دور المضاربة في الإقتصاد الإسلامي
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1795
فالقوة والشجاعة إذن من الأمور التي تجعل للفرد أو الأمة مهابة في قلوب الآخرين تجعلهم يفكرون كثيراً قبل الإقدام على مواجهة القوي، لأنّهم يعلمون أنّ المواجهة في مثل هذه الحالة لا تخلو من المخاطر والصعاب.
ولذلك أمر الإسلام أتباعه بإعداد القوة والقدرة لمواجهة كلّ الحالات السلبية التي يمكن أن تتعرّض لها الأمة الإسلامية، وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: { وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم}.
فالإسلام يأمر بإعداد القوّة، لا لمجرّد إظهار القوة أو استعمالها كيفما كان وفي كلّ ظرفٍ ومكان، وإنّما لاستعمالها حيث ينبغي، وحيث يكون لها الدور الحاسم في ردّ العدوان أو كبح جماح الأعداء، أو لإلقاء الرهبة والخشية في قلوب الذين يفكّرون في الإعتداء على الدولة الإسلامية أو على المسلمين.
وهذا يعني أنّ القوّة من منظار الإسلام هي محكومة بضوابط وقيود شرعية وأخلاقية وإنسانية لا تسمح للمسلمين باستعمالها حيث يجب وحيث لا يجب، بل نجد أنّ الإسلام لا يحبّذ استعمال القوّة عندما يكون هناك إمكانيّة لتجنّب اللجوء إليها، لأنّ استعمال القوّة لا بدّ أن ينتج عنه حروب وسفك دماء ودمار وتخريب، وهذا يتنافى مع أهداف الإسلام الإلهية والإنسانية، ولذا ورد في قوله تعالى :{ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}، وهذه الآية تفيد أنّه كلّما أمكن اجتناب استعمال القوّة والوصول إلى الهدف من دونها فهو الأرجح وهو المقدّم في شرعنا وديننا لأنّ ذلك يوفّر الكثير من المعاناة والآلام على المسلمين من جهة وعلى غيرهم من جهةٍ أخرى.
وفي تاريخنا الإسلامي العريق شواهد على عدم استعمال القوّة ضدّ الأعداء مع أنّهم كانوا تحت يد المسلمين، كما حدث عندما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة المكرمة حيث تصوّر الكثيرون ممّن حاربوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإسلام الحديث ودولته في المدينة المنورة أنّ هذا الفتح سينتج عن سفك الدماء كما قال بعضهم عندما دخل مكة قائلاً: (اليوم يوم الملحمة) فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك، فردّ عليه بقوله :( اليوم يوم المرحمة) وعفا الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم) عن أغلب الذين كانوا قد حاربوه وقال لهم كلمته المشهورة: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء).
لأنّ القوّة في الإسلام عندما يجوز أو يجب استعمالها إنّما هو من أجل إزالة العقبات والموانع التي تقف حائلاً بين الناس المضلّلين والمستضعفين وبين ربّهم وخالقهم، تلك العقبات التي تضعها الفئات المسيطرة والمهيمنة على مقدّرات الأمور حتى لا يرى المحكومون الأمور على حقيقتها وحتّى لا يدركوا الواقع الضالّ والمنحرف الذي يعيشون فيه والذي يُعتبر نوعٌ من الحاجب والساتر لبصائرهم وأبصارهم عن رؤية الحقيقة التي خلق الله الإنسان من أجل الوصول إليها والإلتزام بمضامينها وأحكامها وأنظمتها.
وقد ورد عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) نص مهم جداً يوضح أثر القوّة في نفوس العدو، وهو التفسير العملي للآية التي ذكرناها {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة...} حيث قال: (ما قاتلت أحداً إلاّ وأعانني على نفسه) وتفسير هذا النص أنّ قوة علي وشجاعته التي ملأت الآفاق وشاعت في البلاد جعلت من كلّ من يواجهه يقاتل من موقع المنهزم نفسياً وروحياً أمام علي (عليه السلام) ممّا كان يغنيه عن الإنتصار عليه بقتله أو بالسيطرة عليه والإنهزام أمامه والفرار منه خوفاً من القتل أو الأسر.
من هنا نقول إنّ إظهار القوّة في الإسلام مردّه للأمور التالية:
ـ أولاً: الإعداد الجيّد والمنظّم لقدرات المسلمين وطاقاتهم وإمكانياتهم.
ـ ثانياً: إلقاء الرهبة والخشية في قلوب الأعداء فيما لو حاولوا التفكير بالإعتداء على المسلمين.
ـ ثالثاً: جهوزية القوّة للردّ على أيّ اعتداءٍ يحصل ضدّ الإسلام والمسلمين.
ـ رابعاً: عدم تضييع القوّة وتشتيتها باستعمالها كيفما كان وإنّما لإعمالها في وقت الحاجة إليها.
