الأحد, 24 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

دور الصدق

sample imgage

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً} و {الصدق لباس الدين} و (الصدق جمال الإنسان ودعامة الإيمان).

بعد هذا العرض الموجز للآية والروايتين تتبيّن لنا أهمية صفة الصدق في حياة الفرد المؤمن الذي ينبغي أن يتحلّى بالصفات الأخلاقية الحسنة التي تعكس التربية الإلهية الصحيحة المستقاة من شرع الله ودينه لعباده الذين أراد بهم ربّهم خيراً في الدنيا والآخرة.

فالصدق صفة من صفات الخالق تبارك وتعالى، ويريدها أن تكون صفة لعباده أيضاً، ومن هنا نجد أنّ النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ملقّباً بـ "الصادق الأمين" بين عشيرته وقومه، ولهذا نجد أنّ الله سبحانه قد مدح أنبياءه بهذه الصفة الجليلة فيقول عن إدريس (عليه السلام): {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً}، وكذلك عن إبراهيم (عليه السلام): {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً}، ولهذا نجد أنّ البعض من الأنبياء (عليهم السلام) كان يدعو الله ليجعله من هؤلاء، فهذا إبراهيم (عليه السلام) يقول في دعائه لربّه {واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين}، وكذلك عندما يحكي الله عن ذرية إبراهيم (عليه السلام) وإسحق ويعقوب فيقول: {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً}، وكذلك عن إسماعيل (عليه السلام) وهو غير ابن النبي إبراهيم (عليه السلام) يقول الله عز وجل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً}، ثمّ يعمّم الله وصف "الصدِّيق" وهو بمعنى المبالغة في الصدق إلى كلّ من آمن بالله عزّ وجل وصدَّق بما جاء به المرسلون من ربّهم وطبَّق ذلك في حياته من خلال فعله وقوله كما في ما يلي من الحديث :(عليكم بالصدق،فإنّ الصدق يهدي إلى البر، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويقرى الصدق حتّى يكتبَ عند الله صدّيقاً).

 

والصدق مطلوبٌ في مجمل حركة الإنسان "فعلاً وقولاً"، وبنحو مفصّل فهو مطلوب من المؤمن على مستوى "القول" لأنّ الكذب ليس من صفات المؤمن ولا من أخلاقه، لأنّ الكذب يبعد الإنسان عن الأخلاق الفاضلة والسليمة، وعلى مستوى "النية والإرادة" لأنّ صفاء النيّة هي بمعنى أن تصدق مع الله سبحانه فيما تنوي أن تفعله فلا يَدخل في نية العمل شيء لغير الله، وإلاّ لم يكن صادقاً فيما نوى، وعلى مستوى "العزم" فلا ينهزم أو يتراجع أو يتردّد عندما يكون العمل المنوي القيام به ممّا يرضى الله سبحانه عنه، وعلى مستوى "العمل" في كلّ أمور الإنسان في الإكتساب للمال، أو في التعامل مع الآخرين من حوله لأنّ الصدق هو الطريق لفتح القلوب أمام الصادق من خلال الثقة التي يكتسبها عند الناس بصدقه وأمانته، ولهذا فقد ورد في الحديث :(لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربّما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة)، فهذا الحديث وأمثاله يوضح لنا أن لا نغترّ بمن يكون كثير الصلاة والصوم إن لم يقترن ذلك بصدق الحديث مع الناس وأداء الأمانة ليكون الصدق كاشفاً عن أنّ عباداته لله وليست للنفاق أو المراء أو اكتساب ثقة الناس من أجل أغراض لا تنتسب إلى الله عزّ وجل.

من هنا فإنّ على المؤمن أن يبحث عن الصادق الأمين ليتّخذه أخاً له وصديقاً قريباً يتعلّم منه هذه الصفة الجليلة أو يقوّي إرادته وإيمانه على الإلتزام بها، ومن هنا ورد في الحديث: (الصديق أقرب الأقارب) أو (الصديق أفضل الذخرين)، حتى أنّه ورد أنّ الصديق الصادق يستغيث به أهل النار لتخفيف العذاب عنهم كما في قوله تعالى :{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ، وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ}.

ولأجل كلّ ما سبق ورد في بعض الروايات أنّ الإيمان هو "الصدق" كما عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (الإيمان أن يؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك)، أو أنّ (الصدق عماد الإسلام ودعامة الإيمان)، أو أنّ (الصدق رأس الإيمان وزين الإنسان).

فالصدق إذن هو باب نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة، كما أنّ الكذب هو باب الخسران للدنيا ثمّ الآخرة، ولهذا يقول الأمير (عليه السلام): (الصدق ينجيك وإن خفتَه، والكذب يرد بك وإن أمِنتّه).

من هنا ينبغي للمؤمن الملتزم أن يعيش الصدق والأمانة مع الله ومع الناس في مختلف ما يتعاطى به معهم من تجارةٍ أو مال أو أمانة حتى يعوِّد نفسه على هذه الصفة الجليلة التي تزيّن الإنسان وترفع من مقامه عند الله أولاً وعند الناس ثانياً ولو كان على حساب مصلحة قد تفوت أو بلاء قد يقع فيه، لكن فوات المصلحة أو الوقوع بالبلاء في الدين أهون بكثير لمن يصدق فيما لو لم يصدق حيث يُعرِّض إيمانه للخطر فضلاً عن اكتسابه للحرام والإثم واستحقاقه للعقاب الإلهي الذي أعدّه للكاذبين من العباد في النار وبئس القرار.

نسألك اللهم بحقّ محمدٍ وآل محمد أن تجعلنا من الصادقين وأن تحشرنا مع الصادق الأمين وآله الأطهار الميامين.

 

والحمد لله ربّ العالمين

  


"التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع، كما ولا يتحمّل الموقع

أي أعباء معنوية أو مادية إطلاقاً من جراء التعليقات المنشورة"


أضف تعليقاً


كود امني
تحديث