الإرتداد ـ الدلالات العامة والأحكام الفقهية ـ
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2622
من المتفق عليه عند المسلمين عامة، حرمة التعرض للمقدسات الدينية بأي نوع من الإساءة المادية أو المعنوية، خاصة إذا كانت موجهة إلى الرموز الأساسية للعقيدة الإسلامية التي لها قيمة معنوية كبيرة جداً بنظر المؤمنين بتلك العقيدة والسائرين على نهجها في الحياة.
ومن نماذج الإيذاء هو السب والشتم لما يتضمنه من دلالة على الوقاحة والجرأة من مثل الفاعل لذلك، أو نسبة بعض الأفعال القبيحة إلى الله أو الأنبياء (ع)، أو التعرض للملائكة بما لا يليق بمكانتهم القريبة من الساحة القدسية، أو محاولة توهين أحكام الإسلام وتحقيرها، لأن معنى ذلك هو توهين لمشرّعها ومقننها وهو الله سبحانه وتعالى.
ومنها أيضاً إنكار نبوة بعض الأنبياء (ع) من مثل بعض الجماعات التي تريد بعض أن تجعل الله حكراً عليها وحدها فقط، فهذا إيذاء لله سبحانه وتعالى باعتبار أن بعث الأنبياء من وظائف الباري وحده والتي لا دخل للبشر فيها على الإطلاق.
ومن هذا المنطلق، نرى أن كل فقهاء المسلمين من كافة المذاهب أفتوا بارتداد من يرتكب أحد تلك الأنواع من الأذية، استناداً إلى الآيات كالتي ذكرناها في أول البحث والروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال. وهذا ما يستدعي أن نبحث عن الإرتداد وأقسامه وأحكامه الفقهية عند كافة المذاهب الإسلامية حتى تتوضح هذه المسألة.
ثانياً : معنى الإرتداد :
أ – المعنى اللغوي : ارتد أي تحول[1].
رد عليه الشيء أي إذا لم يقبله.
رده إلى منزله ورد إليه جواباً أي رجع.
والإسم "الردة" من الإرتداد.
ب – المعنى الشرعي :
وهو الخروج عن الإسلام، أو الرجوع عنه.
فيقال "ارتد فلان عن دينه" أي أنه كفر بعد إسلامه، ولا يفرق الحال في ثبوت معنى الإرتداد بين أن يخرج عن الإسلام إلى دين آخر، أو لم يدخل في دين آخر.
قال الشيخ الطوسي : ـ 2 ـ
إذا ارتد المسلم عن الإسلام إلى أي كفر كان، من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو زندقة أو جحد أو تعطيل أو عبادة الأوثان أو إلى أي كفر كان، لم يقر على دينه بوجه[2].
ثالثاً : أقسام المرتد :
ينقسم المرتد عن الإسلام إلى قسمين هما :
أ - المرتد الفطري : وهو من تولد من أبوين مسلمين أو من أبوين أحدهما مسلم.
فمعنى الإرتداد الفطري على هذا هو أن يولد الإنسان مسلماً على دين الفطرة ثم يخرج عنه إلى غيره.
ب المرتد الملي : وهو من أسلم عن كفر ثم ارتد ورجع إليه.
فمعنى الإرتداد الملي على هذا هو أن يولد الإنسان على غير ملة الإسلام، ثم يدخل في الإسلام، ثم يرتد عنه بعد ذلك إلى غيره[3].
وهذا التقسيم ناشئ من أن الأحكام الفقهية ـ كما سوف نبين ـ تختلف نوعاً ما بين المرتد الملي والمرتد الفطري من أنواع متعددة.
رابعاً : شروط الإرتداد :
في هذا المجال، نرى أن الشريعة الإسلامية حددت شروطاً وهي التي تحدد حصول الإرتداد أو لا ؟ وهذه الشروط هي التالية :
أ ـ البلوغ : ومعنى البلوغ هو وصول المرء إلى سن التكليف الشرعي وهو "تسع سنوات هجرية للفتاة " ، وخمس عشرة سنة هجرية للذكر "، أما ما قبل سن البلوغ، فلا اعتبار شرعي للإرتداد، لعدم تحقق الشرط.
