موجز عن حياة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2639
هو الإمام الثاني من سلسلة الأنوار الإلهية، وهو ابن أمير المؤمنين البكر وابن سيّدة نساء العالمين الزهراء البتول (عليها السلام)، ولد يوم الخامس عشر من السنة الثالثة للهجرة في المدينة المنوّرة، وقد سمّاه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحسن، ولم يكن هذا الاسم معروفاً عند العرب وهو الترجمة الحرفية لاسم "بشر" إبن النبي هارون (عليه السلام)، كما أنّ الحسين (عليه السلام) هو الترجمة الحرفيّة لاسم "بشير" ولد النبيّ هارون (عليه السلام) أيضاً. ورد في حقّه العديد من النصوص التي تدلّ على إمامته ومكانته عند الله وعند رسوله، فهو المشمول بآية التطهير وآية المباهلة وآية المودّة في القربى، وفي الحديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) (اللهم إني أحبّه فأحبّه) و (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة) و (الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا فمن أحبّني فليحبّهما، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله وأدخله النار)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه وعن أخيه: (أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددي، وأمّا الحسين فله جرأتي وجودي). عاش مع جدّه رسول
الله سبع سنين كان يشمله فيها بالرعاية والعناية والإهتمام، ولم يلبث أن فقد أمّه الزهراء (عليه السلام) بعد جدّه بشهور قليلة لم تتجاوز السنة على أكثر الروايات، وقد كان لهذين الحدثين أثرٌ كبيرٌ في حياة الإمام (عليه السلام) بقي يظهر عليه لفترةٍ طويلة من حياته المباركة، وبقي مع أبيه ثلاثين سنة أي إلى حين استشهاده بعدما ضربه اللعين ابن ملجم وهو في محراب الصلاة في شهر رمضان المبارك من سنة أربعين للهجرة، وبايعت الناس الإمام الحسن (عليه السلام) بالخلافة بعد أبيه. وتسلّم الإمام الحسن (عليه السلام) الإمامة في ظرفٍ عصيبٍ جداً، بعد أن كان أمير المؤمنين (عليه السلام) زمن خلافته قاتل القاسطين والناكثين والمارقين، واستشهد (عليه السلام) ولم تكن المشاكل قد حسمت بعد، فقد بقي معاوية بن أبي سفيان والياً على الشام، ويعمل على الوصول إلى منصب الخلافة بكلّ الوسائل والأساليب، ولهذا بقي خارجاً عن طاعة الإمام المفترض بعد علي (عليه السلام) وهو الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، وبثّ جواسيسه وعملاءه في صفوف جيش الإمام الحسن (عليه السلام) الذي كانت الحروب مع الأمير قد أتعبته واستنزفت قواه، لكنه مع كلّ ذلك بقي الإمام الحسن (عليه السلام) مصرّاً على إكمال ما بدأه والده في الإستمرار بالحرب ضدّ معاوية الذي شقّ وحدة المسلمين بدعواتٍ لا أساس لها من الصحّة ومنشؤها أنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) هو الذي سمح بقتل الخليفة الثالث مع أنّ التاريخ يؤكّد أنّ أمير المؤمنين هو الذي عمل على تهدئة الثائرين ضدّ عثمان حتى أنّه وضع ولديه "الحسن والحسين" حارسين على باب عثمان حتى لا يدخله أحد ويمسّه بالسوء. لكن النفس المريضة لمعاوية وطمعه بالخلافة أدَّيا به إلى عصيان الطاعة للأمير وللخليفة من بعده الإمام الحسن (عليه السلام)، واستطاع أن يستميل أبرز قادة جيش الإمام الحسن عبر إغرائهم بالمال الوفير، وكان من بين القادة الذين اشتراهم معاوية عبيد الله بن العباس بإعطائه ألف ألف درهم "مليون" بتعبير اليوم إن هو ترك الإمام الحسن (عليه السلام)، وكان عبيد الله هو قائد جيش الإمام، وكان الإمام الحسن (عليه السلام) قد أمره بالسير قبله لملاقاة معاوية على أن يلحق به مع بقية الجيش الذي كان تعداده وفق المؤرّخين بين أربعين إلى ستين ألف مقاتل. وكان للغدر الذي قام به عبيد الله أثرٌ كبير عند الإمام الحسن (عليه السلام)، لأنّ رضوخه لما أغراه به معاوية سمح لذوي النفوس المريضة والضعيفة أن تنسحب من جيش الإمام (عليه السلام) حتى تفكّك وتخاذل بحجّة أنّه قد كان فيه أرحام الإمام وأقرب المقرّبين إليه قد غدر به وخانه والتحق بمعاوية. وبعد أن أدرك معاوية أنّ من بقي وفيّاً للإمام الحسن (عليه السلام) من الجيش لم يعد قادراً على الحرب والإنتصار، عمل على دعوة الإمام (عليه السلام) للصلح، لأنّه كان يعلم أنّ قتاله للإمام الحسن (عليه السلام) وهو في موقع الخليفة الشرعي سيثير حول وصوله للخلافة شكوك كثيرة لا يريد للناس أن تصل إليها. ونتيجةً لواقع القوى بين الفريقين وجد الإمام (عليه السلام) أنّ الصلح هو الحل الأنسب للمرحلة التي كان يمرّ بها، وعلى أساس ذلك وضع الإمام الحسن (عليه السلام) بنفسه شروط الصلح ووافق عليها معاوية ظاهرياً، مع أنّه كان يضمر في نفسه عدم الإلتزام بأيّ شرطٍ منها ومن أهمّها أنه "إذا مات معاوية في زمن حياة الإمام الحسن (عليه السلام) فالخلافة تعود للإمام (عليه السلام)"، لكن معاوية استطاع أن يتخلّص من الإمام الحسن (عليه السلام) بالسم عبر زوجته حتى يخلو له الجو لتهيئة الخلافة لولده "يزيد" مع ما كان عليه من الصفات الرذيلة، مع أنّ يزيد هو مجرّد سيئة من سيئات أبيه الداهية والماكر. من هنا نقول إنّ خيانة القيادة الشرعية للإمام الحسن (عليه السلام) هي التي سمحت لخطّ الإنحراف أن يستلم زمام الخلافة ويحوّلها إلى إرثٍ عائلي، بدلاً من أن تكون الخلافة هي القائدة لمسيرة الأمة نحو الفلاح والنجاح عبر الحفاظ على خطّ الإستقامة في رحاب طاعة الله والإقتداء بسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن خلال القادة المؤمنين والمؤتمنين على دين الله وأمّة الإسلام، وهذا ما ينبغي أن نستفيد منه فلا نترك القيادة الشرعية مهما كانت عوامل الترغيب أو الترهيب التي يمارسها أصحاب المطامع الدنيوية الفانية. والحمد لله ربّ العالمين.