أحكام الطّلاق: أنواع الطلاق "3"
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 27185
أولاً- أنواع الطّلاق. في الإسلام يوجد ثلاثة أنواعٍ للطّلاق هي التالية:
1 – الطّلاق الرّجعيّ والبائن.
2 – الطّلاق الخلعيّ.
3 – الطّلاق المباراتيّ "طلاق المباراة".
ثانياً- التّفصيل في الطّلاق الرّجعيّ والبائن:
الكلام في الطّلاق الرّجعيّ: وسبب تسمية هذا الطّلاق بـ"الرّجعيّ" لأنّ الزوج بعد وقوع الطّلاق صحيحاً لتماميّة الشروط المُعتبرة فيه، يجوز للزوج طالما أنّ زوجته لم تنته من عدّتها ،وهي "أن تمر عليها الطهر ثلاث مرات بعد الطّلاق"، أن يردّها إلى زواجه رضيت أو لم ترضَ، لأنّ الرجوع هو حقٌّ للزوج دون الزوجة، ولا يحتاج إرجاع المطلّقة الرجعيّة إلى إجراء عقد قرانٍ جديد، بل يعود العقد الأول إلى فاعليّته، لأنّ الطّلاق الرجعيّ هو عبارةٌ عن إيقاف فاعليّة عقد الزواج بسبب وقوع الطّلاق، وعليه فإذا مضت "العدّة الشرعيّة"، وهي مرور ثلاثة أطهار عند المرأة بعد الطلاق، ولم يرجعها الزوج عندئذٍ يحصل الإنفصال التّام بين الزوجين، وإذا أراد الرجوع إليها فهذا يتوقّف على موافقتها من جديد، لأنّ انتهاء العدّة وعدم إرجاعها في أثنائها يجعل المرأة أجنبيةً عن الزوج ولا يعود له سلطةً عليها وليس له أن يطالبها بشيء.
ويترتّب على الطّلاق الرجعيّ أمورٌ عديدةٌ نذكرها بالتّفصيل:
1 – يحقّ للزوجة المطلّقة رجعيّاً بل يجب عليها أن تبقى في بيت زوجها ولا يجوز لها أن تخرج منه، بل يجوز لها أن تتزيّن لزوجها وأن تزيل المنفّرات لعلّ ذلك يقع في قلب زوجها، فيرجع عن الطلاق، ولا يجوز لها الخروج من بيتها أيضاً إلاّ في الحالات الضروريّة كأداء واجبٍ أو حالةٍ مرضيّةٍ صعبة تستدعي الذهاب للطّبيب المُعالج وما شابه ذلك، بل لا يجوز للزوج إخراجها من بيته، إلاّ إذا- لا سمح الله- قامت بعملٍ فاحشٍ مبيّن يوجب الحدّ الشرعيّ كالزّنا وما شابه ذلك، أو تقوم بأعمالٍ تصبح بسببها ناشزاً شرعاً.
2- لا يجوز للمطلّقة رجعيّاً العقد على أيّ إنسانٍ حال عدّتها، لأنّها لا زالت بحكم الزوجة شرعاً كما أوضحنا في "1"، ولذا لو عقدت على إنسانٍ في هذه الفترة كان العقد باطلاً، وإذا كانت عالمةً بأنّه لا يجوز لها فعل ذلك فإنّها تحرم عليه مؤبّداً، وكذلك بالنسبة لمن عقد عليها إذا كان يعلم بأنّه لا يجوز العقد على المطلّقة رجعيّاً أو أنّها تحرم عليه ومع هذا عقد عليها تحرم عليه مُطلقاً وحتّى لو انتهت من العدّة لا يمكنه تجديد العقد عليها، أمّا لو عقد عليها ودخل بها أيضاً بمعنى أنّه تزوّجها، فهنا أيضاً تحرم عليه مؤبّداً ويحرم عليها مؤبّداً ولو كانا جاهلين بأنّها تحرم عليه. أمّا إذا كانا جاهلين بأنّ العقد في العدةّ باطلٌ وعقد عليها ولكن لم يدخل بها ثمّ علما بحرمة العقد بينهما، فهنا كلّ ما في الأمر أنّ العقد يكون باطلاً، ويمكنه بعد انتهاء عادتها العقد عليها من جديد.