ب ـ العقل : ومعنى العقل هو كون الإنسان مدركاً لما يفعل ولما يسلب القدرة الذهنية التي تميز بين خير الأمور وشرها، أو بين حسنها وقبيحها، أما لو كان مجنوناً وهو التعبير الذي يطلق على فاقد العقل فلا عبرة بارتداده أيضاً، لأن المجنون غير مكلف بالشريعة الإسلامية.
ج ـ الإختيار : ومعنى هذا الشرط، أن يكون ذلك الذي ارتد عن الإسلام قد فعل ذلك بملء إرادته وحريته من دون إجبار أو إكراه على ذلك.
أما لو كان مكرها على ذلك بسبب تخويفه وتهديده بالقتل، فإن ارتداده لا معنى له، ولا تترتب عليه الأحكام الفقهية التي نذكرها لا حقاً، وأبرز الأمثلة على أن الإكراه معذر هو ما ورد من قصة "عمار بن ياسر" حيث أكره على الكفر بالنبي (ص) فخلى المشركون سبيله، فجاء إلى النبي (ص) يخبره بالخبر، فطمأنه (ص) بأنه ليس عليه سوء من جراء ذلك.
وقد قال الله عز وجل في الكتاب الكريم :
" من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفرصدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم " (سورة النحل / آية 106) .
لكن يشترط هنا أن يثبت هذا المسلم أنه قد أكره على الإرتداد، وأن ذلك لم يكن باختياره، وذلك بواسطة قرائن تدل على ذلك، أما إذا لم يستطع أن يثبت أن ارتداده كان بالإكراه، فيثبت الشرط المطلوب وهو أن ارتداده كان عن اختيار ظاهر ويحاكم على أساس ذلك.
وعلى هذا فمن ثبت ارتداده عن الإسلام، لا بد وأن تكون تلك الشروط قد تحققت، لأنها هي التي تحدد المرتد من غيره، ويصبح المرتد مصداقاً لقوله تعالى :
" ومن يرتدد عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (البقرة / 217) .
خامساً : الإسلام وعقائد أهل الكتاب :
لا بد لتوضيح هذه النقطة من التمهيد لذلك بما يلي من المقدمات :
أ ـ الإسلام يحترم أنبياء أهل الكتاب الآخرين مثل النبي موسى (ع) والنبي عيسى (ع)، بل أن الإسلام يجعلهم في مرتبة القداسة والإحترام كالنبي محمد (ص) تماماً بلا أي فارق، ويوجب الإسلام على أتباعه الإيمان بكل الأنبياء (ع) من دون تمييز بين أحد منهم على الإطلاق.
ج ـ أن الأديان السماوية بما أنها ترجع إلى مصدر واحد، فكل رسالة سماوية لا حقة، تتضمن كل ما ورد في سابقاتها مع تعديل في الشكل والكيفية، بالإضافة إلى الأحكام الجديدة ونعني بها الأحكام التي لم تشرع في الرسالات السابقة وبما أن الإسلام هو الرسالة الخاتمة للرسالات السماوية، فهو إذن من هذه الجهة الدين الإلهي الوحيد الذي يجب على الجميع اتباع إرشاداته وأحكامه في كل مناحي الحياة.
وقد قال الله في كتابه "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وإليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" (العنكبوت / 46) .
من المقدمات الثلاث، نصل إلى نتيجة قد حسمها القرآن منذ نزوله على قلب النبي الكريم (ص) بقول الله تعالى " إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب" (آل عمران / 19).
هذه الآية التي تعني أن لا وجود لدين عند الله إلا الإسلام بمعنى الخضوع التام لإرادة الله سبحانه فيما أمر به ونهى عنه، لا أن يقف الإنسان عند حدود عقيدة معينة ثم يرفض كل ما عداها ولو كانت من نفس المصدر وتحمل نفس الهوية، ولذلك نرى أن الآية تشير بوضوح إلى أن الإختلاف راجع إلى أهواء البشر وأذواقهم وأطماعهم، وليس الإختلاف راجعاً إلى الله عز وجل، بل لا تصح نسبة ذلك إلى ساحة قدسه وجلاله أصلا ً، لأن ذلك يتنافى مع مطلق حكمته وعدالته ورحمته بالعباد، الذين لم يرد لهم ربهم إلا خيراً في الدنيا وسعادة في الآخرة.
ولهذا نرى أن القرآن في آية أخرى يعطي النتيجة الحاسمة التي لا محيص عنها وعن مواجهاتها مع آثارها في الآخرة خصوصاً وهي :
" ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" (آل عمران / 85) .
