عقوبة السرقة في الإسلام 2
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3645
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم )، وقال تعالى ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن...) ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن فبايعهن واستغفر لهم الله) وجاء في الحديث الشريف ( لا يزال العبد يسرق حتى إذا استوى دية يده أظهره الله عليه ) الإمام الرضا (ع) وكذلك ورد في الحكمة من تحريم السرقة (حرم الله السرقة لما فيه من فساد الأموال وقتل النفس لو كانت مباحة ولما يأتي في التغاصب من القتل والتنازع والتحاسد، وما يدعو إلى ترك التجارات والصناعات في المكاسب ، واقتناء الأموال إذا كان الشيء المقتنى لا يكون أحد أحق به من أحد ... ).
وأما معنى السرقة الموجبة للحد الشرعي فلها معنى لغوي ومعنى شرعي، فالمعنى اللغوي للسرقة هو " أخذ الشيء من الغير على وجه الخفية والإستمرار " وأما المعنى الشرعي فهو (أخذ مال محترم وإخراجه من حرز مثله لا شبهة له فيها على وجه الاختفاء ).
ومن دون أن يكون للسارق حق في ذلك المال المسروق.
وأما عن المقدار المسروق من المال الموجب للقطع فهو ما يبلغ مقداره ( ربع دينار من الذهب الخالص).
والدينار الشرعي يبلغ وزنه (3.6 غ) فيكون ربع الدينار ( 0.9 كلغ ) فإذا سرق هذا المقدار من المكان الموجود فيه، والذي لا يصل إليه إلا صاحبه، فهذا المبلغ يوجب حد السرقة الذي سوف نبينه في كلام لاحق ، وما دل على أن هذا المقدار هو الموجب للحد ما ورد عن النبي (ص) (لا قطع إلا في ربع دينار) وكذلك ما ورد عن الإمام الصادق (ع) رداً على أحد أصحابه حين سأله عن المقدار المسروق الموجب للحد فقال الإمام (ع) ( في ربع دينار) فقال له صاحبه: قلت له في درهمين؟ قال الإمام (ع) (في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ) قلت له أرأيت من سرق أقل من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق، وهل هو عند الله سارق؟ فقال (ع) (كل من سرق من مسلم شيئاً حواه وأحرزه فهو يقع عليه اسم السارق وهو عند الله سارق ولكن لا يقطع إلا في ربع دينار أو أكثر، ولو قطعت أيدي السراق فيما أقل من ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطعين).
وأما الشروط الشرعية لإقامة الحد الشرعي على السارق فهي التالية:
أولاً: البلوغ ومعناه أن يكون السارق مكلفاً شرعاً بأحكام الإسلام ذكراً كان أو أنثى، أما لو كان السارق غير بالغ ففيه تفصيل عند الفقهاء وفق الروايات من أهمها أن يُعفى عنه في المرة الأولى ثم يؤدب في السرقة الثانية وفي الثالثة تحك أصابعه حتى تدمى، وقد جاء في الرواية عن الإمام الصادق (ع) (يعفى عنه مرة، ومرتين ويعزر في الثالثة).
ثانياً: العقل أي أن يكون السارق ذا عقل وليس مجنوناً لأن المجنون غير مكلف بأحكام الشريعة لسقوطها عنه.
ثالثاً: الاختيار: أي أن يكون السارق قد سرق بإرادته وحريته واختياره ولم يكرهه أحد على ذلك الفعل المحرم شرعاً.
رابعاً: عدم الاضطرار : أي أن لا يكون هناك حالة معينة هي التي دفعته واضطرته إلى السرقة كما لو سرق ليأكل إذا كانت هناك مجاعة في البلد كما في أزمنة الحروب العامة حيث تقل أو تنعدم المواد الغذائية وما شابه ذلك ، ولذا جاء في الرواية عن الإمام الصادق (ع) (لا يقطع السارق في عام سنة يعني عام المجاعة).
خامساً: أن يكون السارق هاتكاً للحرز أي أنه أخذ الشيء المسروق من المكان الذي يُحفظ فيه عادة كالمال الموجود في خزانة خاصة أو كالذهب والفضة أو غيرهما من المسروقات التي تؤخذ من الأماكن التي توضع فيها بحسب العرف العام عند الناس.
سادساً: أن تكون السرقة قد حصلت في السر كما هو الغالب في حالة السرقة حيث تتم ليلاً حيث الناس نيام أو موجودون خارج بيوتهم، أما لو كانت السرقة ظاهرة وعلنية فلا يقام عليه حد السرقة وإن كان ما فعله حراماً وموجباً للعقاب بما يراه الحاكم الشرعي مناسباً للشيء المسروق.