3 – المطلّقة رجعيّاً إذا ماتت في أثناء عدّتها فإنّ زوجها يرث منها كما لو كانت ما زالت زوجته، وكذلك لو مات الزوج قبل انتهاء عدّتها فإنّها ترث من الزوج كأنّه لم يطلّقها.
ولمعرفة أنواع الطلاق الرجعيّ وموارده يمكن مراجعة المقال السابق في العدد السابق من مجلة بقية الله حتّى لا نكرّر الكلام ونعيده هنا أيضاً.
الكلام في الطّلاق البائن.وسبب تسمية هذا الطّلاق بـ"البائن" هو أنّ الزوج بعد حصول صيغة الطلاق منه مع تماميّة الشروط كاستماع أو سماع الشاهدين، والقصد والإختيار، وعدم الإكراه، لا يجوز له- بمعنى لا يصحّ- ولا يمكن إرجاع الزوجة إلى حبال الزوج إلا بعقدٍ جديد، لأنّ مجرّد إنشاء صيغة الطّلاق في البائن يجعل الزوجة أجنبيةً عن الزوج، وكأنّها لم تكن زوجته أصلاً.
ويترتّب على الطّلاق البائن أحكامٌ شرعيةٌ أيضاً هي التالية:
1 – يجوز للمطلّقة بالطّلاق البائن الإعتداد خارج منزل زوجها إذا كانت لها عدّة، كالمطلّقة الطّلاق الثالث، لأنّ الزوج لا يمكنه ردّها حتّى لو أراد إلاّ بوسيلةٍ خاصةٍ سوف نذكرها لاحقاً في المقال.
2 – يجوز للمطلّقة بالطّلاق البائن إذا لم يكن لها عدّة كغير المدخول بها أو اليائسة وهي من بلغت سنّ الخمسين في غير الهاشميّة أو الستين سنة هجرية في الهاشميّة، أن تتزوّج ممّن تريد مباشرةً لأنّه لا عدّة عليها، أو إذا كانت الزوجة صغيرةً بمعنى أنّها لم تبلغ سن تسع سنوات هجرية، فالحكم هو كذلك، فيجوز لوليّها أن يزوّجها لأيّ شخصٍ إذا كان في الزواج مصلحةً يراها الوليّ.
3 – لا تجب نفقة المطلّقة بالطّلاق البائن، لأنّ النّفقة وكأنّها مشروطةٌ بتمكّن الزوج من ممارسة فعل الزوجيّة، وهذا الأمر في الطّلاق البائن لم يعد مقدوراً له لأنّه لا يتمكّن من إرجاع الزوجة لتحصيل المُتع الجنسيّة أو غيرها من التي كانت زوجته.
وهناك ملاحظةٌ في نوعي الطّلاق -الرجعي والبائن إذا كان له عدّة للمرأة- أنّ دخول المرأة المطلّقة في العدّة الثالثة يمنع الزوج من إرجاع الزوجة في الطّلاق الرجعي، وومجرد الدخول في الحيضة الثالثة هو الذي يجيز لها الإرتباط عبر الزواج بشخصٍ آخر، ولا يجوز لها عقد قرانٍ أثناء الحيضة الثالثة لأنه باطل.
ثالثاً: التّفصيل في الطّلاق الخلعي.وهذا النوع من الطّلاق يتوقّف على وجود أمورٍ لا بد منها ليكون صحيحاً وهي:
1 – أن تكون الزوجة قد صارت كارهةً للزوج، بشرط أن لا يكون الزوج قد تعمّد القيام بأفعالٍ حتى تكرهه، فالمراد إذن أن يكون الزوج في مظهره أو تصرفاته مع زوجته أدّت وفق طبيعته العاديّة إلى أن يصبح مورد كراهة الزوجة.
2 – أن تبذل الزوجة مالاً أو أيّ شيءٍ له قيمة مالية للزوج حتى يقبل أن يطلّقها إذا مانع في إجراء الطّلاق بمجرّد طلبها، ويجوز في هذه الحالة أن تعطيه مهرها أو تتنازل له عنه حتّى يطلّقها في مقابل ذلك، وللزوج في هذا النوع من الطلاق أن يطالب بأيّ مبلغٍ يريد أيّ سواءٌ أكان مساوياً للمهر المكتوب لها أو أكثر أو أقل، لأنّ الكراهة من طرف الزوجة، فحتّى يتنازل الرجل عن حقّه بالطّلاق يجوز له أن يقبل ما تبذله له الزوجة ليتمّ الإنفصال بينهما بالطّلاق الخلعيّ.