إلا أن الله سبحانه قد ترك الباب مفتوحاً أمام أولئك الذين لم يهتدوا إلى الإسلام المحمدي الأصيل لعلهم يرجعون عن غيّهم وضلالهم وتيههم في متاهات العقائد الوضعية أو الدينية المنحرفة، وأروع ما يتجلى هذا المعنى العطوف والإفاتة الحنون من رب العزة عز وجل في قوله تعالى " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً " ويترتب على اتباع أهل الكتاب في الإسلام عقائدياً الكثير من التسهيلات على الصعيد الفقهي مذكورة في محلها.
سادساً : دلالات الإرتداد :
رأينا في النقطة السابقة كيف أن الإسلام يحاول إنقاذ الناس من الضلال وآثاره الفاسدة والمفسدة لحياة الفرد والمجتمع معاً.
إلا أن الطريقة تلك لا تسري على من ارتد عن الدين الإسلامي، لأن الإرتداد يحمل في طياته معان ٍ متعددة تتنافى مع الأجواء المبسطة التي يحاول الإسلام من خلالها إصلاح المسيرة البشرية وتلك الدلالات هي التالية :
1- على المستوى العقائدي :
أ ـ إنكار أحكام الشريعة التي ارتد عنها.
ب ـ إنكار الكتب السماوية والمقدسة لنفس الشريعة.
ج ـ إنكار نبوة النبي الذي أوحى الله إليه بالشريعة وكتبها وأحكامها.
د ـ إنكار صريح وعملي للخالق أو لوحدانيته ولا فرق بين الأمرين في النتيجة.
وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز موضحاً ذلك " من كان عدواًً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " (البقرة / 98) .
2- على المستوى المعنوي :
مما لا شك فيه أن للإرتداد آثاره النفسية على كل الناس من المسلمين وغيرهم، باعتبار أنه يشكل خطوة سلبية من الحيرة والقلق وعدم التوازن الفكري للإنسان غير المسلم الذي يحاول أن يبحث عن سر الوجود ومصدره، وعلى الإنسان المسلم كذلك، لأن الإرتداد يجعله يشعر بهزيمة معنوية أمام الآخرين على الأقل، الذي يريد أن يثبت لهم صحة معتقده وواقعيته، وانحراف ما هم عليه وبطلانه، ولهذا نجد أنه أمام كل هزيمة تعرض لها المسلمون، خاصة في الفترة القريبة منا، كيف أن الآخرين حاولوا استغلال ذلك لتوهين الإسلام وإضعافه في نفوس محبيه ومعتنقيه، وكأمثلة على ذلك تعطي الصورة التي نريد إيصالها مصداقية بارزة أكثر، أنه بعد هزيمة عام 1967 م صدر كتاب بعنوان " نقد الفكر الديني" لمؤلفه "صادق جلال العظم" وحظي الكتاب على تغطية إعلامية كبيرة آنذاك لأنه يتعرض لنقد الأسس الفكرية للعقيدة الإسلامية، ويومها رد عليه علماء الإسلام ردوداً قوية محكمة أسقطت الكتاب وأدلته وحججه وجعلته خالياً من قوة التأثير، لما كان للردود من قوة إقناع فكرية مستندة إلى قوة العقيدة الإسلامية وصلابتها أمام حملات المشككين والمبطلين، ومن أراد الإطّلاع فليرجع إلى كتاب "مطارحات" للشيخ محمد مهدي شمس الدين[4].