وأما كيفية إثبات السرقة الموجبة للحد فهو يثبت بإقرار السارق مرتين، كل مرة تعتبر كشاهد أو من خلال البينة الشرعية وهي الشاهدان العادلان أي الملتزمان بفعل الواجبات وترك المحرمات ، ويجب أن تكون شهادتهما متطابقة مع بعضها البعض، وقد ورد في الرواية عن أحد الإمامين الباقر أو الصادق عليهما السلام (ولا يُقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين، فإن رجع عن إقراره ضمن السرقة ولم يقطع إذا لم يكن شهود) لأنه مع وجود الشاهدين لا ينفع الإنكار ولا يفيد لأن البينة مقدمة عليه.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإقرار يجب أن لا يكون تحت الضغط أو التهديد أو التعذيب وإلا كان إقراره باطلاً ولا تجوز إقامة الحد عليه كما جاء في الرواية عن أمير المؤمنين (ع) ( من أقر بحد على تخويف أو حبس أو ضرب لم يجرِ عليه، ولم يحد ) وفي رواية أخرى عنه (ع) أيضاً (أنه أتي برجل اتهم بسرقة، أظنه خاف عليه أن يكون إذا سأله تهيب سؤاله فيقر بما لم يفعل ، فقال (ع) له: أسرقت؟ قل "لا" إن شئت "فقال: "لا ..، ولم يكن عليه ببينة، فخلى سبيله)، وهذا يدل على رحمة الإسلام وعدالته وأنه لا يعاقب أحداً من باب الافتراء عليه من خلال أخذ إقراره بالتهديد أو التعذيب كما يحصل في الكثير من دول العالم اليوم.
وأما حد السارق فهو "القطع " وهو تراتبي وفقاً لعدد المرات التي قامت البينة عليه أو أقر السارق بالسرقة، وكل حدٍ من حدود السرقة لا تثبت فيه عقوبة القطع إلا بعد أن يكون الحد قد اقيم عليه في المرتبة السابقة عليها، ولا يجوز تكرار القطع التراتبي بسبب إقرار واحد أو بينة واحدة على أكثر من سرقة واحدة. كما جاء في الرواية عن الإمام الصادق (ع) (من سرق ثم تنحى، فلم يُقْدَر عليه حتى سرق مرة أخرى فأخذ، قال: (ع): (تقطع يده، ويضمن ما أتلف).
والتراتبية في حد القطع عند السارق هي على النحو التالي:
أولاً: السرقة الأولى إذا ثبتت عند الحاكم الشرعي بالبينة أو بالإقرار مرتين تقطع أصابع يده اليمنى الأربعة ويترك الكف والإبهام لكي يبقى قادراً على الوضوء والمسح.
ثانياً: السرقة الثانية إذا ثبتت كذلك يتم قطع رجله اليسرى من جهة كعب القدم، ويترك له عقب الرجل ليبقى قادراً على الوقوف.
ثالثاً: السرقة الثالثة إذا ثبتت كذلك يتم حبسه حتى الموت.
رابعاً: السرقة الرابعة وهي فيما لو سرق وهو محبوس فحينئذ حكمه هو القتل، وما دل على هذه التراتبية في إقامة الحد على السارق ما ورد في الروايات عن المعصومين عليهم السلام ومنها:
الرواية الأولى: عن الإمام الصادق (ع) (قال: القطع من وسط الكف ولا يقطع الإبهام، وإذا قطعت الرجل تُرك العقب لم يقطع) .
الرواية الثانية: عن الإمام الصادق (ع) عندما رد على أحد أصحابه حين سأله عن المقدار المقطوع فقال (ع) (إن القطع ليس من حيث رأيت يقطع، إنما يقطع الرجل من الكعب ويترك من قدمه ما يقوم عليه ويصلي ويعبد الله . قلت له: من أين تقطع اليد؟ قال: تقطع الأصابع الأربع ويترك الإبهام ويعتمد عليها في الصلاة ويغسل بها وجهه للصلاة ).
الرواية الثالثة : معتبرة سماعة بن مهران قال (إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكف، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع السجن، فإن سرق في السجن قُتل).
وقد علل الإمام الصادق (ع) السبب في قطع أصابع اليد اليمنى ومن وسط القدم في الرِجل اليسرى فقال ( إذا قطعت رجله اليمنى ويده اليمنى سقط على جانبه الأيسر ولم يقدر على القيام، فإذا قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل واستوى قائماً...).
هذا بنحو الإجمال الكلام حول حد السرقة الموجبة للقطع، وهو التطبيق العلمي للآية الكريمة (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم).
من هنا نسأل الله أن يعيننا على التقليل ما أمكن من أمثال هذه السرقات المحرمة والموجبة لهذا العقاب الشديد والذي سيحمله معه الإنسان طوال حياته لو سرق وأقيم عليه الحد.
والحمد لله رب العالمين