مبحث الطّلاق: "الشروط" "2"
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 5803
ثانياً: أن يكون الزوج المطلِّق قاصداً للطّلاق، ومعنى القصد هنا أن يكون لديه إرادةً جديّةً وحقيقيّةً للطلاق وتحقيق الإنفصال عن زوجته، أمّا لو تلفّظ بصيغة الطلاق في مقام المزاح أو الهزل أو النّوم أو السّهو والغفلة فهنا لا يكون لهذه الصيغة أيُّ أثرٍ ولا يترتّب عليها البينونة بين الزّوجين.
ثالثاً: أن يكون الزوج المطلّق مختاراً وحراً في الطلاق، لا أن يكون مجبوراً على إجرائه أو مُكرهاً عليه، لأنّ الطلاق بالإكراه باطلٌ من النّاحية الشرعيّة ولا قيمة عملية له، وتبقى المطلَّقة في هذه الحالة زوجةً لزوجها لأنّ الطلاق لم يكن ناتجاً عن إرادةٍ حرّةٍ واختيار من الزوج.
ومعنى الإكراه هو: (حمل الغير على فعل أمرٍ يكرهه مع التّوعيد على عدم فعله بالإضرار به شخصيّاً أو بالإضرار بمن يجري مجرى نفس الشخص المُكره كأبيه وأمه وولده أو عرضه أو ماله بشرط أن يكون مقدار المال مُعتبراً ومُضراً بحال المُكرَه، وبشرط أن يكون من أجبره على الطلاق قادراً على تنفيذ تهديده ووعيده في حال لم يحصل الطلاق من المكروه والمجبر عليه).
أمّا لو فرضنا أنّ الزوج المُكرَه كان قادراً على ردع التّهديد ولو بالإستعانة بمن يقدر على حمايته ممّن يهدّدونه ولم يفعل ذلك وبادر إلى الطّلاق، فالطّلاق هنا صحيحٌ لعدم صدق الإكراه في هذه الحالة، لأنّ قدرته على ردع من أكرهه على الطلاق وعدم استعماله لهذه القدرة تمنع من صدق معنى الإكراه على هذا الطلاق.
ثمّ لو فرضنا أنّ المُكرَه أوقع صيغة الطّلاق ثمّ رضي به بعد وقوعه، فإنّ هذا الرضا اللاحق لإجراء صيغة الطلاق لا تنفع في تصحيح الطّلاق السّابق لأنّه كان باطلاً، والرضا اللاحق لا يُصحّح ما وقع باطلاً، وعليه فإذا كان راضياً بالطّلاق فعليه أن يعيد الطّلاق مع القصد والإختيار بدون الإكراه ليكون صحيحاً ومؤدياً إلى حصول الفراق بينه وبين زوجته.
رابعاً: من شروط صحة الطلاق أن يكون العقد الواقع بين الزوجين هو من نوع العقد الدائم وليس من نوع العقد المنقطع المعروف بـ"عقد المتعة" لأنّ عقد المتعة ليس فيه طلاق ولا يحتاج إلى الشّهود بل يكفي فيه أن يهب الزوج المدّة المتبقية من العقد أو ينتظر نهاية المدّة المحدّدة في العقد فيتحقّق الإنفصال تلقائيّاً بينهما من دون حاجةٍ إلى أيّ شيءٍ آخر.
خامساً: وهذا الشرط يحتاج إلى نوعٍ من التّفصيل لأنّه ليس شرطاً لكلّ امرأة متزوّجة، بل هو شرطٌ لبعض الأنواع دون الأنواع الأخرى، وذلك لأنّ الزوجة قد تكون:
1 – غير مدخولٍ بها أصلاً كما لو عقد عليها فقط من دون أن تصبح زوجته فعلياً بالدخول بها.
2 – أن تكون الزوجة كبيرةً في السّن بحيث تنتفي لديها أحكام النّساء كما لو كان عمرها فوق الخمسين سنة هجرية إن كانت غير هاشميّة، أو فوق الستين إن كانت هاشميّة، وهنا لا يختلف الحال سواءٌ أكان مدخولاً بها أو لا.
3 – أن تكون الزوجة صغيرةً في السن، أي تحت سن تسع سنوات هجريّة وهذا يمكن أن يحدث إذا زوَّج الأب إبنته الصغيرة لمصلحةٍ معيّنة.
4 – أن تكون الزوجة حاملاً من الزوج ولم تلد بعدُ ولم تُجهِض الحمل.
