الأحد, 24 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

النموذج الأمثل للحياة البشرية

sample imgage

سؤال يتردد على ألسنة الكثير من الناس مفاده (لماذا خلق الله الإنسان والحياة طالما أن الظلم موجود وسفك الدماء وانتهاك حقوق الأفراد والمجتمعات وجد منذ أن كان الإنسان ؟) والجواب عن هذا السؤال باختصار هو: (أن الله عزوجل خلق الإنسان والدنيا لتكون الحياة الإنسانية نموذجاً أمثل وصورة مقربة للحياة في عالم الآخرة).

لكن هذا النحو من الحياة التي أرادها الله للإنسان لم تتحقق بسبب الانحراف عن الصراط المستقيم وعن جادة الحق والصواب، وتعلقه بالدنيا ومتاعها الزائل وتغليب الشهوات والملذات على الاستماع إلى صوت العقل والقلب، مما أدى إلى حصول كل تلك الكوارث والمجازر والحروب وما نتج عنها من المآسي والويلات والدمار والخراب على مر العصور المتعاقبة، ولعل عصرنا الحاضر وما نشهده فيه من همجية وطغيان وجور وظلم المستكبرين واستبدادهم وتحكمهم بأمور غالبية شعوب الأرض خير مثال على ذلك، وما الاستعلاء الأمريكي والإجرام الإسرائيلي إلا نموذجاً من هذا الزمن الذي سادت فيه سيطرة الانحراف ومنع الاستقامة بقوة الحديد والنار.

 

إلا أن كل هذا الإنحراف عبر التاريخ الإنساني الطويل لم يمنع من تحقق العدالة الإلهية في بعض الأزمنة على أيدي بعض الأنبياء (عليهم السلام) كداود وسليمان والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لتكون تلك الإنجازات محطات نورانية ونماذج عن قدرة البشر على تغيير الأوضاع، وتصحيح الانحراف، إلا أن ذلك لم يحصل غالباً، إما بادعاء العجز عن تغيير الأوضاع، أو بسبب الخوف من الموت والقتل، أو بسبب الطمع في متاع الدنيا وزخارفها، أو ما شابه ذلك من هذه الأعذار التي لا قيمة لها عند الله، ولا تعطي هؤلاء الحجة عنده عزوجل يوم الحساب، وهم مسؤولون عن تقاعسهم وتكاسلهم وعدم مواجهتهم للظلم والقهر والاستكبار، وقد قال تعالى في كتابه الكريم: (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم).

وكل الذي قلناه يعني أن خلافة الإنسان في الأرض لم تحقق بالشكل الذي أراد الله، إلا أن هذا لا يعني أن خلافة الإنسانية على هذا الشكل وتنتهي بهذه الطريقة التي لا يرضى الله عنها، بل لا بد لهذه الحياة أن تنتهي على الصورة التي أرادها ليثبت من خلالها لكل الأجيال التي مضت وانقضت أنه كان بإمكانها صنع المجتمع الإنساني العابد الموحد الذي لا تعددية فيه للأديان أو للمذاهب والفلسفات الوضعية والدنيوية.

من هنا نجد أن القرآن الكريم يقول: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)، وهذا الوعد الإلهي لم يتحقق حتى اليوم، مما يعني بالتالي أن حصول ذلك سوف يكون في المستقبل، أو بعبارة أخرى لن تنتهي الحياة الدنيا إلا على الصورة التي أرادها الله عندما خاطب الملائكة بقوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة...)، وذلك اليوم الموعود الذي ستحتفل فيه البشرية بنهاية الظلم والجور والفساد سوف يتحقق على يد المهدي (عجل الله تعالى فرجه) من أحفاد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي دلت الروايات عند كل المسلمين أنه الذي سيقود مسيرة الإنسانية لتحقيق مجتمع العبادة والعدالة في الأرض لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

ومجيء ذلك اليوم حتمي في عقيدتنا وشريعتنا الإسلامية حتى ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لو لم يبق من عمر الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يظهر المهدي (عجل الله تعالى فرجه) ليملأ الأرض عدلاً كما مليئت ظلماً وجوراً.

وأما وظيفة الإنسانية إلى حين ظهور ذلك المخلّص الذي تؤمن به كل الأديان السماوية وإن اختلفت أسماؤه عندهم فهي التمهيد والتوطئة لظهوره من خلال محاربة المؤمنين التوّاقين والمشتاقين إلى عالم خال من الظلم والجريمة والإستكبار.

وفي ظل ذلك المجتمع الذي سيقوده المهدي (عجل الله تعالى فرجه) سوف يعيش الإنسان بكل سعادة وسيتمتع بكل المعاني الجميلة للإنسانية من حرية الإدارة والاختيار والعيش بأمن وسلام بلا خوف من ظالم أو إرهاب وتسلّط من مستكبر وضال، ولتمنى الناس لو تطول أعمارهم في ذلك المجتمع لما يرونه من السعادة والهناء والرخاء والعبادة لله عزوجل.

وأخيراً نسأل الله أن يديم علينا نعمة الحياة لنعيش في ذلك العصر الذي يتمنى كل إنسان أن يرجع إلى الحياة الدنيا ليعيش فيه ويكون فرداً من أفراده.