الأحد, 24 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

دور المسجد في الإسلام

sample imgage

مما لا يخفى على أحد أن الإسلام اهتم بالمسجد اهتماماً خاصاً واستثنائياً كونه المكان المعد لاستقبال عباد الله الذي يريدون التوجه إليه من خلاله بكل أصناف العبادة والصلاة والدعاء والابتهال والاستغفار.

ولا شك أن هذا الدور مهم جداً في حياة الإنسان المسلم ولايمكن التجاوز عنه أو التخلي عنه، لأن المسجد هو العنوان الجامع والمحل الرابط بين المسلمين كدليل على انتماء هذه المجموعة السكانية إلى هذا الدين الحنيف.

والحديث عن السجود كونه من أبرز مظاهر العبادة لله عزوجل، لأن السجود هو الحالة التي يكون العبد فيها أقرب ما يكون إلى الله سبحانه.

 

ومن هنا سنتحدث عن السجود بشكل مستقل، ثم نتحدث عن المسجد المشتق اسمه من أبرز مظاهر العبادة وهو " السجود ".

أولاً: " السجود " هو فعل طاعة وخضوع وتذلل لله يمارسه العبد المؤمن من موقع إيمان وارتباط بالخالق عزوجل، وهو قمة التواضع لله وأرفع مظهر من مظاهر عبودية الإنسان، ولذا ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تشير إلى أهمية السجود لله عزوجل، ومن ذلك قوله تعلى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم)، وكذلك قوله: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرها)، وكذلك الآية الكريمة التي تقول: (أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون، ولله يسجد ما في السماوات وما في الارض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون).

وقد ورد في الروايات الكثير عن تفسير معنى السجود عن أئمة أهل البيت (عليه السلام) ومن الروايات: (السجود الجسماني وضع عتائق الوجوه على التراب، واستقبال الأرض بالراحتين والركبتين وأطراف القدمين مع خشوع القلب وإخلاص النية، والسجود النفساني في فراغ القلب من الفانيات، والإقبال بكنه الهمة على الباقيات وخلع الكبر والحمية، وقطع العلائق الدنيوية، والتحلي بالأخلاق النبوية).

ومن الروايات اللافتة للنظر في هذا المجال الرواية التالية: (.. ولا تبعد أبداً عن الله من أحسن تقربه في السجود، ولا قرب إليه أبداً من أساء أدبه وضيّع حرمته، بتعليق قلبه في حال سجوده، فاسجد سجود متواضع ذليل علم أنه خلق من تراب يطأه الخلق، وأنه ركّب من نطفة يستقذرها كل أحد وكوّن ولم يكن، وقد جعل الله معنى السجود سبب التقرب إليه بالقلب والسر والروح، فمن قرب منه بعد من غيره، ألا ترى في الظاهر أنه لا يستوي حال السجود إلا بالتواري عن جميع الاشياء، والاحتجاب عن كل ما تراه العيون كذلك أراد الله تعالى أخر الباطن).

ومن هنا نرى التأكيد على إطالة السجود أكثر من الإطالة في أي فعل آخر من أفعال الصلاة، بل ورد استحباب السجود لله شكراً عند النعمة أو إرادة الخلاص من نقمة ومن الروايات (اطيلوا السجود، فما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً، لأنه أمر بالسجود فعصى)، ولذا ورد في رواية ملفتة للنظر ما يلي: (أن العبد إذا أطال السجود حيث لا يراه أحد قال الشيطان: واويلاه أطاعوا وعصيت، وسجدوا وأبيت).

ولذا امتدح الله المكثرين من السجود لله عزوجل فقال: (سيماهم في وجوههم من اثر السجود) وقد شرح أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه الآية بقوله: (إني لأكره للرجل أن ترى جبهته جلحاء ليس فيها شيء من أثر السجود).

ثانياً: " المسجد " وهو كما قلنا المكان الذي يجتمع فيه المسلمون لأداء فروض الطاعة والولاء لله عزوجل، واسم مشتق من السجود كونه أبرز مظاهر العبادة ولأن الصلاة التي نصليها في المساجد مشتملة على السجود ايضاً.

وبالعودة إلى النصوص والروايات نرى الكثير مما يؤكد على ضرورة التواصل الدائم مع المساجد وعدم تركها، ومن أهم ما ورد في ذلك: (إن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائرالا بشّر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة)، وكذلك في رواية أخرى: (عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه وكتب من زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء).

ولذا ورد الحث والتأكيد على بناء المساجد في مناطق المسلمين حتى يكون المكان الذي يجتمعون فيه لممارسة عباداتهم مع الله عزوجل تقرباً اليه لنيل رضوانه ومغفرته واستحقاق ثوابه وجوائزه كما في قوله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) أو كما في آية أخرى (أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود).

وما من شك أن من يتردد إلى المسجد عليه أن لا يشرك مع عبادة ربه في المسجد أحداً، لأن الله لا يقبل شريكاً في العبادة والخضوع والتذلل، فطالما أن المسلم في المسجد عليه أن يقوم لله وحده بإخلاص وبنية صادقة وبتوجه متجرد عن الدنيا وزينتها كما قال تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً).