ولهذا نجد أنّ الإسلام لم يستعمل القوّة يوماً لفرض إرادته على الآخرين واستعمار بلادهم واستغلالهم والسيطرة عليهم أو سلبهم حقوقهم المدنية والإنسانية، وإنّما استعمل الإسلام القوّة ضدّ الذين حاربوه وأرادوا إسقاطه حتى لا يشكّل خطراً على عروشهم وامتيازاتهم كما حدث مع الإمبراطوريتين الفارسية والرومية اللتين حاربتا الإسلام خوفاً من تمدّده واستمالة قلوب الناس إليه، فاضطرّ المسلمون لاستعمال القوّة لإسقاطهما ممّا مهّد الطريق أمام تلك الشعوب للإيمان بالإسلام ودخولهم فيه وصيرورتهم جزءاً لا يتجزأ من الأمّة الإسلامية حتّى يومنا هذا.
بل نرى أكثر من هذا، حيث لم يجبر الإسلام وفي دياره من يعتقد غير الإسلام ديناً على الدخول في الإسلام، بل ترك لهم حرية العبادة والمعتقد طالما أنّهم لا يقومون بخيانة الدولة الإسلامية التي تحتضنهم وتأويهم، وعاش المسيحيون واليهود جنباً إلى جنب مع المسلمين حتّى اليوم، ولو أراد الإسلام استعمال القوّة لأجبر أولئك الناس على الدخول في الإسلام قهراً عنهم ورغماً عن إرادتهم، إلاّ أنّه لم يفعل ذلك لأنّ الإسلام يريد للناس أن تؤمن عن قناعة ذاتية وإيمان صاف نابع من القلب والعقل والروح والوجدان، لأنّ مثل هذا الإسلام هو الذي لا تتخلّى الناس عنه لو آمنت به.
فالإسلام بما أنّه دينٌ إلهي النشأة والمرجع لا يسمح لأتباعه بجعل القوّة أداة ووسيلة للسيطرة والقهر والإعتداء والظلم، وإنّما هو وسيلة للدفاع عن الأمّة لإزاحة العقبات من أمام الناس المنحرفين والمضلّلين للعودة إلى الصراط المستقيم.
فالبُعد الإلهي في الإسلام يعطي للقوّة عند المسلمين صفات الرحمة والرأفة والعفو عند المقدرة، لأنّ وظيفتها تختلف جذرياً عن القوّة عند الآخرين الذين لا ينطلقون من منطلق إلهي، ويرون أنّ القوّة هي الوسيلة للسيطرة والهيمنة وفرض الإرادة والمصير على الضعفاء من الأفراد والأمم والشعوب كما حدث في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث عملت الدول القوية في العالم وبما تملكه من أدوات القوّة على السيطرة على معظم دول العالم وقهرها واستغلال مواردها وإقامة أنظمة على ما يناسب مصالحها ومنافع شعوبها بغضّ النظر عن مصالح الشعوب المستضعفة والمقهورة.
فالقوّة عندما تتجرّد عن أبعادها الإلهية والإنسانية وتخلو من عناصر الرحمة والعفو تصبح قوّة شيطانية فاجرة مستبدّة تمارس أبشع أنواع القتل والجرائم بحقّ الأفراد والشعوب، كما أنّ التنافس بين الأقوياء من هذا النوع يسبّب الحروب والويلات والدمار طمعاً في السيطرة والغلبة، ولذا شهد القرن العشرون حربين عالميتين سبّبتا الكثير من الدمار والقتلى الذين وصل عددهم إلى عشرات الملايين من البشر، فضلاً عن عشرات بل مئات الحروب الإقليمية بسبب التنازع بين القوى الكبرى التي لا تهتمّ بمصائر الشعوب أكثر من اهتمامها ببسط سيطرتها ونفوذها على القسم الأكبر من العالم ولو على حساب العذابات والآلام والفقر والجوع والأمراض التي فتكت بالكثير من الشعوب على امتداد القرنين الماضيين ومن ضمن هؤلاء الشعوب الإسلامية التي ذاقت المرارات وتجرّعت الغصص، وكان الإبتلاء الأكبر للقوّة الغاشمة طرد الشعب الفلسطيني من أرضه، وإحلال الشعب اليهودي بدلاً عنه في تلك الأرض الإسلامية المقدّسة التي ما زلنا نعاني من وجوده في قلب العالم الإسلامي من خلال الإجرام الذي يمارسه بحقّ الشعب الفلسطيني واللبناني والعربي عموماً بل الإسلامي ككلّ.
إنّ نشوء هذا الكيان الغاصب كان وليد القوّة المجرّدة عن الضوابط الإلهية والإنسانية والأخلاقية، وما زالت هي السبب المباشر في بقائه وتقويته وتزويده بكلّ أنواع الأسلحة التي تسمح له بالبقاء قوياً في مواجهة أصحاب الحق الشرعيين رغماً عن إرادة كلّ دول وشعوب العالم الإسلامي والعالم المتحضّر.