في هذه الأنواع الأربعة من الزوجة يصحّ الطلاق ولو كانت المرأة في حال الحيض، والحيض ليس مانعاً من صحة الطلاق في هذه الأنواع، وذلك لأنّ غير المدخول بها لا تحتاج إلى العدّة، ولأنّ الصغيرة لم يأتِها دم الحيض بعدُ، ولأنّ الكبيرة والتي نعبّر عنها بالإصطلاح الشرعيّ بـ"اليائسة" تنتفي أحكام الحيض عنها، ولأنّ الحامل تنتهي عدّتها بوضع الحمل، وعليه فطلاق هؤلاء جميعاً صحيحٌ ولو كُنَّ في العادة الشهرية أي "الحيض".
5 – المدخول بها وهي بين سنّ التاسعة وحتّى الخمسين سنة هجرية إذا كانت غير هاشميّة، أو الستين إن كانت هاشميّة، ولم تكن الزوجة حاملاً فهذه لا يصحّ طلاقها إذا كانت "حائضاً" أو كانت "نفساء"، بل على الزوج الذي يريد أن يطلّق هذه الزوجة أن ينتظر حتى تنتهي من عادتها الشهريّة أو حتّى تنتهي من أيّام نفاسها ثمّ يطلّقها ليقع الطلاق صحيحاً.
ومن شروط هذه الزوجة بالخصوص أن لا يطلّقها زوجها بعدما يكون قد وطأها وجامعها، لأنّ صحّة طلاق هذه الزوجة مشروطٌ بأن يطلّقها بعدما تأتيها العادة وتنتهي منها ولا يحصل بينهما فعل الجُماع، أو ينتظر إلى أن تنتهي أيّام نفاسها إذا كانت حاملاً ووضعت حملها ثمّ لا يقاربها وعندئذٍ يصحّ الطلاق منه. وإذا كان قد جامعها بعدما طهرت من الحيض أو من النّفاس فعليه الإنتظار حتى تأتيها العادة الشهريّة وتنقى منها ثمّ يطلّقها من دون أن يجامعها، وهذا ما يعبَّر عنه في الرسائل العمليّة للفقهاء بأنّ "صحة الطلاق مشروطةٌ بأن يكون في طهرٍ لم يواقعها فيه".
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أمرٍ قد يحصل أحياناً وفق ما نسمع ونعيش، وهو أنّ الرجل قد يجامع زوجته أحياناً في حال عادتها الشّهرية، لجهلٍ أو لتعمّدٍ أو لاستهتارٍ بأحكام الإسلام، فلو حصل ذلك فلا يصحّ طلاق الزوجة ولو اغتسلت من العادة بعد الإنتهاء منها، لأنّ مجامعتها في حال الحيض تبطل الطلاق الذي يقع بعد الإنتهاء من العادة الشهريّة، وعليه في هذه الحالة أن ينتظر حتى تأتيها العادة الشهريّة مرّة أخرى ثم تنقى منها حتّى يصحّ الطلاق.
ولا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أنّ الزوج قد يكون مُسافراً أحياناً لكنّه قادرٌ على معرفة حال زوجته وأنّها في العادة الشهريّة أو لا، فإذا علم بأنّها في العادة فلا يصحّ منه طلاقها ولو كان مسافراً، بل ينتظر انتهاء عادتها ثمّ يطلقها، كما أنّ الزوج لو كان موجوداً مع زوجته في بلدٍ واحدٍ ولا يتمكّن من معرفة حالها كما لو كان مسجوناً أو غير قادرٍ على الإستعلام عن حالها فيمكنه أن ينتظر الفترة التي يعتقد أنّها وقت عادتها ثمّ يطلّقها ويكون الطلاق صحيحاً من النّاحية الشرعيّة.
سادساً: الطلاق عندنا لا يقع إلاّ بصيغةٍ خاصّةٍ وهي أن يقول الزوج "أنتِ طالق" أو "زوجتي طالق" أو "فلانةٌ طالق" ولا يقع الطّلاق عند المذهب الجعفري بغير هذه الصيغة كما عند غيرنا من المذاهب الإسلاميّة الأخرى، وكما يمكن للرجل أن يطلّق بنفسه يمكن أن يجعل غيره وكيلاً في الطلاق فيقول الوكيل "زوجة موكلي فلان طالق هي طالق"، والقادر على الكلام لا يصحّ أن يطلّق بالكتابة أو بالإشارة بل عليه أن يتلفّظ بصيغة الطّلاق، نعم لو فرضنا أنّ الزوج كان غير قادرٍ على الكلام كما لو كان أبكم فيصحّ الطّلاق منه بالكتابة إن كان يعرفها أو بالإشارة إن كان عاجزاً عن الكتابة أيضاً.
