الإنتصار الحتمي للمستضعفين
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2565
أوّل ما يتبادر إلى ذهن المسلم وعقله عندما يسمع باسم الإمام المهدي "عج" أو تحل ذكرى ولادته المباركة هو أنّ المستضعفين سينتصرون وسترتفع عنهم المظلومية التي عانوا منها طوال قرون التاريخ من طرف الطغاة والجبابرة والمستبدين الذين أذاقوا الإنسانية مرارة العذاب والألم وتدمير الحلم بالحياة الإنسانية السعيدة كما أراد الله للبشرية أن تعيش في هذه الدنيا.
وكلّما مرّ عامٌ على ولادة ذلك الإمام المنتظر "عج" يقترب ذلك الأمل بالإنتصار، وهو حتمي لا محال لأنّه وعد الله في كتابه حيث يقول: {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين}، وهو وعد رسول الله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى حيث قال مؤكداً هذه الحقيقة الإلهية: (لو لم يبق من عمر الدنيا إلاّ يومٌ واحدٌ لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجلٌ من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
ولكن ما نريد قوله هنا: "ما هو المراد من انتصار المستضعفين؟" هل المراد الإنتقام من الطغاة وإقامة سلطة بديلة تقود لتمارس نفس الدور الذي مارسه المستكبرون ككثيرٍ من الثورات التي قام بها المستضعفون عبر التاريخ، لكنّها سرعان ما زالت و بادت لأنّها كانت عبارة عن استبدال نظامٍ بآخر لمجرد الوصول إلى السلطة و الإستفادة من إمكاناتها المادية لمنفعةٍ شخصية أو فئوية؟
أو المراد هو إقامة سلطة عادلة تعطي لصاحب الحقّ حقّه و تأخذ الحقّ من مُغتصبيه، و تسعى من أجل تأسيس الدولة الإلهية التي تطبّق أحكام الإسلام و قوانينه في كلّ مجالات الحياة تحت قيادةٍ إلهية معصومة بعيدة عن الإنغماس في الدنيا و التنعّم بملذاتها و خيراتها، وتعمل على نشر عبادة الله عزّ و جل كبديلٍ عن كلّ الإنحراف و الإبتعاد عن القيم الروحية و الإيمانية و الأخلاقية؟
هنا نقول إنّ المراد هو إقامة السلطة العادلة بمعناها الإلهي الشفاف و المجرّد عن الأهواء و الغايات من أجل تحقيق المجتمع النموذجي الذي أراد الله للبشرية أن تعيشه طوال وجودها في هذه الدنيا لولا الإنحرافات التي تسبّب بها الظالمون والطغاة الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء الربوبية والألوهية في مقابل الذات الإلهية المقدّسة مثل فرعون موسى ونمرود إبراهيم.
والمراد بالمجتمع النموذجي هو ذلك المجتمع الذي يشعر فيه الإنسان بقيمته الإنسانية، ويمارس فيه شعاراته وقناعاته بحريّة تامّة من دون إكراهٍ أو إجبار، ويعيش فيه الإنسان بطمأنينة وسلام على نفسه وأهله وماله وكلّ متعلقاته، فلا يخاف من ظالمٍ يظلمه او من معتدٍ على عرضه أو من سارقٍ لماله، ويعيش الناس مع بعضهم البعض بمحبةٍ وتعاونٍ وتآلف، فلا نزاعات بين الجماعات البشرية في ذلك العصر لأنّه ليس هناك أسبابٌ تدعو لذلك، لأنّ القيادة الحكيمة والعادلة والرشيدة للإمام المهدي "عج" تمسك بزمام الأمور بطريقةٍ وإدارةٍ سليمة تمنع حصول مثل تلك الأحداث والنزاعات التي غالباً ما تكون أسباب حدوثها مصالح دنيوية أو لطغيان فئةٍ على أخرى، وهذا لا تحقُّق له في دولة الإمام المهدي"عج".
وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الأئمة (عليهم السلام) الكثير من النصوص والأخبار التي تشرح أحوال الناس في دولة صاحب العصر والزمان "عج" وعن كيفية عيشهم وعن الرخاء والأمان والسلام الذي يعمّ البشرية، ومنها ما ورد عن إبن عباس إبن عم أمير المؤمنين(عليه السلام) وكان تلميذه حيث يقول: (...وأمّا المهدي فإنّه يملأ الأرض عدلاً كما ملأت جوراً وتأمن البهائم والسباع وتلقي الأرض أفلاذ كبدها، قلت: وما أفلاذ أكبادها؟ قال: أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورد الرواية التالية: ( ذكر رسول الله بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأً يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلاً من عترتي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملأت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء شيئاً من قطرها إلاّ صبته مدراراً ولا تدع الأرض شيئاً من نباتها إلاّ أخرجته حيث يتمنى الإحياء أموات)، وقد ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام): ( القائم منا منصور بالرعب مؤايداً بالنصر تطوى له الأرض وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب "العالم كله" ويظهر الله عز وجل دينه على الدين كله ويكره المشركين، وينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي خلفه...).
لذلك كلّه نقول إنّ الظلم المُستشري والمُستفحل اليوم لا يدوم ولا يكتب له البقاء والإستمرار لأنّ الله عزّ وجل لا بدّ أن يختم الحياة البشرية بالمجتمع النموذجي الإلهي العادل الذي تنعم فيه الإنسانية بأعلى درجةٍ من درجات العيش السعيد والرغيد على يدي الإمام المهدي المنتظر"عج" الذي نرقب يوم ظهوره لإنقاذ البشرية المعذّبة من المستكبرين والظالمين، ونسأل الله أن يجعل ذلك اليوم قريباً جداً لأنّ كلّ العالم بدأ يعيش هذه الحالة النفسية التي تؤهله لاستقبال القائد الغائب عجل الله فرجه.
والحمد لله رب العالمين