3 – الطّلاق الخلعيّ هو نوعٌ من أنواع الطّلاق البائن ولو كان هو الطّلاق الأوّل بين الزوجين، لأنّه لو أجزنا للزوج أن يُرجع زوجته حتّى مع البذل فلا معنى للطّلاق لأنّه خلاف المقصود، لأنّ المراد من الطّلاق الخلعيّ هو إنفصال الزوجة عن الزوج لكرهها له وحتّى لا ترجع إليه.
4 – يمكن للمطلّقة بالطّلاق الخلعيّ البائن إذا كان هو الأوّل أو الثاني أن ترجع فيما بذلت لزوجها حتّى يطلّقها، لكن بشرط أن يكون هذا في عدّتها الشرعيّة وعندها يتحوّل الطّلاق من بائنٍ إلى رجعيّ ويمكن للزوج إرجاعها إذا أراد، لأنّ المانع من الإرجاع هو الإستمرار في البذل، فإذا تراجعت عن البذل يمكن للزوج الرجوع في الطّلاق.
أمّا إذا كان الطّلاق الخلعيّ هو "الثالث" بحيث أنّ الزوج المطلّق لا يمكنه أن يُرجع زوجته لو رجعت في البذل، فهنا لا يصحّ من الزوجة الرجوع في البذل لأنّ الزوج غير قادرٍ على إرجاعها، وعليه يتبيّن أنّ الرجوع في البذل مشروطٌ بإمكان الزوج إبطال الطّلاق عبر إرجاع الزوجة إلى زوجيّته.
رابعاً: التعطيل في طلاق المباراة. وهو النوع الثالث من الطّلاق وله شروطٌ أيضاً وهي:
1 – أن تكون الكراهة من الطّرفين، فالزوج صار كارهاً للزوجة، والزوجة صارت كارهةً للزوج ولا يريدان الإستمرار في العيش كزوجين.
2 – لا يحقّ للزوج في هذا النوع من الطّلاق أن يطلب من الزوجة مالاً حتّى يطلّقها أزيد من المهر الذي كتبه له، ويجوز القبول ببذل الأقلّ من المهر.
3 – طلاق المباراة بائنٌ لا يجوز للزوج الرجوع فيه ولو كان الطّلاق هو الأول بين الزوجين. نعم لو رجعت المطلّقة بهذا الطّلاق فيما بذلت جاز للزوج الرجوع، أمّا إذا لم يكن الزوج قادراً على إرجاعها كما لو كان رقم الطلاق هو الثالث بينهما لا يصحّ من الزوجة الرجوع فيما بذلت لزوجها.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ المطلَّقة ثلاث مرات بأيّ نوعٍ من أنواع الطّلاق تصبح محرّمةً على زوجها، إلاّ عبر وسيلةٍ خاصّةٍ هي الزواج من آخرٍ ثمّ يطلّقها ثمّ يمكن لزوجها الأول إعادة الزواج منها، إلاّ أنّ هذا الزواج المُحلّل له شروطٌ هي التالية:
1 – أن يكون الزوج الذي يُراد منه إعادة تحليل المطلّقة ثلاثاً لمطلّقها بالغاً شرعاً، فإذا كان صبياًّ غير بالغٍ لا عبرة بزواجه منها.
2 – أن يتحقّق الزواج الفعليّ بين الزوج المحلّل والمطلّقة ثلاثاً وبشكلٍ يوجب الغسل وأن يكون الوطء في الفرج الذي منه يأتي الولد.
3 – أن يكون الزواج بالعقد الدائم لا المنقطع.
فإذا كانت الشّروط الثلاثة مُتحقّقةً صحّ الزواج، ثمّ يطلّقها الزوج المحلّل وتعتدّ عدّة الطّلاق، ثمّ بعد انتهاء العدّة الشرعيّة يجوز لزوجها الأوّل الذي كان قد طلّقها ثلاث مراتٍ أن يتزوّجها من جديد.
والحمد لله رب العالمين