حرمة المخدرات في الإسلام
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3091
من الواضح جداً أن الشريعة الإسلامية هي المتكفلة ببناء شخصية الإنسان المسلم بما يتوافق مع أغراض وأهداف خلق الإنسان ليكون خليفة الله في الأرض، ويترتب على هذا الأساس أن الله سبحانه قد أوضح للإنسان من خلال أحكام الإسلام كل ما هو مباح له وكل ما هو محرم عليه، لأن المباح للإنسان يقربه إلى الله عند فعله، ولأن المحرم يبعده عن الله عند فعله، ولذا أمر الله المسلمين بالإقتداء بالنبي الأكرم (ص) في كل ما أمر به ونهى عنه حيث قال في القرآن (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، وقد شرح النبي (ص) هذه الآية فقال (من من شيء يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما من شيء يبعدكم عن الله إلا ونهيتكم عنه).
وقد أبدع الله في صنع الإنسان وخلق له العقل الذي من خلاله يميز بين الحسن والقبيح وبين الخير والشر، وجاء في الحديث أن الله أول ما خلق هو "العقل" فقال له "أقبل، فأقبل، ثم قال له"أدبر"، فأدبر، فقال عز وجل بعد ذلك (بك أثيب وبك أعاقب).
ثم بعد ذلك ترك الله الخيار للإنسان في السلوك الذي يسلكه في الحياة الدنيا وجعله مسؤولاً عن نتيجة السلوك الذي اختاره كما قال سبحانه (إنا هديناه النجدين إما شاكراً وإما كفوراً) وقال عز وجل (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره).
من هنا فالإنسان هو المسؤول عن حياته من حيث العقيدة التي يختارها أو السلوك الذي يتبناه ويسير عليه ولا يمكنه أن يحمّل غيره المسؤولية لأن الله يقول عز وجل (ولا تزر وازرة وزر أخرى) حتى لو فرضنا أن الغير هو الذي أوصل من أساء الاختيار إلى سور القرار.
من هذه المقدمة ندخل إلى موضوع حرمة المخدرات في الإسلام فنقول إن هذه الآفة التي صارت ظاهرة عالمية لا يخلو منها بلد في العالم، وكل دول العالم تعاني من أخطارها وأضرارها ومفاسدها، وكل دولة تشرع القوانين وتضع الأنظمة المشددة من حيث العقوبات على المتعاطين للمخدرات والمتاجرين بها، ولكن مع كل ذلك نرى أن هذه الظاهرة لا زالت موجودة، بل هي في حالة تنامٍ مستمر في دول العالم الغنية منها والفقيرة على حد سواء، وقد ورد في بعض التقارير الإقتصادية أن حجم ونسبة التجارة بالمخدرات والدعارة والقمار تساوي خمسة عشر بالمئة من حجم التجارة العالمية، وهذا مؤشر خطير على مدى انتشار الظواهر المحرمة في العالم اليوم، وهي التي تلعب دوراً خطيراً في هدم النظام الأخلاقي والتربوي والسلوكي عند أبناء دول عالمنا المعاصر.
من هنا نقول بأن الإسلام حرم المخدرات مع أن هذه الكلمة أو هذا العنوان لم يرد ذكره، لا في القرآن ولا في الأحاديث المروية عند عموم المذاهب الإسلامية، إلا أن القرآن وكذلك السنة النبوية ورد فيهما من الآيات والروايات التي تشكل قواعد أساسية يمكن الرجوع إليها في التحريم أو التحليل لكل ما يستجد في حياة البشر، وعدم ذكر المخدرات إنما كان لعدم ابتلاء المجتمعات السابقة بهذه الآفة الخطيرة، وليس كالخمر الذي ورد ذكره في القرآن لأنه كان محل ابتلاء المجتمعات البشرية منذ زمن الإسلام وما قبله وما بعده حتى عصرنا الحاضر.
ومن الآيات المهمة التي تشكل قاعدة عامة يمكن الاستناد إليها لتحريم المخدرات هي (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)، فالقاعدة هنا هي "تحليل الطيبات وتحريم الخبائث" ، ولا شك أن المخدرات هي من الخبائث، والخبيث هو الأمر المكروه والمستنكر عند الناس العقلاء ويرفضونه ويأبون عن التعامل به سواء كان مما يؤكل أو يُشرب أو غير ذلك مما كانت مفاسده وأضراره واضحة وجلية، والطيبات هي الأمور المباحة التي لا تنفر النفس منها ويتعاطاها الناس العقلاء ويبذلون المال لشرائها واقتنائها وسواء كانت من المأكول أو المشروب أو غير ذلك.
وأما من السنة النبوية فهناك الحديث المشهور شهرة عظيمة لدى عموم المذاهب الإسلامية وهو حديث (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) حيث يدل هذا الحديث على حرمة كل ما فيه ضرر على الإنسان، ويكون الضرر متيقناً ومؤكداً وواضحاً، ومن المعلوم أن ضرر المخدرات لا شبهة فيه ولا شك يعتريه باعتراف كل أهل الخبرة في العالم من علماء الطب والاجتماع والنفس حيث يعترفون بأن تعاطي المخدرات قد تصل أضراره إلى حد أن يقتل شارب المخدر نفسه بجرعة زائدة عن المقدار المتعارف تناوله.
