكّ أنّ هذا الإفتخار بالإنتماء إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لا يذكره الإمام "قده" لمجرّد التغنّي والتلطّي خلف ذلك التراث الرائع، وإنّما لكي يكون مُلهماً للحركة دافعاً للجهاد ووسيلة أساس من وسائل الإغتناء الإيماني والروحي والسلوكي المحفّز للسعي والعمل، وهذا ما يبيّنه "قده" عندما يتحدّث عن عيد الغدير وما يرمز إليه بالنسبة إلينا فيقول: (إحياء هذا العيد ليس من أجل الزينة وإنارة الأضواء... بل المهم هو أن نتعلّم كيف نتولّى... فالله تبارك وتعالى لم يجد بين البشر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من يستطيع إقامة العدالة بذلك النحو... فيأمر رسول الله حينئذ أن يُنصِّب أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي يملك إمكانية إجراء العدالة... ويملك إمكانية تشكيل حكومة إلهية...).
وأكثر ما يقف عنده الإمام الخميني "قده" من مسيرة أهل البيت (عليهم السلام) هي ذكرى عاشوراء بما تضجّ به من صور التضحية والفداء والبطولة والإستشهاد في سبيل الله، فيراها عنصراً إلهامياً لا ينضب عطاؤه عبر العصور، بل يزداد قوّةً وتأثيراً في الأتباع والأنصار والموالين لكي يكونوا على مستوى الإنتماء الرسالي والعقائدي والجهادي لعاشوراء الحسين (عليه السلام)، بل إنّه يرى أنّ من أسباب ديمومة الإسلام وبقائه هو ذلك العطاء الكبير الذي تجسد على أرض كربلاء كأروع صورة من صور البسالة والحماسة والإستشهاد في سبيل الله والعقيدة والأمّة، ويقول "قده": (لقد أغاث سيد الشهداء الإسلام وأنقذه... إنّ مجالس العزاء إنّما هي لحفظ دين سيد الشهداء... إنّ أولئك الذين يقولون لا تقيموا مجالس عزاء سيد الشهداء لا يفهمون ما هو دين سيد الشهداء...؟ ولا يعلمون أنّ هذا البكاء وهذه المجالس هي التي حفِظَتْ هذا الدين، لقد أنقذ الإمام الحسين (عليه السلام) الإسلام...).
بل إنّ الإمام "قده" يرى أنّ انتصار الثورة الإسلامية في إيران مدينةٌ بكلّ ما وصلت إليه للإمام الحسين (عليه السلام) وثورته، ويقول: (يجب علينا أن نعتلي المنبر كلّ يومٍ لأجل حفظ هذا الدين ولأجل حفظ هذه الثورة، إنّ هذه الثورات مدينة للإمام الحسين (عليه السلام)، ويرى أنّ الإستمرار في حفظ الثورة وديمومة بقائها مرهونٌ بمجالس العزاء ويقول: (... فنحن إنّما قمنا بالثورة من أجل إحياء شعائر الإسلام لا من أجل إماتة شعائر الإسلام، والإبقاء على عاشوراء حيّة هو موضوعٌ سياسي وعبادي مهم جداً، فإقامة العزاء من أجل شهيد أعطى كلّ شيءٍ في سبيل الإسلام مسألة سياسية، وهذه المسألة لها دورٌ كبير في دفع مسيرة الثورة إلى الأمام...).
ولهذا يرى الإمام "قده" أنّه كلّما كان الإسلام في خطرٍ من جانب الأعداء فيجب على المسلمين أن يمارسوا نفس الدور الحسيني في المقابل ويقول "قده": (في اليوم الذي يدرك فيه المسلمون احتمال أن يكون الإسلام في خطر فإنّ عليهم حينذاك أن يقوموا بنفس عمل الإمام الحسين (عليه السلام)، في اليوم الذي نحتمل فيه أنّ الإسلام في خطرٍ علينا جميعاً أن نضحّي، ويجب أن نبدأ العمل...).
من هنا تشكّل مجموعة كلمات الإمام "قده" دليلاً قاطعاً وجلياً على ضرورة أن يعود كلّ العاملين والمجاهدين والرساليين أن يستقوا من تلك السيرة النقية للأئمة (عليهم السلام) بشكلٍ عام، والتوقّف عند ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) بالخصوص، وأن يستفيدوا من تلك السيرة المشرقة في واقعهم العملي المتحرّك في مواجهة كلّ أعداء الأمّة من الكفّار والمنافقين، وهذا ما يحقّق أهداف الأئمة (عليهم السلام) في كلّ عصرٍ وزمان وأنّهم ما زالوا حاضرين (عليهم السلام) في عمق ساحات العمل والحوادث كمعلّمين ومرشدين إلهيين لمسيرة المجاهدين الملتزمين.
والحمد لله ربّ العالمين