طاعة أولي الأمر في الإسلام 11
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2321
الأول- "القيادة": وذلك بتحوّل منصب الحاكم والولي على الأمة إلى منصبٍ دنيوي يتوارثه الأبناء عن الآباء، وهذا ما حصل منذ أن أخذ معاوية البيعة لولده يزيد، واستمرّ هذا الأمر طوال فترة الحكم الأموي، ثمّ من بعدهم إلى العباسيين الذين تعاملوا مع منصب حاكمية المسلمين على أنّه ملكٌ شخصي لهم يتوارثونه عن بعضهم البعض.
الثاني- "الأمة": التي لم ترتبط بقيادتها الإسلامية الأصيلة وسمحت للوصوليين بأن يديروا أمورها مع ما أنتجته تلك القيادات وجرَّته على الأمة من ويلات القتال والتحزّب والإنقسامات الخطيرة التي أنهكت الأمة، ومع كلّ ذلك لم تتمكن الأمة من جمع كلمتها لإرجاع الأمور إلى الصراط المستقيم وتسليم الأمر إلى المؤهّلين وهم "أئمة أهل البيت (عليهم السلام)".
وغياب الإمام "عج" الناتج عن هذين العنصرين كان بسبب جملة من الأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ الإمام الثاني عشر هو المكلَّف بالمهمة الإلهية الكبرى ولذا كان خلفاء بني العباس يترقّبون ولادته لحظة بلحظة للتخلّص منه للحفاظ على ملكهم وسلطانهم، ولهذا نجد في طريقة ولادة الإمام المهدي "عج" أمراً إعجازياً من حيث حَمْل أمه له ثمّ ولادته بعيداً عن أعين جواسيس السلطة ومراقبيها الذين كانوا يحاصرون الإمام العسكري (عليه السلام) ليل نهار بانتظار ولادة ذلك الإمام المنوط به تلك المهمات والمسؤوليات الكبيرة.
ولكن بما أنّ الغياب المفاجىء كان يمكن أن يحدث خللاً كبيراً عند الأتباع الصادقين والمخلصين لخط الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، كان لا بدّ من وجود وسيلة يتمكّن فيها الإمام المهدي "عج" بعد وفاة والده الإمام العسكري (عليه السلام) وبعد غيابه من الإتصال بالقواعد الجماهيرية المؤمنة بحقّهم، ومن هنا كانت فكرة "السفارة" أو "النيابة الخاصة.. التي دامت من سنة مئتين وستين للهجرة إلى سنة ثلاثماية وثمان أو تسع وعشرين، وعبر أشخاص محدّدين معروفين بأسمائهم كان الإمام "عج" يعيِّن الواحد منهم تلو الآخر، وذلك لأجل تحقيق هدفين:
- الأول – تعويد الناس على فكرة غياب الإمام الحجة الأصل عن الأنظار، لأنّ المؤمنين بالأئمة (عليهم السلام) كانوا معتادين على التواصل المباشر معهم وأخذ ما يحتاجونه من دون وسطاء.
- الثاني - توجيه الناس إلى الإرتباط في زمن الغيبة الصغرى بالسفراء نظراً لوجود المواصفات التي تؤهّلهم للقيام بالأدوار التي كان الأئمة (عليهم السلام) يقومون بها ولو بنسبةٍ أقل من النسبة التي كان يحقّقها عمل الإمام الأصل.
ونظراً لأنّ هذين الهدفين لم يكن من الممكن تحقّقهما بفترةٍ قصيرة بسبب قساوة الظروف زمن الحكم العباسي وتشديده على الأئمة (عليهم السلام) وأتباعهم، احتاج إيصال هذين الهدفين إلى أتباع الأئمة (عليهم السلام) تلك الفترة الطويلة التي استمرّت ما يقرب من ثلاثة أرباع قرن، وتولّى السفارة خلالها أربعة سفراء معروفين بأسمائهم الخاصة وهم:
1 – أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري.
2 – أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري.
3 – أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي.
4 – أبو الحسن علي بن محمد السَّمري.
وبشكلٍ عام يمكن القول إنّ الولاية العملية للفقيه نشأت مع أول تعيين من الإمام المهدي "عج" لأول سفير عنه، لأنّ وظيفة السفير كانت في استلام ما يحتاجه الأتباع من أجوبة وحلول عن استفساراتهم ومشاكلهم، وكان السفير ينقلها بدوره بطريقةٍ متفقٍ عليها مع الإمام (عليه السلام)، ثمّ يأتي الجواب حاملاً توقيعه الشريف.
ولا شكّ أنّ أولئك السفراء لم يكونوا من الناس العاديين فقط بل كانوا من الضليعين بالإسلام والعارفين به والمؤتمنين عليه، ولذا نرى أنّه بعد أن نضجت فكرة عدم الرجوع إلى الإمام الأصلي في كلّ الأمور والقضايا خلال تلك الفترة واعتاد أتباع الأئمة (عليهم السلام) عليها، لم يوصِ الإمام المهدي "عج" إلى أحدٍ بعد وفاة السفير الرابع، وكان هذا إيذاناً ببداية مرحلة "الغيبة الكبرى" التي ما زلنا نعيش في رحابها وأجوائها، وانتقلت الولاية في هذه المرحلة إلى الفقيه العادل الجامع للشرائط المعتبرة فيه إسلامياً.
ما هو معنى ولاية الفقيه؟ وما هي الأدلة عليها؟ وما هي حدودها؟ وهل هي ثابتة لكلّ فقيه؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في المقالات القادمة إن شاء الله العلي القدير.
والحمد لله ربّ العالمين .