حقوق السجين في الإسلام 2
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 5489
- حق المسجون: إذا ثبتت براءته: وهذا ما قد يحدث أحياناً حيث يكون إنسان ما محبوساً ثم تتبين براءته، إما بسبب خطأ الشهود أو بسبب تعمدهم الكذب، أو بسبب اشتباه القاضي في علمه بناءّ على جواز حكم القاضي بعلمه أو غير ذلك من الأسباب التي أدت إلى حبس إنسان ثم تبين خطأ تلك الأسباب فهنا ( إذ كان المحبوس أجيراً وله أجرة محددة، أو كان كسوباً ومنتجاً وغير عاطل عن العمل، فإن أجرة الأيام التي قضاها في السجن مضمونة له ومحفوظة شرعاً لدى من تسبب بحبسه، وهو القاضي إن تبين خطأ القاضي في الحكم بعلمه، وإما الشهود إن كانوا قد أخطأوا أو تعمدوا الكذب في شهادتهم، وفي حال كان الخطأ من القاضي فالضمان لمال المحبوس يكون من بيت مال المسلمين. أما إذا كان المسجون الذي تبينت براءته عاطلاً عن العمل أو غير أجير وغير كاسب فلا ضمان له لأن حبسه لم يفوت عليه شيء حتى يضمن.
- حق المسجون في حضور الصلاة ( الجمعة والعيدان ): وهذا الحق للسجين قد وردت فيه:
روايات عديدة، كما أفتى الفقهاء بذلك أيضاً، فمن الروايات ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): ( على الإمام ( الدولة ) أن يخرج المحبوسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة ويوم العيد إلى العيد فيرسل معهم فإذا قضوا الصلاة والعيد ردهم إلى السجن ).
وعن الباقر (عليه السلام) ( أن علياً (عليه السلام) كان يخرج أهل السجون من أحبس في دين أو تهمة إلى الجمعة فيشهدونها ويضمنهم الأولياء حتى يردونهم ).
ولا شك في أن هذا الحق للمحبوس هو نوع من الحفظ للحقوق الدينية التي قد تساعده على تصحيح السلوك، وإخراجه للصلاة من السجن هو نوع من التربية والتهذيب، لأن الإسلام لا ينظر إلى السجن على أنه مجرد مكان لقضاء العقوبة، بل هو مضافاً إلى ذلك مكان لتقويم الانحرافات عند البشر حتى يخرجوا من السجن وهم أناس صالحون حاضرون للاندماج في الحياة الاجتماعية بعزة وكرامة.
- حق السجين في ملاقاة الأقرباء وغيرهم: وهذا الحق للسجين قد أثبتته النصوص وأفتى به الفقهاء أيضاً، إذ من حق السجين أن يتواصل مع أهله وأصدقائه لكي يكون عارفاً بما هم عليه من أحوال وشؤون، مضافاً إلى أن اللقاء معهم هو نوع من المواساة والتواصل مع السجين الذي تنعشه تلك اللقاءات لأنها تعطيه الأمل وتساعده على تجاوز مدة السجن بأقل قدر ممكن من الأضرار، وكذلك قد يكون للمحبوس تجارة أو صناعة أو غير ذلك فيكون للقاءات مع العاملين لديه مثلاً منفعة له من حيث معرفته بما صارت إليه أموره، أو لقاءاته مع الأصدقاء ففيها نوع من الوفاء من الصديق لصديقه ونوع من إبقاء الروابط الإنسانية بين البشر التي لا يريد الإسلام تقطعها فيما بين الناس، بل يهمه أمر تشديد أوامر العلاقة والصداقة بين البشر. وقد وردت رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (... ولا تحل بينه وبين من يأتيه ( المحبوس ) بمطعم أو مشرب، أو ملبس أو مفرش، ولا تدع أحداً يدخل إليه ممن يلقن اللدد ( خصومة الناس ). وفي كتاب المبسوط للشيخ الطوسي ورد ما يلي في الفتوى ( ولا يمنع المحبوس من دخول إخوانه وأهله عليه، لأنه يحتاج إلى ذلك حتى يشاورهم في توجيه ديونه، ولكن لا يمكّنون من المكوث عنده حتى يستأنس بهم ).