وما العدوان الذي نشهده اليوم على الشعب الأفغاني المسلم سوى نموذج صارخ لاستعمال القوّة المفرطة من دون وجود دليلٍ ملموس أو مقبول على علاقة النظام الحاكم أو من تأويه عن مسؤوليّته عن الإنفجار الكبير الذي دمّر مبنى التجارة العالمية ونتج عنه موت الآلاف من الناس، إلاّ أنّ القوة الغاشمة الأمريكية والمتغطرسة جعلت من ذلك الحدث وسيلة لتدمير الشعب الأفغاني المسلم الذي دفع الكثير في حربه ضدّ الغزو السوفياتي وفي الفتنة الداخلية بين أفرقاء السلاح بعد انسحاب الجيوش السوفياتية منهزمة من تلك البلاد.
من كلّ ما سبق ينبغي على دول العالم كلّها وخصوصاً الضعيفة منها أن تتّحد مع بعضها البعض وأن تحاول فرض نظامٍ صارم لاستعمال القوّة حتّى لا يبقى العالم محكوماً لمزاجية الولايات المتحدة الأمريكية التي تستغلّ قوّتها لقهر الشعوب وتصنيفهم وفق ما يناسب مصالحها ومنافعها القائمة على فرض إرادتها الشريرة على الشعوب الإسلامية وغيرها من دول العالم المستضعف، وتحاول من خلال قوّتها العسكرية والسياسية والإقتصادية والإعلامية فرض نموذجها الذي اعتبرته المنتصر الأكبر بعد هزيمة المعسكر الإشتراكي على دول العالم، ولذا نجدها تصنّف بعض الدول التي لا تنصاع للقوّة الأمريكية دولاً مارقة وخارجة عن سيطرة القوّة الأمريكية ويجب تأديبها وإخضاعها بأيّ طريقةٍ من الطرق.
وهنا نجد أنّ الإسلام لا يجيز للدول الإسلامية التخلّي عن إسلامها والإستسلام هكذا بسهولةٍ للقوّة الغاشمة، بل يأمر بمحاربتها والوقوف بوجه محاولاتها الخبيثة والشريرة لتحرير الشعوب الإسلامية وإرادتها من هيمنة قوّة ظالمة كهذه القوّة التي تتصوّر أنّه لا يمكن لأحدٍ أن يقف في مواجهتها، لأنّها تنشر الرعب والذعر في كلّ أنحاء العالم من أجل تحقيق أهدافها في السيطرة والهيمنة على حساب الشعوب الفقيرة غير القادرة على المواجهة بالمثل.
من هنا نجد أنّ العالم الإسلامي هو المؤمّل لتشكيل التكتّل العالمي المناهض لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، وأنّ على الدول الإسلامية الرئيسية السعي من أجل إيجاد مثل هذا التكتّل ليس بين الدول الإسلامية فقط، بل مع كلّ الدول التي ضاقت ذرعاً بالممارسات الأمريكية البشعة وبممارسات ربيبتها إسرائيل التي تتبجّح أمريكا بأنّها الصديق الأفضل والأوفى لهذا الكيان الذي يماثل الولايات المتحدة في استعمال القوّة المفرطة ضدّ الشعب الفلسطيني الأعزل لجعله يستسلم ويخضع لإرادتها وشروطها.
ولعلّ الإنفجارات التي حدثت في نيويورك وواشنطن وما أعقبها من عدوانٍ صارخ من دون دليل إثبات على تورّط النظام الأفغاني هما المناسبة الأفضل للدول الإسلامية لأخذ المبادرة لصوغ نظامٍ عالمي جديد لا مكان فيه لاستعمال القوّة إلاّ في الظروف التي لا تنفع غير القوّة بديلاً عنها، ولمحاولة إيجاد نظامٍ عالمي قائم على الإحترام المتبادل للشعوب وأنظمتها وحضاراتها، والسعي لتحقيق العدالة الإنسانية بين العالم القوي والغني والعالم الفقير والمستضعف الذي يشكّل أكثر من ثمانين بالمئة من سكان العالم ويعاني من أعراض الفقر والجهل والتخلّف، بينما العالم القوي والغني ينعم بالأمن والراحة والعيش الرغيد والمؤمّن له كلّ احتياجاته ومتطلباته.
ولتوضيح الصورة أكثر لا بأس بذكر بعض استفتاءات القائد حفظه الله في هذا المجال:
س:1074: ما هو الحكم في القيام بالدفاع عن الإسلام عند تشخيص تعرّض الإسلام للخطر مع عدم رضا الوالدين بذلك؟
ج: الدفاع الواجب عن الإسلام والمسلمين لا يتوقّف على إذن الوالدين، ولكن مع ذلك ينبغي له السعي في تحصيل رضاهما مهما أمكن.
س:1075: هل يجري على أهل الكتاب الذين يعيشون في البلاد الإسلامية حكم أهل الذمّة؟
ج: حكمهم ما داموا خاضعين لقوانين ومقرّرات الدولة الإسلامية التي يعيشون تحت ظلّها حكم المعاهد ما لم يفعلوا ما ينافي الأمان.
والحمد لله ربّ العالمين