معركة أحد
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 13044
قال الله تبارك وتعالى: ( وإذا غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ).
أحد: اسم منطقة بالقرب من المدينة في سفح الجبل، وفيها وقعت واقعة أحد، وفي هذه المعركة الكثير من العبر والمواعظ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، كيف حصلت المعركة، وما كانت دوافعها؟
لما رجعت قريش من بدر إلى مكة وقد أصابهم من القتل والأسر ما أصابهم، لأنه قتل منهم سبعون رجلاً، قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاهم فإن الدمعة إذا نزلت أذهبت الحزن والعداوة لمحمد، ثم تهيئوا لحرب الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) وخرجوا من مكة بخمسة آلاف مقاتل معهم النساء.
وصل خبرهم إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فجمع أصحابه وحثهم على الجهاد، فقال أحدهم نقاتل من داخل المدينة، فقام سعد بن معاذ عن الأوس وقال: نخرج إليهم ونقاتلهم فمن قتل منا فهو شهيد ومن نجا كان مجاهداً في سبيل الله، فقبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) رأيه وخرج مع نفر من أصحابه يتبؤون مقاعد للقتال، فتبعهم نفر من الخزرج، وكان عدد المسلمين ألف مقاتل تقريباً فرجع منهم ثلاثمائة من المنافقين وبقي معهم سبعمائة رجل. وكان لواء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي ولواء الكفار بيد طلحة بن أبي طلحة، وبدأت المعركة فما انجلت الغبرة إلا وتسعة من أصحاب ألوية الكفر قد مزقهم سيف ذي الفقار وقيل أن قتلى علي (عليه السلام) يوم أحد أربعون رجلاً وانهزم المشركون ودخل المسلمون عسكرهم يغنون وكاد النصر يتحقق لولا خذلان بعض المسلمين حيث تحول النصر إلى هزيمة، أما كيف ذلك فإليك:
كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وضع خطة محكمة رسمها لسير المعركة وقتال الكافرين وتتلخص هذه الخطة أن استقبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة وجعل أحداً ظهره، وجهز الرماة وكانوا خمسين رجلاً وأمر عليهم عبدالله بن جبير، فـأمرهم بوجوب ملازمة الجبل لحماية ظهر المقاتلين وعدم ترك ذلك الموقع أو الانسحاب منه تحت أي ظرف من الظروف، فبمجرد أن رأوا هزيمة المشركين في الجولة الأولى التي تكللت بالنجاح والظفر، أخلوا أماكنهم واندفعوا لأخذ الغنائم ولم يسمعوا كلام عبد الله بن جبير الذي ثبت في موقعه امتثالاً لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عدة رجال من الأصحاب.
في هذه الأثناء رأى خالد بن الوليد قلة ممن بقي من الرماة فجمع فلول المشركين وانقض على عبدالله بن جبير فقتله وأصحابه، واقتحموا المسلمين من أدبارهم فأكثروا فيهم القتل ووصلوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فشج رأسه وكسرت رباعيته وأخذه نزف الجراح ونادى مناد إن محمداً قد قتل، فانكفأ الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يثبت معه إلا خلاصة الإيمان وفي طليعتهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبو دجانة الأنصاري، فقال بعض الصحابة، ليتنا نجد من يأخذ لنا الأمان من أبي سفيان، وقال آخرون لو كان محمد نبياً لم يقتل، إلحقوا بدينكم الأول وحدثت البلبلة وانطلقت الإشاعات وصار المسلمون في هرج ومرج، وهنا تدخل القرآن لحسم المشكلة حيث يقول تعالى:
( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين ) آل عمران/ 144/، وحصلت الهزيمة وكانت ( أحد ).
- الرسالة هي الأصل والمبدأ، والقيادة تمثل دور الحملة لها، فقيمتهم بمقدار ما يقدمون لها من خدمات وتضحيات، الأمر الذي يلغي فكرة أن الشخص هو الأساس وأن الرسالة شأن من شؤونه، من هنا نقول:
إن غياب القيادة مهما كانت عظيمة لا يوقف المسيرة ولا يلغي الرسالة، لأن عظمة القائد في حساب الرسالات لا تجمدها عند حدود حياته لتنتهي بانتهائه، ولعل من أروع النماذج على هذه الحقيقة ما ورد في التاريخ من أن رجلاً من المهاجرين مرّ برجل من الأنصار يتشحط بدمه فقال المهاجرون: أعلمت أن محمداً قد قتل؟ فقال الأنصاري في جوابه: إن كان محمد قد قتل فقد بلّغ، فقاتلوا عن دينكم.
وهناك نموذج آخر ذكره الطبري في تفسيره، أن أنس بن النضر مرّ بعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله وجمع من المهاجرين والأنصار، فقال أنس بعد أن رآهم قد ألقوا بأيديهم ما يجلسكم؟
قالوا: قتل محمد.فقال أنس: إن كان محمد قد قتل، فإن رب محمد لم يقتل، ثم قال: اللهم إني أبرأ مما جاء به هؤلاء، فشد سيفه فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.
وخلاصة الموقف: أن الدين يقرر عدم ربط الفكر والعقيدة بالأشخاص، بل الأشخاص عليهم أن يكونوا في خدمة العقيدة.
- طاعة القيادة والمسؤولين في النظام الإسلامي فرض واجب عقلاً وشرعاً، والله يبين ذلك في كتابه: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ).
- فالتمرد على القيادة الشرعية ـ كما حصل للرماة في أحد ـ وعدم طاعتها يدل في الواقع على الأنانية والتعصب الأعمى للذات، وفي علم الأخلاق يذكر أن أحد طرق بناء الإنسان لذاته هو تنمية الإنسان في نفسه روح التسليم تجاه الحق تعالى والتمحور حوله تعالى سواء للقادة أو المسؤولين المنتخبين من قبل الولي الفقيه، وطاعتهم أمر ضروري وواجب لأنها متفرعة عن طاعة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ) وامتداد لها لذا فالذي يعصي أوامر قائده عمداً يعتبر عصياناً بمثابة حد الكفر وهو بالأحرى تجرأ على الله تعالى.
- أداء التكليف الشرعي حتى لو بقي المجاهد وحيداً ـ كما حصل لأمير المؤمنين (عليه السلام) عندما وقف وثبت أمام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع خلة من الإصحاب ولم يفر كما فرّ الآخرون ـ فعلى المجاهد ان لا يتزلزل ولا يهن أمام الهزائم الظاهرية، فعلى المجاهد أن يصبر في ساحة المواجهة تجاه المصاعب والمحن كي يستقبل الملائكة، ولكي يصل إلى الدرجة التي يأتي معها الخطاب الإلهي: ( يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) النصر / 27 ـ 30.