وأيضاً بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 م في شهر حزيران، صدر على أثر ذلك كتاب سخيف اسمه "محنة العقل في الإسلام" لمؤلفه الشاذ والمنحرف عقائدياً ونفسياً "مصطفى جحا" وبعد قبول الجمهورية الإسلامية بقرار الأمم المتحدة رقم "598" القاضي بوقف الحرب بين إيران والعراق، إذا بعالم الغرب هذه المرة يطالعنا بكتاب سيء المضمون، ولا قيمة له من الناحية العلمية أو الأدبية والأخلاقية وباسم "آيات شيطانية" لمؤلف ٍ بذيء اللسان، خبيث الطينة والسريرة اسمه "سلمان رشدي" ويعطى الكتاب جائزة أحسن كتاب لسنة 1988 م في بريطانيا، ويترجم الكتاب إلى العديد من اللغات الواسعة الإنتشار في العالم تمهيداً لتوسيع دائرة توزيعه وانتشاره بعد إعطائه تلك الأوصاف الكبيرة التي لم يحصل عليها كتاب يماثل مضمونه من قبل، مما يدل على أن المؤامرة من وراءه لم تعد لعبة العملاء الصغار، لأن تحاصر الغرب والشرق وتثبت أنهما القوتان اللتان تنهبان ثروات الشعوب المستضعفة وتشعلان الحروب هنا وهناك لتأمين الموارد المالية لمصانعهما الحربية، وتحتكر السلع الغذائية لتجويع الناس عندما ترى أن ذلك يفيد أهدافها ومصالحها كما تفعل أمريكا بالخصوص الغربية منها والتي تشعر بالخطر على امتيازاتها التي تحصل عليها، هي التي تمول ذلك العمل البشع والقبيح والسخيف. وبواسطة أشخاص يدّعون الإنتماء إلى الإسلام حسب الهوية التي يحملون لتكون الإساءة أقوى وأشد للمسلمين.
3- على المستوى الإجتماعي :
لا شك أنه بعد أن تستطيع حركة الإرتداد من فرد أو جماعة منحرفة عن دينها الإسلامي المحمدي الأصيل، وبعد تأثيرها في زعزعة البنية الفكرية للصامدين على دينهم وعقيدتهم، ويبدأ الشك بالتغلغل، فإن هذا سوف يؤدي إلى محاولة البحث من جانب ضعاف العقيدة، الذي قد يؤدي بهم إلى الضياع والوقوع فريسة بأيدي القوى التي عملت على إيجاد حالة التشكيك عند المسلمين بعقيدتهم، حيث تعمل تلك القوى ومن باب أنها الأقوى والأضمن، على فرض مفاهيمها وسلوكياتها للحياة عند أولئك المنهزمين فكرياً ومعنوياً وسلوكياً أمام مجتمع الأقوياء، وهذا ما كان حاصلا ً عملياً في الكثير من أرجاء عالمنا الإسلامي وما زال موجوداً بنسبة كبيرة حتى الآن. فمن هذه الجهة ندرك إذن خطر الإرتداد من خلال هذه الدلالات العامة التي من أجلها حكم الدين الإسلامي على المرتد بالقتل، خاصة إذا كان مرتداً عن فطرة، لأنه يشكل خطراً كبيراً جداً على الأسس المبدأية للعقيدة الإسلامية التي إذا سقط اعتبارها عند المسلمين، فقد سقط بالتالي كل شيء، ولم يعد لأي أمر مهما كان عظيماً قيمته المعنوية الواقعية. تماماً كما فعل ذلك الخبيث "سلمان رشدي" الذي رمى التهم الباطلة ونسب الأفعال الشنيعة إلى أقدس مقدسات المسلمين، ضارباً عرض الجدار كل القيم الإنسانية والأخلاقية التي تمثلها الأديان السماوية عامة والإسلام خاصة، من أن يردعه وجدان أو حال أخلاقية أو أدبية.
سابعاً : الأحكام الفقهية للإرتداد :
قلنا فيما سبق أن المرتد ينقسم إلى ـ أ ـ الملي ـ ب ـ الفطري.
وهنا سوف نبين الأحكام الفقهية الثابتة شرعاً لكل من القسمين عند كل المسلمين.
أ ـ أحكام المرتد الملي :
1- الإستتابة خلال ثلاثة أيام، فإن لم يتب فيها، قتل في اليوم الرابع.
2- لا تقسم أملاكه بين ورثته، بل ينتظر إلى أن يتضح الأمر كلياً.
3- ينفسخ عقد النكاح، وتعتد منه عدة المطلقة إذا كان مدخولا ً بها.
وهذا القسم من الإرتداد مذكور عند المذهب الجعفري فقط على ما يبدو، لأن أحكام الإرتداد عند المذاهب الأربعة لا تختلف بين الفطري والملي، وأما النصوص الدالة على ذلك :
ـ الرواية الأولى : نفس صحيحة علي بن جعفر المتقدمة الذكر (قلت : فنصراني أسلم ثم ارتد، قال : يستتاب، فإن رجع وإلا قتل).