وأصل كلمة "المخدرات" من فعل "خدر"أي "ستر" أو "غطّى" ولذا يقال للمرأة المرتدية كامل لباسها الشرعي المطلوب بأنها "مخدرة" أي مستترة عن الناس الذين لا يحل لهم النظر إليها، وعلى هذا يتشابه فعل "خدر" مع حفل "خمر" أي "ستر" أيضاً، وهذا يعني أن المخدر والخمر يفعلان بالإنسان نفس الفعل حيث يغطيان فاقداً على عقل الإنسان فيتعطل العقل عن العمل ويصبح الإنسان في حالة التخدير والسكر أيضاً فاقد للقدرة العقلية التي تجعله متوازناً في فعل وقوله، وإذا فقد القدرة العقلية صار جاهزاً لإرتكاب المعاصي والمنكرات والفواحش ويصبح كالتائه لا يدري كيف يسير وإلى أين، ولا ماذا يفعل، فيخرج في هذه الحالة عن إنسانيته وما ترمز إليه من المثل والقيم والمبادئ والسلوك المتزن، بل إن المتعاطي للمخدرات نراه يصبح منبوذاً من القريب والبعيد، وتتجنبه الناس لكونه يشكل خطراً عليهم، ولا نغالي إذا قلنا إن فقدان العقل عند مدمن المخدرات أشد ضرراً على المجتمع من مدمن الخمر، ولذا نرى أن فقهاء المذاهب الإسلامية الأخرى أفتوا بحرمة المخدرات قياساً على حرمة الخمر لأن مفاسدهما وأضرارهما متشابهة ومتقاربة، ولا يبعد أن يكون هذا الكلام مقبولاً لأن علة التحريم في الخمر وهي "الإسكار" موجودة في المخدرات أيضاً، لأن الإسكار هو بمعنى "ذهاب العقل وفقدان حالة التوازن" ، بل قد يقال بأولوية تحريم المخدرات لأن مفاسدها أشد وأخطر على الفرد والمجتمع معاً.
وإذا ثبت أن تعاطي المخدرات حرام شرعاً لانطباق القاعدة القرآنية والقاعدة النبوية على كونه من الخبائث ومن مسببات الضرر الشديد على الإنسان، فيصبح بالتالي مما يحرم المتاجرة به بيعاً وشراءًا وهبة وكل أنواع المعاملات، والمال الذي يدفعه المشتري إلى بائع المخدرات لا يملكه وهو من المال المحرم الذي تنطبق عليها الآية القرآنية (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)، لأن القاعدة الشرعية عند المذاهب الإسلامية عامة أنه (إذا حرم الله شيئاً حرّم ثمنه).
وقد ذهب بعض فقهاء المسلمين إلى أن المدمن للمخدرات يقام عليه حد السكر وهو "الجلد ثمانون جلدة" وهذا ما لا يقول به مذهب الإمامية لأن الراجح عندنا أن حرمة المخدرات هي من باب الضرر وعقوبته هي "التعزير" إما بالجلد أو الحبس مضافاً إلى محاولة علاجه من حالة الإدمان بحيث يعود إنساناً سوياً كالآخرين عندما يخرج من السجن.
وأما المروج للمخدرات فحكمه هو "القتل" لانطباق عنوان "المفسد في الأرض" على مثل هذا الإنسان الذي ليس له ضمير ولا وجدان ويسعى لترويج هذه المادة الفاسدة والمفسدة والمدمرة لحياة الإنسان، بل إن خطر مروج المخدرات على المجتمع أشد من خطر القاتل للنفس المحترمة، لأن القاتل قد يقتل فرد أو عدداً محدوداً منهم، بينما مروج المخدرات قد يقتل شعباً بأسره، ويفسد مجتمعاً بأكمله طمعاً في الربح السريع والكبير الذي يجنيه من هذه التجارة المحرمة شرعاً، ولذا نجد أنه في الجمهورية الإسلامية في إيران تحكم على مروجي المخدرات بالإعدام، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على شدة الخطورة المتأتية على كل من الفرد والمجتمع، لأن شيوع التعاطي يجعل المجتمع فاقداً لعوامل الأمن والسلامة على النفس والعرض والمال والشؤون الشخصية والعامة.
وإذا ثبت أن المخدرات حرام، فبالتالي يكون إنتاجها محرماً بسبب مفاسدها وأضرارها غير الخافية على الناس، وإن كان هناك حاجة إلى أنواع معينة منها لاستعمالها في الحالات الطبية للعلاج، فيمكن للدول أن تسمح بزراعة مساحة محدودة وتحت رقابة الجهات المعنية في كل دولة تحتاج إليه، ويجب أن تكون الرقابة مشددة في كل المراحل من الزراعة إلى الحصاد إلى الإنتاج، ووصولاً إلى مراكز العلاج التي تحتاج إلى مثل تلك المواد لاستعمالها كما هو الغالب في العمليات الجراحية أو تخفيف الآلام الناتجة عن بعض الأمراض ذات الأعراض الشديدة الألم والمعاناة.
