المجموعة: مقالات مختلفة
نشر بتاريخ 15 شباط/فبراير 2014
اسرة التحرير
الزيارات: 7412
من أهم مميزات القيادة أن تكون لديها القدرة الكافية على التعامل مع الأتباع المؤمنين بها بالطريقة التي تضمن ولاءهم في كل الحالات، اليسيرة منها والعسيرة على حد سواء، وأن يكون ذلك الولاء نابعاً من الإرادة الإختيارية الحرة للأتباع التي تجعلهم في موقع القادر على العطاء لكل ما يمكن بشوق ورغبة واندفاع.
وهذه الميزة المهمة لمنصب القيادة هي التي تحققت بأوضح صورها وأجلى مصاديقها بأئمة أهل البيت عليهم السلام الذين سكنت محبتهم في القلوب فاستوطنتها إلى الحد الذي لو فتحت قلب التابع لهم لم تجد إلا أسماءهم محفورة ومجبولة بالدم الذي يخفق منه.
من هنا، ننتقل إلى ليلة العاشر من المحرم، وهي الليلة الأخيرة التي كانت قد بقيت للحسين عليه السلام وأصحابه في هذه الحياة الدنيا، ولنحاول أن نرسم الصورة الجمالية التقريبية لتلك الليلة من خلال مجرياتها.
تذكر روايات السيرة الحسينية أن تلك الليلة كانت مليئة بالحركة على كل المستويات، فبعض يعبد الله دعاءً وصلاةً وقراءة للقرآن، وبعض يتفقد المعسكر حتى يأمن مكر وغدر جيش النفاق الأموي، وبعض يحاول أن يطمئن العقيلة زينب عليها السلام عندما أحسوا بقلقها من وفاء الأصحاب عبر مسيرة تاريخية نادرة قام بها أولئك لكي تدخل السكينة إلى ذلك القلب المؤمن الهادئ.
إلا أن تلك الليلة قد شهدت موقفاً رسالياً أبوياً فيه من الحكمة، وفيه من رحمة القائد بالأتباع الشيء العظيم، ذلك الموقف هو الذي وقفه الإمام الحسين عليه السلام، عندما طلب من أصحابه أن ينصرفوا في جوف الليل لينقذوا أنفسهم من الموت المحتم، باعتبار أنهم معرضون للقتل بسبب وقوفهم إلى جانب الإمام عليه السلام، فإذا انصرفوا عنه لن يلحق بهم الأعداء، لأنهم يكونون قد نالوا مرامهم وحصلوا على مبتغاهم وهو قتل الحسين عليه السلام. إن مثل ذلك الموقف من الإمام الحسين عليه السلام وهو في تلك اللحظات الحرجة والصعبة يمثّل قمة التفاعل وعظمة الإحساس بالمسؤولية تجاه من هو مسؤول عنهم، فأي قائد يعيش ذلك الظرف العصيب الذي يحتاج فيه إلى جهد المرأة والطفل فضلاً عن الرجل، يسمح لأتباعه بأن يتحللوا من عهدهم وبيعتهم، ويطلب إليهم التسلل تحت جنح الظلام للنجاة؟ ولقد تركت لنا السيرة ذلك النص الخالد عن الإمام الحسين عليه السلام الذي ورد فيه (ألا وإني قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلٍ ليس عليكم في ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي، فإن القوم لا يطلبون غيري. ..).
اِقرأ المزيد: القيادة ، حكمة ورحمة