الإسراء والمعراج.1
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1899
الفائدة الأولى : من الواضح جداً أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو خاتم الأنبياء، وآخر فرد من تلك السلسلة التي كلفها الله بهداية البشرية، ومن جهة أخرى نرى أن الأمة الإسلامية المؤمنة به هي الوحيدة من بين الأمم التي ما زالت تحافظ على العقيدة الإلهية كما نزلت على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال محافظتها على وحي الله المنزل وهو " القرآن الكريم " ونجد ثالثاً أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الوحيد بين أنبياء الله عزوجل الأكثر ذكراً وحضوراً بين أبناء أمته، وهو معهم في كل يوم، وفي كل مناسبة، والصلوات عليه تتصاعد بالملايين إن لم يكن بالمليارات يومياً إلى الله عزوجل، وكلها تحمل من معاني الإجلال والإحترام والتقدير ما لا يخفى لشخصه الكريم الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور بصبره وجهاده وتمسكه بإيمانه بالله عزوجل وبضرورة إنقاذ البشرية من الكفر والإلحاد وعبادة الأصنام والأوثان، ونجد رابعاً أن أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم من نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ابنته الزهراء (عليها السلام) قد تعرضوا دون غيرهم للكثير من الظلم والأذى بسبب دفاعهم المستميت عن هذا الدين بوجه المشككين والمعاندين والمغرضين، ولم يرد عن أهل بيت نبي غيره أنه تحمل ما تحمله أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الآلام والجراح في سبيل الدفاع عن أصالة الإسلام لحفظه سليماً من التحريف والتزييف والتلاعب.
هذه الأسباب وغيرها تشير بلا شك إلى ذلك التكريم الإلهي الخاص للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي خصه الله به دون سائر الأنبياء (عليه السلام) وكشف ذلك التكريم عن المكانة المميزة له التي أدت إلى أن يؤم الأنبياء (عليهم السلام) في المسجد الأقصى قبل العروج به إلى حيث لم يبلغ بشر ولا ملاك المكان الذي وصل إليه، قال الله تعالى: (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى).
الفائدة الثانية : قداسة الأماكن التي كانت محلاً للواقعة: وذلك لأن حدثاً عظيماً كالإسراء والمعراج لا بد أن يكون مشيراً بما لا مجال للشك إلى شرافة تلك الأمكنة التي كانت محطات في تلك الرحلة بدءاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى، خاصة إذا التفتنا إلى أن المسجد الحرام قد تحول إلى قبلة المسلمين والموحدين لوجود الكعبة الشريفة فيه، وأن الأقصى كان القبلة لأتباع الديانات السماوية قبل الإسلام بل بعده قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، وتلك القداسة لا بد أن تنتقل من تلك الأمكنة لتحل في قلوب المسلمين وعقولهم لكي يتواصلوا معها ويتفاعلوا بالطريقة التي تجعل لها مكانتها المميزة التي تدفع بهم لأن يدافعوا عنها ويدفعوا كل من يريد إذلال الأمة من خلالها، ومما لا شك فيه أن المكانة المميزة للقدس وللمسجد الحرام في نفوس كل المسلمين هي في جانب كبير منها ناتج عن تلك الواقعة العظيمة التي كشفت عن شرف تلك الأماكن.
الفائدة الثالثة : وحدانية الدين الإلهي وهذا ما يتضح جلياً من خلال ما ورد في تفاصيل الإسراء بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند وصوله إلى نهاية إسرائه وهو " المسجد الاقصى " كان العديد من الأنبياء (عليهم السلام) منتظرين له، وورد أنه قام بهم إماماً في الصلاة، ومن الجليّ هنا أن الإمامة في ذلك المكان وفق القرائن الحالية كاشفة عن وجوب اتّباع أهل الديانات السابقة المنزلة من الله للإسلام كدين جامع لكل المعتقدين بالله والمؤمنين به عز وجل، لأنه الاستمرار الإلهي للأديان التي كانوا يطبقونها في حياتهم.
الفائدة الرابعة : وهي ما جهرت به الآية الأولى من سورة الإسراء بقوله تعالى: (لنريه من آياتنا)، وقد عرضت الروايات الكثير من هذه الصور والمشاهد التي يمكن اعتبار كل صورة منها آية من آيات الله، وكل مشهد منها إعجازاً إلهياً رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، سواء في تعدد السماوات وطبقاتها، أو فيما رآه من عذاب الجحيم ونعيم الجنة، وهذا كله له تأثيراته وانعكاساته في حياة الناظر والمعاين لتلك الأمور، حيث تكون دعوته من خلال تبشيره وإنذار واقعية أكثر ممن لم يعاين كل تلك الأمور، ويكون بالتالي قادراً على إيصال الفكرة المرادة إلى القوم الذين أرسل اليهم، ولا شك أن في تلك التفاصيل عبراً ودروساً مهمة للمسلمين، فمن تلك المناظر من يأكل اللحم الخبيث ويترك اللحم الطيب، والسبب أن هؤلاء الناس هم الذين كانوا يعتاشون من الفعل الحرام وأكل المال الحرام وكانوا يتركون الحلال ولا يلتفتون إليه في الدنيا، أو كما تلك الصورة المفزعة التي تنقلها الرويات عن القوم الذين تنقذف النار في أفواههم وتخرج من أدبارهم، وهم الذين كانوا يأكلون أموال اليتامى ظلماً وعدواناً، وكذلك المشاهد التي تتحدث عمن ترك الصلاة أو الذين يعملون على اغتياب الناس وذمهم من غير وجه حق أو مشهد العاملين بالربا والمعتاشين منه وان ما هنالك مما يصلح واعظاً ورادعاً للمسلمين عن ارتكاب تلك الذنوب الكبيرة المترتبة على فعلها تلك العذابات المخيفة، كما أن الصورة المشرقة وهي التي في مقابل الصورة القاتمة السوداء ينبغي أن تكون دافعاً للمؤمنين الملتزمين بالاستقامة في السير حتى نهاية الخط نحو الوصول إلى الكمالات الإيمانية وأنواع السلوك الإلهي المنسجم مع العقيدة والمبدأ لينال الإنسان كل تلك البركات والكرامات التي يصفها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن معراجه.
من هنا فإننا نعتبر أن مسألة الإسراء والمعراج هي دعوة مفتوحة لكل مسلم من أجل أن يتعظ منها ويعتبر، وأن يستفيد منها لتقوية علاقاته وارتباطاته بالله عزوجل، فالمقام الذي وصل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو القدوة الحسنة لنا ينبغي أن يكون دافعاً لنا من أجل أن نجاهد ونكدح ضد كل سلبيات النفس من أجل كبح جماحها، وأن نقوي فينا كل إيجابيات النفس من أجل دفعها نحو الإيمان الأعمق والعلاقة الأصفى مع الله عزوجل.