- حق السجين في الرفاهية: السجن في الإسلام ليس مكاناً لتعذيب الناس أو للانتقام منهم بسبب ما ارتكبوه من جرائم ومخالفات، بل هو مكان للتوجيه والإرشاد أيضاً، كما هو مكان ينبغي أن تتم فيه مساعدة السجين على قضاء عقوبته بأقل قدر ممكن من الضرر عليه، ولذا له الحق في نوع من الرفاهية التي لا ترقى إلى الحال التي كان يعيشها قبل الحبس، ولكن لا يطبق عليه أيضاً بحيث تصبح حياته في السجن جحيماً لا يطاق، ولذا ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام): ( ومر بإخراج أهل السجن في الليل إلى صحن السجن ليتفرجوا )، وفي كتاب ولاية الفقيه الجزء الثاني في الصفحة ( 469 ) ورد ما يلي ( أن على الإمام أن يراعي حاجات المحبوس في معاشهم من الغذاء والدواء والهواء الصافي والألبسة الصيفية والشتوية وسائر الإمكانات... ).
وقال بعض المفكرين في كتاب أحكام السجون: ( أن يكون بناء السجن مريحاً وواقياً من الحر والبرد مما يتوفر معه راحة السجين، ومن هنا ترى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبس في الدور الاعتيادية التي يسكنها سائر الناس ويتوفر فيها النور والسعة، فقد حبس الأسرى المقاتلين الذين حكمهم القتل في دور اعتيادية إذ فرقهم على بيوت الصحابة، وأحياناً كان يحبسهم في دار واحدة كما حبسهم في دار امرأة من بني النجار من الأنصار).
- حق السجين في تعجيل محاكته: وهذا الحق ثابت للسجين بلا إشكال بل قد يجب كما أفتى به
بعض الفقهاء، لأن عدم التعجيل في المحاكمة قد تؤدي بالمحبوس لأن يقضي فترة طويلة، وقد تستمر إلى أكثر ما يستحقه الجرم المحبوس به أحياناً، ولذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ( أنه كان يعرض السجون في كل يوم جمعة فمن كان عليه حد أقامه، ومن لم يكن عليه حد خلى سبيله )، وقد أفتى الفقهاء بتعجيل محاكمة المحبوسين للإفراج عن المسجون ظلماً أو خطأ، ولإصدار الأحكام بحق المحبوسين لا عن ظلم ولا عن خطأ، ومن نماذج الفتاوى في هذا المجال ( إذا تفرغ القاضي من مهماته واراد القضاء استحب أن يبدأ أولاً بالنظر في حال المحبوسين ـ السبزواري ـ ).
- حق السجين في الانفراد بزوجته: وهذا الحق من الأمور المهمة مع القدرة عليه كما لو كان الزوج محبوساً في نفس البلد الذي تقيم فيه زوجته، وذلك لأن الحاجة الجنسية من أشد الحاجات، والفصل الطويل في هذا الأمر بسبب الحبس قد يؤدي إلى أمور لا يرضى بها العقل ولا الشرع، بل ربما يؤدي عدم إشباع هذه الحاجة إلى الفرقة وتدمير الحياة العائلية مع أن الإسلام اهتم كثيراً بالحفاظ على استقرار الحياة الزوجية والعائلية معاً، وجاء في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ( أن امرأة استعدت علياً (عليه السلام) على زوجها، فأمر علي (عليه السلام) بحبسه، وذلك لأن الزوج لا ينفق عليها إضراراً بها، فقال الزوج: أحبسها معي، فقال علي (عليه السلام) لك ذلك ، إنطلقي معه لا عليك أحداً ).
وهذا الحق ثابت للزوج، لو لم تتجاوب الزوجة مع طلب الزوج المحبوس اعتبرت ( ناشزاً ) وسقطت نفقتها شرعاً، وقد أفتى العلامة الحلي بما يلي ( لو حبس قبل القسمة بين الزوجات، فاستدعى واحدة لزمه استدعاء الباقيات، فإن امتنعت واحدة سقطت حقها ).
