أسباب صلح الإمام الحسن (عليه السلام)
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2574
الإمام الحسن (عليه السلام) هو الولد البكر للزواج المبارك لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وسيّدة نساء العالمين (عليها السلام)، هو الإمام الثاني من سلسلة الأئمة المعصومين، عاش مع جدّه سبع سنوات من عمره المبارك، وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هو من سمّاه باسمه الذي لم يكن معروفاً عند العرب من قبل، وقد شمله بعنايته ورعايته، وبعد رحيل جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ربّه راضياً مرضياً عاش مع أبيه أمير المؤمنين ثلاثين عاماً حتى لحظة استشهاده، فتولّى الإمامة بعده وقاد مسيرة الأمّة الإسلاميّة، إلّا أنّه اضطرّ للتنازل عن الخلافة لمعاوية وفقاً للصلح المشهور المعروف ب "صلح الحسن" وقد استشهد بعد أن وضعت له زوجته "جعدة بنت الأشعث" السم بتآمرها مع معاوية. هذا بنحوٍ من الإختصار الشديد مراحل حياة الإمام (عليه السلام) إلّا أنّه ما ينبغي الوقوف عنده مليّاً في حياة هذا الإمام العظيم الذي قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه وعن أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) :(الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)، فهذا الحديث
ينفي بدلالة أيّ عيبٍ أو نقصٍ في شخصيّته القيادية والرسالية والإيمانية، وقد اخترنا هذا الحديث بالخصوص للدخول إلى مسألة مهمة من حياة ذلك الإمام العظيم وهي مرحلة الخلافة التي استلمها بعد وفاة أبيه ثمّ تنازله عنها لصالح معاوية، حيث أنّ هذه المسألة مازالت حتى اليوم مثار جدل بين العلماء والمفكرين الذين تعرّضوا لهذه المرحلة من حياة الإمام الحسن (عليه السلام) فهم ما بين مؤيّد ومعارض، وبين مدافع وناقد، كلٌّ وفق نظرته لمجريات أحداث تلك الفترة. وما يجب قوله قبل كلّ شيء أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) هو إمامٌ معصوم، وهذا يعني أنّ فعله منزّه عن الخطأ والزلل ولو لم نعرف وجه الحكمة والسبب فيه، وقد أجاب الإمام الحسن نفسه عندما طولب عن سبب صلحه مع معاوية فقال (عليه السلام): (... ألا ترى الخضر (عليه السلام) لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (عليه السلام) فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي، هكذا أنا سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلّا قتل). وإذا أردنا أن نعدّد الأسباب الموجبة للصلح والتنازل من الإمام (عليه السلام) لعثرنا على العديد منها ونذكرها هنا باختصار وهي: الأول: التعب الشديد والخسائر الكبيرة التي حصلت في الحروب التي خاضها الإمام علي (عليه السلام) مع القاسطين والناكثين والمارقين في فترةٍ قصيرة هي مدة حكم الأمير (عليه السلام) وخلافته. الثاني: التمرّد الذي حصل من مجموعاتٍ كبيرة من جيش الإمام الحسن (عليه السلام)، مُضافاً إلى الخيانة التي حصلت من بعض قادة الجيش الذين اشتراهم معاوية بالمال وأغرى البعض الآخر بالمناصب. الثالث: ما قاله السيد المرتضى علم الهدى :(أنّ المجتمعين من الأصحاب وإن كانوا كثيري العدد، فقد كانت قلوبهم نغلة غير صافية، وقد كانوا حسبوا إلى دنيا معاوية من غير مراقبة ولا مساترة...)، ويعني هذا الكلام أنّ حبّ الدنيا والجبن عن الجهاد نتيجة الخوف من القتل هو الذي كان سبباً مهمّاً من أسباب تقاعس الجيش وتكاسله عن الإنصياع لأوامر الإمام بالقتال. الرابع: حفظ شيعته وأصحابه من القتل على يد معاوية وزبانيته الذين لولا الصلح لقتلهم هذا الطامع بالخلافة غير مبالٍ بأحكام الإسلام وتطبيقها، وإنّما كان يقاتل للوصول إلى الملك لا غير، وهذا ما أثبته عندما قال: (بأنّ كلّ شرطٍ شرطه للحسن فهو تحت قدمي هذا...). الخامس: حفظ الإمام الحسن (عليه السلام) لعودة الخلافة إليه إن كان حيّاً عند موت معاوية أو تسليمها للإمام الحسين (عليه السلام) إذا كان الحسن غير حي، وهذا الشرط هو الذي كان التمهيد الشرعي السليم للثورة الحسينية ضدّ يزيد لأنّ معاوية عندما أخذ البيعة لولده الفاسق الفاجر "يزيد" قد خالف أحد شروط الصلح المهمة والأساسية، ولهذا لم يستطع أحد من كلّ الباحثين في السيرة أن يقولوا إنّ ثورة الحسين (عليه السلام) كانت ضدّ الحكم الواجب الطاعة، بل كانت ضدّ الحاكم الظالم المغتصب. مع أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) لو توافرت له الأنصار بالعدد الكافي للقتال لما تأخّر لحظة في ذلك، وقد ورد عنه بعد إستلامه للخلافة أن خطب فقال: (أيّها الناس: إنّ الدنيا دار بلاء وفتنة، وكلّ ما فيها إلى زوال واضمحلال، ... وإنّي أبايعكم على أن تحاربوا من حاربت، وتسالموا من سالمت، فقال الناس: سمعنا وأطعنا، فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنين). من هنا نقول إنّ العبرة من هذه المسألة المهمة أنّ طاعة ولي الأمر ضرورة لا بدّ منها وواجب لا يجوز التخلّي عنه في أيام الشدة كما في أيام الرخاء، وإلّا كانت عاقبة المعصية سيّئة جداً ومؤلمة على المؤمنين الملتزمين كما حصل مع الإمام الحسن (عليه السلام)، الذي كانت خيانة جنده له سبباً لتسلّط معاوية واستلامه للحكم وتنكيله بالمؤمنين وقتلهم، وكان على رأسهم مجموعة من أقرب المقرّبين إلى الإمام علي (عليه السلام) كحجر بن عدي وولده وكثير غيرهما. والحمد لله ربّ العالمين.