ـ الرواية الثانية : معتبرة السكوني عن الإمام الباقر (ع) عن أبيه عن آبائه (ع) (المرتد عن الإسلام تعزل عنه امرأته، ولا تؤكل ذبيحته، ويستتاب ثلاثاً، فإن رجع، وإلا قتل في اليوم الرابع إذا كان صحيح العقل) . (الوسائل ـ ج 18 ـ باب "3" أبواب حد المرتد ـ ح "5") .
ب ـ أحكام المرتد الفطري :
1- القتل "من دون أن يستتاب" .
2- تنفصل عنه زوجته لحظة الإرتداد، وتعتد منه عدة الوفاة المعروفة المدة شرعاً.
3- تقسيم أمواله بين ورثته إذا لم يرتدوا معه أيضاً.
وهذه الأحكام تثبت مجتمعة في حال تحقق الإرتداد ويدل عليها عند المذاهب الإسلامية ما يلي :
المذهب الجعفري :
ـ الرواية الأولى : معتبرة عمار الساباطي عن الإمام الصادق (ع) قال : (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : كل مسلم بين المسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمداً (ص) نبوته وكذبه، فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه، وامرأته بائنة منه يوم ارتد، ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة المتوفي عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتبه) . (الوسائل ـ ج 18 ـ باب "أبواب حد المرتد ـ ح "1").
ـ الرواية الثانية : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (ع) قال : (سألته عن مسلم تنصر قال : يقتل ولا يستتاب) (الوسائل ـ 18 ـ باب "أبواب حد المرتد" ـ ح "1").
ـ الرواية الثالثة : صحيحة الحسين بن سعيد، قال (قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا (ع) رجل ولد على الإسلام، ثم كفر وأشرك وخرج عن الإسلام، هل يستتاب، أو يقتل ولا يستتاب ؟ فكتب (ع) : يقتل) . (الوسائل ـ ج 18 ـ باب "أبواب حد المرتد" ح "6").
وأما الروايات الصريحة في وجوب قتل ساب النبي (ص) هو ما يلي :
ـ الرواية الأولى : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) (أنه سئل عمن شتم رسول الله (ص) فقال (ع) يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام) (الوسائل ـ ج 18 ـ باب "7" أبواب حد المرتد ـ ح "1").
ـ الرواية الثانية : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال (أن رجلا ً من هذيل كان يسب رسول الله (ص) ـ إلى أن قال ـ فقلت لأبي جعفر (ع)، أرأيت لو أن رجلا ً الآن سب النبي (ص) أيقتل ؟ قال : إن لم تخف على نفسك فاقتله). (الوسائل ـ ج 18 ـ باب "25" أبواب حد القذف ـ ح "3").
وهاتان الروايتان صريحتان في وجوب قتل سابّ النبي (ص) وإن كانت الرواية الثانية تقيد ذلك بحالة فإذا لم يكن هناك خطر مباشر على الفاعل، فعندئذٍ لا يجب على ذاك الشخص بعينه قتله لانطباق عنوان ثانوي يجوز له عدم وجوب القتل، لكن التكليف يبقى ثابتاً على الآخرين.
المذاهب الأربعة :
ـ اتفق علماء المذاهب الأربعة على أن الإستخفاف[5] بالأنبياء (ع) حرام، وأن المستخف بهم مرتد، وهذا فيمن ثبتت نبوته بدليل قطعي لقوله تعالى (ومنهم الذين يؤذون النبي ـ التوبة / 61) .
وقوله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً ـ الأحزاب / 57) وقوله تعالى (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ـ التوبة / 66) وقوله تعالى (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ـ التوبة / 65 ـ 66) إلا أن العلماء عند المذاهب الأربعة اختلفوا في استتابته قبل القتل، فالراجح عند الحنفية، وقول للمالكية والصحيح عند الحنابلة، أن المستخف بالرسول (ص) والأنبياء (ع) لا يستتاب بل يقتل، ولا تقبل توبته في الدنيا لقوله تعال (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً).
ـ وقال الدكتور عبد القادر عودة[6] (من سب نبياً أو ملكاً أو عرض به أو لعنه أو عابه أو قذفه أو استخف بحقه وما أشبه، فإنه يقتل ولا يستتاب، ولا تقبل منه التوبة لو أعلنها، ولو جاء تائباً قبل أن يطلع عليه، لأن القتل في هذه الحالة حد خاص، وإن كان يدخل تحت الردة) .
