المسؤولية تجاه الرأي العام
- المجموعة: مقالات اجتماعية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1963
قال الله تعالى في محكم كتابه: ( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنّة إن هو إلا نذير لكم...) من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الأشخاص الرساليين الملتزمين هو أن يمارسوا دور التوضيح للأمور والإنارة للرأي العام بالطريقة التي تصحح المسار وتزيل عن الأذهان التوجهات والأفكار الخاطئة أو المنحرفة التي يسعى الآخرون من مواقعهم المختلفة لإلهاء الناس بها تحقيقاً لمآرب وأهداف قد لا تخدم ـ كما هو الواقع ـ التوجهات الأصلية. وفي الآية الكريمة دعوة واضحة إلى الجميع لكي لا يؤخذوا بهذه الأجواء التي قد تصل في أحيان كثيرة إلى الحد الذي ينساق فيه الناس لكي يقفوا في مواجهة دعوة الحق وجنوده ومناصريه، وأن عليهم أن يأخذوا وقتاً لأنفسهم ليفكروا بروية وهدوء وتمعن، لأن الصخب الذي قد يشيع حول الكثير من القضايا قد يدفع بالرأي العام لكي ينجر عاطفياً وبلا إعمال إرادة إلى تأييد الواقع على ما هو عليه ـ مع ما فيه من الأخطار ـ لمجرد التوهم أن الغالبية هي مع هذا التوجه، ولا يعقل أن يكون على خطأ أو
على خلاف المصلحة العليا. إن هذا النحو من الإنسياق أو الإستسلام الفكري قد يؤدي إلى أن يقع الرأي العام فريسة الآراء والأفكار التي قد لا تصب في مصلحته، ولهذا تطلب الآية أن يمارس الناس دور الرقابة الذاتية في كل ما يطرح أمامهم من حيث تحليل القضايا المطروحة ومعرفة أبعادها ونتائجها التي هي من صميم اهتماماتهم باعتبار أنهم المخاطبون المقصودون بتلك القضايا التي يراد لها أن تستقر في عقولهم ليتطبعوا بها ويؤسسوا أعمالهم على ضوئها. كما تشير الآية بوضوح إلى ضرورة النظر المتأمل بمن يطرح تلك القضايا، والتمعن في مسيرته وشخصيته وأهدافه حتى لا نسقط أسرى الشعارات التي قد تجرفنا بعيداً عن الحق وطروحاته وأهله، لأننا بذلك سوف نقدم خدمة مجانية لأصحاب الأهداف الخبيثة، لأن الشعارات عندما تطرح فهي لا تلقى جزافاً وبشكل عشوائي، وإنما من أجل غايات ومصالح، وهذا ما يشكّل حافزاً ودافعاً كافياً للناس للتأمل والاحتكام إلى العقل لا الإنفعال في محاولةٍ لإستكشاف الخلفيّات التي تنطلق منها كل الشعارات المطروحة. والعصر الذي نعيش فيه حالياً هو ( عصر الإعلام ) الذي دخل إلى كل بيت، وصار محل الاعتماد الأساسي عند الناس لاستقاء المعلومات حول كل القضايا الخطيرة منها والحقيرة على حد سواء، ولا شك أن هذا الإعلام بما له من قوة تأثير يلعب دوراً سلبياً كبيراً جداً إذا كان المسيطر عليه والمدير له لا ينطلق من عمق القضايا الحساسة التي تهم حياة الناس ومصيرهم، مما يعني أن يكون هناك إعلام ملتزم بالقضايا الأساسية ليعمل دائماً على التوضيح والإنارة لكي لا يقع الرأي العام فريسة ذلك الإعلام الموجّه بشكل يخالف التوجه المفترض أن يكون للرأي العام في مواقعه وأفعاله. والقرآن في هذا الطرح يتعامل مع الأمور بواقعية مميزة، وذلك لأن الرأي العام عندما يُتْرك لاصحاب الأطماع والأهداف التي لا تخدم مسيرة المجتمع بإخلاص سوف يقع فريسة سهلة بيد هؤلاء نتيجة الانجرار وراء الأجواء التي يثيرها مثل هذا الإعلام الموجّه. من كل هذا ينبغي على العلماء الرساليين عندما يريدون مواجهة واقع كهذا أن لا يعيشوا الاستسلام، وأن لا يسود التهاون عملهم في الرد القادر على احتواء تلك الطروحات، وعليهم أن يستعملوا كل الوسائل المقامة من أجل تنوير الرأي العام ودعوته إلى النظر ملياً في كل ما هو مطروح، وهذا الإصرار والتكرار من العاملين لعله مما ينبغي أن تدفعنا إليه الآية الكريمة القائلة: ( وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين )، حيث إن الناس قد تنساق نتيجة عدم التوقف عند القضايا الطروحة، وعدم إعمال النظر فيها جيداً، فيحتاجون في المقابل إلى من يذكّرهم دائماً بضرورة التمهل في قبول ما يلقى إليهم ليأخذوا منه ما هو مفيد لهم ونافع، أو فيه ضمانة الاستمرار في التوجه الأصيل للمجتمع، دون القضايا الأخرى التي تدفعهم الى أن يصبحوا هامشيين من حيث طريقة التعامل مع القضايا الأساسية، فيما يعطون الاهتمام والرعاية للقضايا الثانوية التي لا تعبر عن جوهر المجتمع وتوجهه الحقيقي. والحمد لله رب العالمين