- عدم جواز حبس المريض أو الأجير: وهذا الحق ثابت للسجين طالما هو مريض فينبغي معالجته أولاً ثم حبسه بعد ذلك بناء لقاعدة: ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) وكذلك لو كان أجيراً عند الغير ويقوم بالعمل المستأجر عليه، فإنه ينهي العمل ثم يسجن إذا كانت التهمة ثابتة عليه بالأدلة الشرعية والبينات الواضحة والسبب هو نفس الدليل ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) وقد أفتى الإمام الخميني المقدس في هذا المورد بما يلي ( لو كان المديون مريضاً يضره الحبس، أو كان أجيراً للغير قبل حكم الحبس عليه، فالظاهر عدم جواز حبسه ).
وهذا الحكم مختص بالسجين الذي عليه ديون للناس ورفع الدائنون أمرهم إلى الحاكم الشرعي لحبسه حتى يوفي ديونه وكان مريضاً يضره الحبس، ولا يشمل هذا الحكم أنواع السجناء بجرائم أخرى.
ومن أنواع الحقوق الأخرى للسجناء هناك حق فصل النساء عن الرجال لأن جمعهم في سجن واحد فيه الكثير من المفاسد، ولذا ورد في كتاب ( ولاية الفقيه ) الجزء الثاني ـ ص ـ 455 ـ ( لا ريب أن السجون الشرعية يجب أن تلحظ فيها وفي برامجها الموازين الشرعية والأهداف الإصلاحية الإسلامية ومن الواضح أن اختلاط الرجال بالنساء في محل واحد وفي مكان خلوة مما يوجب الفساد قطعاً ).
ومن حقوق السجناء فصل المسجونين بالجرائم والمنكرات الكبيرة عن المسجونين بالأمور غير الخطيرة، فمثلاً المحبوس بسبب الإعسار وعدم وفاء الدين ينبغي عزله عن المسجونين بتهم القتل أو الزنا أو الجرائم الأخلاقية الخطيرة، ولذا ورد عن بعض الفقهاء ما يلي: ( ... فيجب أن يفرد لكل صنف من السجناء ومن أصناف المجرمين مكان خاص لئلا يؤدي الأمر إلى الفساد، وبذلك يظهر وجوب إفراد سجن الشباب السذج أيضاً عن سجن من توغل في الإنحراف الفكري والعقائد الفاسدة والمناهج الباطلة المعادية والمعدية، إذ المعاشرة المستمرة مؤثرة قطعاً فينقلب السجن المعد للإصلاح إلى محل الفساد والإفساد ).
ومن الحقوق الثابتة للسجين عدم جواز أخذ الاعتراف منه أو الإقرار بالتهديد أو التخويف أو التعذيب، لأن الاعتراف في هذا المجال لا قيمة لا من الناحية الشرعية، ودلت على ذلك النصوص والفتاوى، ضمن النصوص: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من أقر عند تجريد أو تخويف أو حبس أو تهديد فلا حد عليه ).
وهذا الحق هو في القمة من حيث الحفاظ على حقوق الإنسان، لأن التعذيب لانتزاع الاعتراف قد يكون ناتجاً عن خوف السجين من الألم أو الضرب الذي سيتعرض له فيفضل الاعتراف حتى لا يضرب أو يعذّب.
هذه هي أهم الحقوق الثابتة للسجين في الإسلام والتي نرى أنها ما زالت متقدمة على ما يعطى للسجين من حقوق في عالم اليوم الذي يدعي زوراً أو بهتاناً أنه عصر الحفاظ على حقوق الإنسان.
والخلاصة فإن الإسلام يعتبر أن السجين هو إنسان كالآخرين ينبغي أن تحفظ حقوقه، وأن مجرد حبسه لتهمة ما لا تلغي إنسانيته ولا تهدد حقوقه، وأن السجن هو مكان للإصلاح والتوجيه والإرشاد وضمن الفترة التي يقضيها السجين المحكوم عليه بهذه العقوبة، وليس مكاناً للتشفي أو الانتقام أو هدر كرامة الناس وعزتهم.
والحمد لله رب العالمين