ولذا شجع الإسلام أيضاً على بناء المساجد وعمارتها لتكون مكاناً لاجتماع عباد الله المصلين الذاكرين كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من بنى مسجداَ ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) أو (من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة).

وأما كيفية عمارة المساجد بالعبادة فهذا له تفسيره في الإسلام، لأن عمارة المسجد ليست مجرد بناء الجدران والأسقف وما شابه، فهذه عمارة مادية بحتة قد تترتب عليها أحكام المسجد من جهة حرمة التنجيس وحرمة دخول الجنب والحائض وما شابه، إلا أن العمارة الحقيقية للمسجد التي تحقق الغايات والأهداف التي أرادها الله من المسجد وهي ما يفسرها الحديث التالي: (عن أبي ذر: قلت: يا رسول الله كيف تعمر مساجد الله ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): لا ترفع فيها الأصوات، ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشترى فيها ولا يباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك). ومن هنا ورد استحباب الإكثار من الجلوس في المسجد، لكن الجلوس الذي يحقق الهدف من خلال العبادة والدعاء والاستغفار والتواضع كما في الرواية التالية: (يا أبا ذر إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكل نفس تنفست درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات، وتمحى عنك عشر سيئات).

ولا بد لمن يجلس في المسجد أن يجتنب عن ارتكاب المحرمات والسعي لاكتساب الطاعات والتعلم لما ينفعه في دينه وديناه كما في الحديثين التاليين: (الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة، ما لم يحدث، قيل يا رسول الله وما الحدث ؟ قال: الاغتياب) أو (كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصلّ أو ذكر الله، أو سائل عن علم).

وقد ورد التأكيد الشديد على أن جار المسجد لا ينبغي له أن يصلي إلا في المسجد ولو كان مؤمناً يسعى لزيادة رصيده المعنوي عند الله عزوجل، ومن هنا يستحسن لكل جار المسجد ولو كان جاراً بعيداً أن يسعى اليه للصلاة فيه وللدعاء وقراءة القرآن والاستغفار كما ورد في الحديث التالي: (ليس لجار المسجد صلاة إذا لم يشهد المكتوبة في المسجد إذا كان فارغاً صحيحاً). وكذلك حديث آخر: (لا صلاة لجار المسجد، إلا أن يكون له عذر أو به علة، فقيل: ومن جارالمسجد يا أمير المؤمنين؟ قال: من سمع النداء).

ومن أهم المسائل التي ينبغي للمسلم الالتفات إليها هو أن لا يكون ظالماً لاحد عندما يتردد إلى المسجد بمعنى أن يعتدي المسلم على آخر ممن لا يجوز الإعتداء عليه بسب أو شتم أو ضرب أو سرقة وما شابه ثم يذهب إلى المسجد، ومن هنا على المسلم أن يحاول جهده أن لا يعتدي على الناس طالما يتردد إلى مساجد الله عزوجل وقد ورد في الحديث ما يلي: (قال أوحى الله إليّ أن يا أخا المرسلين ويا أخا المنذرين أنذر قومك لا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحدهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائماً يصلي بين يدي حتى يرد تلك المظلمة، فأكون سمعه الذي يسمع به وأكون بصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة).

ويبقى أن نشير أخيراً إلى أن التردد إلى المساجد مليء بالفوائد الدينية كما أسلفنا والمنافع الروحية والتربوية والأخلاقية، اذ لا يعقل أن يأمرنا الله بالتردد إلى المساجد من دون وجود أهداف نتمكن من الحصول عليها، ولذا ورد في حديث ملفت للنظر: (من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، او علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو يترك ذنباً خشية أو حياءً). وكما في رواية أخرى عن هذا الموضوع: (لايرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث: إما دعاء يدعو له يدخله الله به الجنة، وإما دعاء يدعو به فيصرف الله عنه البلاء، وإما أخ يستفيده في الله عزوجل).

وتبقى نقطة مهمة جداً وهي. . آداب المسجد التي ينبغي على جميع المترددين إلى المساجد أخذها بعين الاعتبار للحفاظ على الطابع القدسي للمسجد الذي هو محل العبادة لله فلا يتناسب مع الفوضى والضجيج ورفع الصوت والاحتجاج والمخاصمة واللهو والعبث واللغو والممارسات المتنافية مع حرمة وقدسية تلك الأماكن الطاهرة التي أراد لها الله أن تكون مثالاً للمجتمع العابد الزاهد الملتزم المؤمن أثناء تواجده فيها.

لذلك ينبغي أن ننزه مساجدنا عن كثير من التصرفات المسيئة للمسجد والتي لا تنم عن الاحترام والتقدير والتقديس للأماكن التي ترتفع منها صلواتنا وأدعيتنا لله الواحد القهار، وقد مر في روايات عمارة المسجد التي ذكرناها في طيات هذا البحث كيف ينبغي أن يكون تعاملنا مع المساجد.

والحمد لله رب العالمين