ـ روى قاسم بن أصبغ (أغلظ رجل لأبي بكر الصديق، قلت : قاله : أبو برزة الأسلمي : ألا أقتله ؟ فقال أبو بكر : ليس هذا إلا لمن شتم النبي (ص))[7] .
ـ ونقل أحد أئمة الشافعية وهو أبو علي الفارسي في كتاب الإجماع (أن " من سب النبي (ص) بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء، فلو تاب لم يسقط عنه القتل، لأن حد قذفه القتل، وحد القذف لا يسقط بالتوبة).
ـ وجاء في كتاب "زاد المعاد"[8] ما يلي : (ثبت عنه أي النبي (ص) بإهدار دم أم ولد الأعمى لما قتلها مولاها على السب، وقتل جماعة من اليهود على سبه وأذاه، وأمن الناس يوم الفتح إلا نفرا ممن كان يؤذيه ويهجوه، وهم أربعة رجال وامرأتان، وقال : من الكعب الإشراف، فإنه قد أذى الله ورسوله (ص) وأهدر دمه ودم أبي رافع، وقال أبو بكر الصديق لأبي بدرة الأسلمي، وقد أراد قتل من سبه (ليست هذه لأحد بعد رسول الله (ص) فهذا قضاؤه (ص) وقضاء خلفائه من بعده، ولا مخالف لهم من الصحابة، وقد أعاذهم الله من مخالفة هذا الحكم، وقد روى أبو داود في سننه، عن علي (ع) (أن يهودية كانت تشتم النبي (ص) وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله (ص) دمها. وذكر أصحاب السير والمغازي عن ابن عباس (رض) قال : هجت امرأة النبي (ص) فقال : من لي بها ؟ فقال رجل من قومها : أنا، فنهض فقتلها فأخبر النبي (ص) فقال "لا تنتطح فيها عنزتان، وفي ذلك بضعة عشرة حديثاً ما بين صحاح حسان ومشاهير وهو إجماع الصحابة، وقد ذكر حرب في مسائله، عن مجاهد قال : أتى عمر بن الخطاب برجل سب النبي (ص) فقتله، ثم قال عمر "من سب الله ورسوله (ص) أو سب أحداً من الأنبياء (ع) فاقتلوه).
بعد كل هذا، هل هناك غرابة في إصدار الفتوى[9] بقتل من أهان مقدسات المسلمين التي أجمع المسلمون كما رأينا على حرمة التعرض لها ولو بأقل مما تعرض له ذلك الكتاب السخيف لمؤلف سخيف يدعي الإنتماء إلى الإسلام ؟ وهل هناك استغراب لإصدار أغلب الدول الإسلامية قرارات بمنع إدخال ذلك الكتاب للتعبير عن شجبهم وإدانتهم للكتاب ومؤلفه والذين دعموا ومولوا مشروع ذلك الخبيث العميل ؟. مع أن كل ما في الأمر هو محاولة من الإمام الخميني (قدس سره) للدفاع عن حرمات الإسلام العظيم بوجه حملات التعريض والتشكيك التي تريد النيل من قدسية الإسلام وكرامة وعزة المسلمين التي تأتي على رأس الأولويات في اهتمامات الدولة الإسلامية قبل الأمور السياسية والعسكرية والإقتصادية وغيرها، التي تعني الكثير للأنظمة التي تتعامل حسب مبدأ (لا مبادئ ثابتة، بل مصالح ثابتة).
"وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين"
[1] لسان العرب ـ المجلد الثالث ـ باب الدال ـ مادة "ردد".
[2] المبسوط ـ المجلد الثامن ـ كتاب قتال أهل الردة ـ ص 71.
[3] مباني تكملة المنهاج ـ المجلد الأول ـ باب الإرتداد ـ ص 326.
[4] مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني ـ طبع دار التعارف ـ بيروت سنة 1978 م.
[5] الموسوعة الفقهية ـ طبع الكويت ـ الجزء الثالث ـ ص 249، مادة " استخفاف " .
[6] كتاب " التشريع الجنائي" ـ الجزء الثاني ـ ص 724.
[7] معجم فقه السنة ـ محمد منتصر الكثاني ـ الجزء 8 و 9 ـ ص 260.
[8] كتاب زاد المعاد ـ ابن القيم الجوزية ـ الجزء الثالث ـ ص 213.
[9] المقصود فتوى الإمام الخميني بقتل سلمان رشدي مؤلف كتاب "آيات شيطانية".