ولا شك أن استعمال بعض المخدرات في العلاجات الطبية هو نوع من الضرورة التي تنطبق عليها القاعدة القرآنية (إلا من اضطر غير باغ ولا عادٍ فلا إثم عليه)، وهذا المقدار الضروري يخرج عن حدود التحريم ولكن مع الضوابط التي ذكرناها.
أما إذا أردنا أن نبحث عن الأسباب في انتشار ظاهرة المخدرات فيمكن أن نلحظ وجود عوامل عديدة ساعدت وتساعد على انتشار هذه الآفة، ومن تلك الأسباب:
أولاً: ضعف الالتزام الديني، وهذا الضعف يؤدي بالإنسان إلى الوقوع في مصيدة الأفعال المحرمة بأقل الجهد من المتربصين بالمسلم شراً، ولذا فإن التحصين الديني القوي يحمي الإنسان من الوقوع في حبائل ومكائد المروجين أو المدمنين على المخدرات.
ثانياً: تقليد الثقافة الغربية في مجتمعاتنا، حيث أن تعاطي المخدرات منتشر بكثرة في دول العالم الغربي خصوصاً أن العقوبات ليست متشددة على المتعاطين، ومن أهم وسائل التقليد هي الإعلام المرئي من أفلام ومسلسلات تتضمن الكثير من مشاهد تعاطي المخدرات التي تشجع البعض من أبناء مجتمعاتنا الإسلامية على تقليد أولئك فيما يفعلون سواء كان مقبولاً هذا التصرف أو لا.
ثالثاً: رفقة السوء: وهذا ما نلاحظه عند العديد ممن يتعاطون المخدرات حيث يعترفون بأن السبب هو زملاؤهم وأصدقاؤهم الذين قد يكون البعض منهم من المتعاطين لهذه الآفة وبالتالي يشجعونهم على الابتلاء بها حتى يصبح مدمناً وغير قادر على التخلي عنها.
رابعاً: البطالة: وهي من الأسباب الرئيسة التي تدفع بالشباب إلى تعاطي المخدرات للهروب من الواقع كما يتوهمون حيث يعيشون النشوة الآنية بينما هم في الحقيقة يقعون في فخ لا خروج منه إلا برحمة الله عز وجل وبعلاج قد يأخذ وقتاً معتداً به من حياة الإنسان.
خامساً: سهولة الوصول إلى تجار المخدرات ومروجيها، حيث لا تخلو منطقة من المناطق في عالمنا الإسلامي أو في غيره من هؤلاء الذين يبيعون المخدرات بأنواعها الطبيعية أو المصنعة، خصوصاً أن الكثير منها رخيص الثمن نوعاً ما مما يشجع بالتالي على تعاطيها والإدمان عليها.
ومن الملاحظ أن هذه الظاهرة منتشرة بنسبة كبيرة بين من هم في سن الشباب أي في سن العمل والإنتاج، وهذا الأمر يفقد المجتمع جزءًا من قوته الإنتاجية والعاملة، لأن المجتمع إنما يقوم أساساً على هذه الفئة القادرة على القيام بكل ما يحتاج المجتمع إليه، مضافاً إلى أن الشباب قد يكونون أسرع استجابة للإدمان على المخدرات من المتقدمين في السن للأسباب التي ذكرناها.
من كل ما سبق فنحن كدعاة إلى الخير والصلاح والمطلوب منا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر علينا أن نقوم بواجبنا الشرعي في تبيان مضار ومفاسد هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة من جهة، والتعاون مع لجان حكومية وأهلية لتأسيس أماكن لعلاج المدمنين، ودعوة دولنا الإسلامية إلى محاربة المتاجرين بها والمروجين لها وإنزال أشد العقوبات بالمتسببين في انتشارها وهي عقوبة الإعدام لأن المروجين هم محاربون لله ورسوله (ص) ومفسدون في الأرض والمفسد عقابه القتل.
لكن يبقى أن العلاج الأهم هو تقوية الرادع الديني عبر تقوية الإيمان خصوصاً في نفوس الشباب والشابات لاستئصال أصل المشكلة بدلاً من معالجة آثارها الضارة لأن الحديث يقول "درهم وقاية خير من قنطار علاج" وعلى قاعدة "أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة".
وأخيراً نسأل الله أن يحمي شبابنا ومجتمعاتنا الإسلامية من خطر هذه الآفة الخطيرة والفاسدة والمفسدة والمدمرة، وأن تتعاون كل الأيادي الخيّرة على نشر الوعي الديني والثقافي والاجتماعي لكي تبقى مجتمعاتنا سائرة نحو الأهداف الشريفة والنبيلة التي يطمح إليها كل شعب في العالم وخصوصاً نحن.
والحمد لله رب العالمين