وكما يجوز للزوج أن يطّلق زوجته بنفسه أو أن يوكِّل شخصاً في طلاقها، يمكنه أيضاً أن يجعل نفس زوجته وكيلاً عنه في طلاق نفسها منه، كما لو قال لها :(إذا خالفت أحكامي الشرعيّة في التّعامل معكِ فأنت وكيلةٌ عني في طلاق نفسك مني)، أو :(إذا غبتُ عنك أكثر من أربعة أشهر فأنت وكيلةٌ في طلاق نفسك)، وهذا التّوكيل صحيحٌ شرعاً ولا مانع منه.
ومن شروط صحّة الطّلاق أن لا يكون مُعلّقاً على أيّ شرطٍ من الشروط، بمعنى لو قال الزوج لزوجته: (أنت طالق إن خرجت من الدار) أو (أنتِ طالق إن زارتكِ فلانة)، فهنا لا يقع الطّلاق صحيحاً إذا خرجت من الدّار أو زارتها فلانة وهذا الطّلاق باطلٌ. نعم يمكن أن يطلقها فيما لو خرجت من الدّار مثلاً أو إذا زارتها فلانة بعد أن يكون قد منعها من ذلك وخالفت فيقول لها مثلاً :(أنتِ طالق).
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الطّلاق بالثلاث باطلٌ عندنا بمعنى لو أنّ رجلاً قال لزوجته: (أنتِ طالق) (أنتِ طالق) (أنتِ طالق) ثلاث مرات متتالية، أو قال لها: (أنتِ طالق بالثلاث)، فمثل هذا الطّلاق عندنا يكون طلاقاً واحداً لا غير، ويمكنه أن يرجعها إلى زوجيّته في أثناء عدّتها ويكون الرّجوع صحيحاً وهادماً للطلاق.
نعم لو فرضنا أنّ الزوج كان من أتباع المذاهب الإسلاميّة التي تُصحّح الطّلاق بالثلاث، فبالنّسبة إليه تصبح زوجته محرّمةٌ عليه حتى تنكح زوجاً غيره، فهنا يحقّ لزوجته الزواج من غيره، وحتى لو كانت الزوجة جعفريّة المذهب وطلّقها زوجها بالثلاث فإنّها تحرم عليه، لأنّه في الطلاق تكون العبرة بمذهب الزوج لا الزوجة، لأنّ الطّلاق هو فعل الرجل لا المرأة.
سابعاً: من شروط الطّلاق عندنا أيضاً أن يسمع شاهدان عادلان صيغة الطّلاق الصّادرة عن الزوج أو وكيله، بمعنى أنّ الزوج لو طلّق زوجته ولم يكن معهما أحدٌ أو كان معهما شخصٌ واحدٌ فقط لا يصحّ الطّلاق ويكون باطلاً من النّاحية الشرعيّة.
والشاهدان العادلان لا بدّ أن يكونا رجلين ولا تصحّ شهادة النّساء في الطّلاق مطلقاً، فلو فرضنا أنّ الزوج طلّق بحضور شاهدٍ واحدٍ عادلٍ وامرأتين لا يصحّ الطّلاق ويكون باطلاً.
والمراد من العدالة في الشّاهد أن يكون مُلتزماً بفعل الواجبات الشرعيّة ومُلتزماً بترك المحرّمات الشرعيّة، فإذا كان الشاهدان غير ذلك أو كان أحدهما غير ذلك وقع الطّلاق باطلاً، وتبقى المرأة زوجةً لمن طلّقها.
لهذا لا بدّ من العمل بالإحتياط عندما يريد الإنسان أن يطلّق وليحاول أن يجري صيغة الطّلاق بحضور جمعٍ من الملتزمين حتى يضمن صحّة الطّلاق لو وصل الأمر بين الزوجين إلى حدّ الإفتراق ولم يعد من الممكن الإستمرار في حالة الزوجيّة بينهما.
وختاماً نسأل الله أن لا يبتلينا بالطّلاق إنّه سميعٌ مجيب والحمد لله رب العالمين.